لقد وضع مؤرخوا السياسة العالمية ثلاثة شروط كمساعدة ناجحة لاي احتلال: التوصل الى فهم مشترك من قبل كل من المحتل والشعب المحتل الى ان الاحتلال هو امر ضروري. ففي الحالات التاريخية التي تجمع بينهما نجد حالة اليابان والمانيا حيث توصلت شعوبهما الى الاستنتاج بأن الاحتلال الاجنبي ضروري لوضع حد للحرب والعنف. اما الاخرى فان البلد المحتل يجب ان يدرك ان الاحتلال أمر ضروري امام التهديد الخارجي او الداخلي الوشيك. ففي حالتي المانيا واليابان كان ينظر الى التهديد السوفياتي كحقيقية تهدد بعدم احترام سيادة البلدان لذلك ستكون سلطات الاحتلال هي عامل الاستقرار الضروري لمنع ذلك. اما العامل الثالث فيجب ان تكون هنالك مصداقية للاحتلال سواء من حيث المبررات للغزو ومصداقية للانسحاب في الوقت المناسب. واذا استوفيت هذه الشروط الثلاثة ، فان قوات الاحتلال لا يمكن لها الا ان تنجح في اقناع السكان بعدم مقاومة الاحتلال.
لعل التحدي المتمثل في استراتيجيات الخروج من العراق تعد اليوم من اهم السياسات المتعلقة بشؤون الدفاع والسياسة الامنية في الدراسات الاستراتيجية التي تنشر على كافة الصعد لمراكز الابحاث والدراسات العالمية في هذا الوقت. وربما يكون "اختيار النصر " وخطط النجاح في العراق في تقارير فرق التخطيط الامريكية وايجاد الهدف من التحول في السياسة الاميركية العسكرية هو اهم سبب علني موجه ضد الوهم الذاتي والضعف العسكري، والتهديد للسلام اليوم الذي تواجهه القوات والوجود الامريكي في العراق.
وفي سلسلة المقالات التي تحرص عليها المؤسسة الوطنية للدراسات والبحوث من القيام بها في الذكرى السنوية الخامسة لغزو بغداد نريد ان نبين الفوضى العقلية السائدة في مراكز البحث والدراسات الامريكية حول مستقبل العراق بعد الفشل الاستراتيجي الذي تواجهه اليوم الادارة الامريكية والدول الاقليمية المجاورة والمشاركة بالغزو الامريكي لبغداد.
فبعد خمس سنين من الغزو لازالت المعارك مستمرة في ارجاء العراق وان تعددت صفحاتها ولكن اليوم ارض العراق تشتعل من جنوبه الى وسطه الى شماله وان تعددت اسباب وصور هذا الصراع ووفقا لتقارير اعلامية جاءت معركة البصرة مخيبة للامال بالنسبة لابطالها وافعال الانتقام ستكون بالتاكيد جزء من الكفاح العنيد المطروح في جنوب البلاد العراقية وسيكون على القوات الامريكية الكثير من الالتزامات على هذه العملية. فالحكومة العراقية وقوات الامن تريدان ان تثبتا انهما يمكن ان تخططا وتنفذا عملية بهذا الحجم، في حين ان الولايات المتحدة بحاجة الى الفوز لتصور انتصارها في هذه الحرب عند العودة الى اوطانها. وهم بحاجة الى ان اثبات لعامة الشعب الامريكى ان الجيش والمرتزقة الامريكان قد حققوا التقدم بعد أن كان معترف به عالميا منذ اسبوعين ان الخروج وكسر المأزق السياسي في العراق لا يزال بعيدا.
الا ان هنالك نقطة هامة جدا في تفاصيل الاعتداء هو ان الحكومة المركزية قوات الامن تفترضان ان يتم العمل مع قوات الشرطة المحلية الأمن والتي من المعروف انها كانت على صلات مباشرة مع الميليشيات وفي معظم الحالات تسللت اليهم. وهذه نقطة اعترف بها رئيس شرطة البصرة والذي ما فتئ يعمل لتخليص قوة الشرطة من التناحر الطائفي رغم انه قد نجا من محاولات عدة لاغتياله منذ توليه المنصب قبل اقل من عام بالرغم ان الخط الرسمي للحكومة هو انها ليست تستهدف مجرد احد الميليشيات، الا ان التوافق العام هو ان جيش المهدي سيكون عليه التركيز الرئيسي لهذه العملية .
وقد دخلت الحرب واحتلال العراق حيز السنة السادسة مع التكاليف المباشرة وغير المباشرة المرتفعة بشكل مذهل. ففي حين ان الرئيس بوش يدعي أنه له الحق في الحرب بكامل صفحاتها، بالرغم من مخالفة الراي العام في الولايات المتحدة والعالم معه في ذلك اذ بلغ ادنى مستوى لها في 31% بسبب ان الاميركيين يختلفون معه في المقام الاول على تناسب تكلفة هذا التعهد مع نتائجه بالمقام الاول وليس للماساة الانسانية والكوارث البشرية التي حلت بالعراق.
ففي عام 2003 ادعت الادارة الامريكية ان الحرب ستكلف حوالى 50 - 60 بليون دولار. وكان اكثر العقائديين الذين كانوا وراء الحرب في ادارة بوش امثال بول وولفويتز اكثر تفاؤلا بأن عائدات النفط العراقي من شأنها ان تدفع تكلفة الحرب مباشرة بعد الاحتلال. واليوم بات واضحا تماما ان هذه الرؤية لهؤلاء العقائديين كانت خاطئة وساذجة بشان تكلفة الحرب. فخلال 2003-2008 خصصت الولايات المتحدة ما يزيد على 1 بليون دولار لقدامى المحاربين في مجال المنافع والخدمات و26 بليون دولار للدبلوماسية والمساعدات الخارجية و21 بليون دولار لقوات الامن العراقية و 440 مليار للاحتلال العسكري. واستمرت الحرب بمعدل استنزاف قدره 12،5 مليار دولار في الشهر.
وقد تصل تكاليف الميزانية الى حوالي 600 مليار دولار تذهب الى العمليات الفعلية والى 3 تريليونات فى الغالب بعد خمس سنوات من الحرب مع تمويل اعتمادات الطوارئ والذي هو في حد ذاته اكثر من 10 اضعاف ما اعلنته الادارة. وايضا هناك تكاليف ضخمة قادمة اهمها تكاليف قدامى المحاربين. حيث استنزفت القوات المسلحة الامريكية بحيث امست اقل استعدادا لمواجهة أي تحد جديد مما كان عليه قبل خمس سنوات (وهذا جزء من كلفة الحرب). اذ انه سيكون مكلفا لاي استعداد عسكري للعودة بالقوة الى ما كان عليه قبل الحرب.
والى جانب التكلفة المالية للحرب الامريكية فقد دفعت بالدم كذلك. فعدد القتلى من الانكلو- ساكسون يقفون باكثر من 4000 قتيل بينما الاصابات اكثر من 40000. وان أمريكا بمواجهة مع المستقبل بتقديم الرعاية والاحتياجات من الناحية العقلية والنفسية لويلات الحرب لاكثر من 158000 من الجنود الذين يتمركزون حاليا في العراق.
وبعد ان فقدت امريكا ايضا السلطة المعنوية دوليا بحلول الوقت الذي بدأت الحرب كانت مصداقية أميركا في الحضيض في الشرق الأوسط وفي العديد من البلدان في المنطقة بسبب عدم التوازن والانصاف في سياستها الخارجية تجاه هذه المنطقة. فتورط امريكا في البلقان قد شجع البعض في المنطقة بالبحث عن علاقات افضل مع واشنطن. ورغم ان اميركا تأخرت في التدخل في النزاعات في البلقان الا ان واشنطن والاوروبيين كانوا يخشون من امتداد الحرب إلى دول اوروبية أخرى لذلك كان الحافز الرئيسي للذهاب الى البوسنة وكوسوفو بانه لم يكن لتطهير ميلوسيفيتش من السلطة ولكن للمعارضة الااخلاقية في ممارسة الابادة الجماعية والتطهير العرقي.
على النقيض من ذلك، فان ادارة بوش ذهبت الى الحرب في العراق على أساس زائف ومبررات الحرب التي لم تكن مقبولة لدى الكثيريين. فالامين العام السابق للامم المتحدة كوفى عنان تحدت عن الحرب على اساس شرعيتها. وبأن الحرب لم تكن مقبولة في المجتمع الدولي في اطار قواعد القانون الدولي وبالتالي فان الحرب لم تكن عادلة. وانه لم يكن هناك صلة بين صدام حسين ومرتكبي أعمال العنف من الحادي عشر من ايلول. وكشفت دراسة ازيلت عنها السرية مؤخرا في تشرين الثاني 2007 بعنوان "مشروع وجهات نظر العراقيين : صدام والارهاب " من قبل معهد لدراسة الدفاع في وزارة الدفاع الى انه بالنظر الى الحقائق المعروفة فإنه لم يكن هناك صلة بين القاعدة وصدام. وانه لم يكن هناك اي دليل يشير الى ان حكومة بغداد كانت تسعى الى تطوير اسلحة الدمار الشامل والى شراء اليورانيوم من النيجر. واي سلاح من اسلحة الدمار الشامل لم يعثر عليه قبل او منذ بدأت الحرب فى العراق.
وردا على 'الصواب' و 'الخطأ' في هذه الحرب ، دافعت إدارة جورج بوش ومهندسوا الحرب بصلابة عن قرارهم لغزو العراق. ففي اذار 19 2008 وفي الذكرى الخامسة للحرب، قال بوش انه لم "ياسف" لقرار الحرب. واوضح كذلك الى"النجاحات التي يشهدها في العراق لا يمكن انكارها" اما السناتور الجمهوري جون ماكين فيقول "يجب على الامريكيين ان يكونوا فخورين بأنهم مهدوا الطريق لازالة الديكتاتور وفتح امكانية التوصل الى عراق حر ومستقر". وفى البنتاغون قال الرئيس الامريكي "لقد شهدنا بإعجاب انتخاب 12 مليون عراقي تحدوا الارهابيين وذهبوا الى صناديق الاقتراع واختاروا قادتهم في انتخابات حرة". ومن اجل تبرير استمرار الاحتلال والحرب قال الرئيس الامريكي "انه يتعين علينا ان نكسب هذه المعركة". وبرر زيادة القوات الاميركية وحشود القوات بالقول انها "فتحت الباب امام انتصار استراتيجي رئيسي في الحرب على الارهاب على نطاق أوسع." واما ماكين فيقول انه لا يسعنا ان نفقد هذا 'المعركة'. فهو يريد بالاستمرار في الاحتلال والحرب حتى لو امتدت "مئة سنة".
ولكن يحق لنا هنا التساؤل عن ماهية هذه المعركة فالعراقيين يجدون وحتى هذا اليوم صعوبة الفهم في جوهر هذه المعركة وهل تستحق كل هذه التضحيات والخسائر وفي بعض المؤسسات السياسية في الولايات المتحدة صعب عليها فهم الاساس المنطقي وراء تبرير الاحتلال واستمرار الحرب. فمنهم من وصفها بانها "حرب من أجل النفط ،" البعض سماها "الحرب الاستعمارية" واخرون اطلقوا عليها "الحرب بين الخير والشر" ولكن ما هو واضح هو ان المخططين للحرب قد تجاوزوا طموحات التخلص من حاكم بغداد. وكانت الايديولوجية المتقنة والتي كان معظم الادارة الامريكية يتطلعون لاقامة نظام عالمي جديد وخريطة جديدة في الشرق الاوسط قد تجاوزوها ايضا.
فأمريكا لم تقف من اجل الديمقراطية في الشرق الاوسط في الماضي ولا في الوقت الراهن في ظل هذه الإدارة او سواها، على الرغم من الخطب الرنانة لان العملية والنتائج والكلف لا يمكن التنبؤ بها لهذا البلد. والديمقراطيات فى الشرق الاوسط تاريخيا ليست صديقة للولايات المتحدة على الاقل في البدايات وليس من الحكمة لواشنطن ان تدفع تكاليف هذا عاجلا وليس آجلا. فأمريكا هي أكثر اهتماما في التعامل مع النظام الاستبدادي في الكويت بدلا من الديموقراطية في تركيا اثناء هذا الصراع.
وجلبت الحرب والاحتلال للشعب العراقي وللشرق الاوسط الدمار وعدم الاستقرار والتدمير الواسع النطاق من الحرب المعلنة بدأ من نهب المتحف العراقى فى الايام الاولى للاحتلال الى سرعان ما امتد الى التدمير الكامل للمياه والكهرباء وأنظمة الصرف الصحي. ونصف مليون من العراقيين فقدوا وظائفهم بين عشية وضحاها كما ان سياسة اجتثاث البعث وتفكيك واعدم الجيش الى جانب نقص الغذاء والرعاية الصحية والافتقار الى الكهرباء قد أصبح واقع الحياة. فالعراق اليوم ينتج 3000 ميغاوات من الكهرباء اليوم في حين ان حاجته اكثر من 15000ميغا واط، وليس هناك أي امل في الحصول عليه في المستقبل المنظور.
اما بول بريمر، رئيس سلطة التحالف المؤقتة، فقد خطط للخصخصة الاقتصاد ولكن افتقر الى الشروط المؤسسية لهذه العملية، وهناك من العراقيين والعرب من كان يميز ضد الجيران لصالح الخارجية الاميركية والشركات المتعددة الجنسيات وزادت البطالة الى 60 % حاليا وهناك 5 ملايين عراقي قد اصبحوا من المشردين، وهاجر بسبب الافتقار الى الأمن والتعليم والصحة، والتي كانت واحدة من افضل النظم في الشرق الاوسط بسبب الحصار والحرب منذ بداية التسعينات، وعانى بشكل كبير كثير من الأطفال العراقيين ولقوا حتفهم نتيجة لندرة الرعاية الطبية، والعديد من العراقيين لقوا حتفهم بسبب العنف والتطهير العرقي الذي مورس ضدهم من قبل فرق الموت والذي وصل بحسب اخر الاحصائيات البريطانية الى مليون ومائتي الف قتيل خلال الخمس سنوات السابقة. الى جانب أكثر من 5 ملايين العراقيين تم تهجيرهم من ديارهم، و 65 % هم من النساء والاطفال، و 80 % من الاطفال تحت 12 عاما.
اما العراقيون والذين شردوا داخل البلاد فيعانون من الفقر وسوء التغذية وانعدام شبكات الصرف الصحي، والوصول الى المرافق التعليمية والرعاية الصحية. ومن هم خارج البلاد ومعظمهم من الذين فروا الى الاردن وسوريا فيواجه معظمهم حاليا صعوبات مستعصية. فمفوضي لجنة الانقاذ والافراج الدولية توصلوا الى نتائج مهولة حول العراقيين في هذين البلدين في منتصف شهر اذار 2008. ويصفون العراقيين المقيمين بانهم "الذين تعرضوا لصدمات حادة؛ حيث اسر وخطف ومورس بحقهم التعذيب أو قتل كثير من اعضاء تلك الاعداد الكبيرة من العائلات وهم يعانون اليوم من الخوف والقلق، والاكتئاب العميق.
ويشهدون ويواجهون اليوم مشاكل عملية منها تضاؤل الادخار، وعدم القدرة على تحمل تكاليف الحياة او الاسكان، وتوفر الرعاية الصحية المحدودة والقليلة او العدمية ومن أي طرق قانونية لكسب المال…. وكثير منهم يعانون ايضا بسبب الخوف من مخاطر الوضع القانوني من حيث الاقامات او في ارسال أبنائهم الى المدارس. اما مخاطرالاستغلال والاعتداء الجنسي على النساء والاطفال فهو نوع اخر من المعاناة التي تواجه العراقيين في خارج بلادهم، والاسوأ من ذلك ، يرى الكثيرون ان لا مستقبل لهم ولا لاولادهم، وبأن حياتهم وحياة أطفالهم هي ميئوس منها. كذلك خلصت تقارير الامم المتحدة الى ان "الولايات المتحدة لم تبد اي اهتمام بشؤون اللاجئين التي سببها الاحتلال؛ وان هذه المشكلة تسببت في ضوء حقيقة ان امريكا قد تخلت عن مسؤوليتها بشكل صارخ تجاه المدنيين الذين يقعون ضحايا للصراع.
اذن فليس من الصعب ان نفهم كيف ينظر العراقيين الى الحرب والى ما يريدونه. فواشنطن قد تجاهلت كليا الرأي العام العراقي في هذا الصراع. وعندما يتحدث السناتور ماكين حول استمرار الاحتلال ويقول بانه قد اصدر قرارا شخصيا باستمرار الحرب مائة عام فانه بحكمة وقناعة تجاهل آراء ومشاعر 26 مليون عراقي. اما اوباما وكلينتون فهم مقصرين في هذا الامر تجاه تجاهلهم المسؤولية الاخلاقية والمعنوية للعراقيين في هذا الصراع، فبدلا من انتقاد الحكومة العراقية من اجل تبرير معارضتهم للوجود الامريكي في العراق كان عليهم تصحيح الاخطاء الامريكية في العراق وهذين المثالين يحددان بالتاكيد الاخطاء المستقبلية التي ستقوم به الادارة الامريكية الجديدة تجاه العراق.
وفي استطلاعات الرأي الاخيرة والتي اشارت الى العراقيين يرون ان وجود الولايات المتحدة هي مصدر عدم الاستقرار وانعدام الامن. ويقولون ان الاحتلال الاميركي يحرض على المقاومة. اما مهندسي "استراتيجية زيادة القوات" فيقولون انه قد حققوا نجاحا في خفض مستوى العنف. على الرغم من ان مستوى العنف لايمكن انكاره على المستوى الاعلامي الا ان "استراتيجية زيادة القوات" ليست هي العامل الوحيد والذي ادى دورا صغيرا في تراجع اعمال العنف في الاشهر الاخيرة. ولكن كان في المقام الاول ان المدن الكبرى في العراق لا سيما بغداد قد تم تطهيرها عرقيا تماما.
اما السبب الاخر في انخفاضات العنف العرقي فهو ايقاف فرق الموت من العمل عبر هدنة سياسية استمرت لعام مقابل زيادة لنفوذها السياسي في العراق عبر طريق الاقتراع السياسي والذي سيكون عن طريق الانتخابات المحلية نهاية هذا العام بعد عزم واشنطن منح هؤلاء مكانة سياسية تقديرا لما قاموا به من اعمال للقوات المشتركة في العراق.
اما العامل الثالث فقد بدأت امريكا بعقد اتفاقات مع زعماء القبائل السنية لتمويلهم وتسليحهم ضد تنظيم القاعدة. وكانت هذه المجموعات السنية قد نظموا انفسهم في معظمهم تحت مسمى (الصحوة) ووفقا لأحدث التقديرات فقد بلغت اعدادهم بـ 60-70000 فرد. حيث كان الهدف بتضافر الجهود مع الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة ولمصالحهم الخاصة وليس لمصلحة السلام والمصالحة فى العراق. فالقوات الامريكية لا تتردد في القول لأي شخص علنا انهم يريدون هؤلاء كذراع لحماية مجتمعاتهم من الحكومة المركزية. وان كل عضو في هذه الميليشيا يكلف دافعي الضرائب الاميركية راتبا قدره 300 دولار في الشهر.
الا ان كثير من المراقبين للسياسة العراقية متشائمون جدا عن هذا التحالف. فعلى الرغم من ان "الميليشيات السنية" او الصحوة ساعدت الى حد ما الولايات المتحدة لكبح تأثير قوات القاعدة والتي كانت الهدف الاول للقوات الامريكية في العراق على مدى السنوات السابقة الا انها ليست فى صالح تعزيز الغالبية الشيعية التي تسيطر على الحكومة المركزية. حيث ان الشيعة تعارض سياسات واشنطن لتشكيل هذا التحالف وان هذه القوة المسلحة يمكن ان تحرض على الحرب الاهلية في المستقبل اذا لم يعطى لأهل السنة ما يريدونه. الا ان ادارة بوش تجاهلت ذلك بسبب ان تلك القوات الجديدة ستكون هي الوسيلة الفاعلة للضغط تجاه تقارب الشيعة الى ايران.
لقد وضع مؤرخوا السياسة العالمية ثلاثة شروط كمساعدة ناجحة لاي احتلال: الاولى: هو التوصل الى فهم مشترك من قبل كل من المحتل والشعب المحتل الى ان الاحتلال هو امر ضروري. ففي الحالات التاريخية التي تجمع بينهما نجد حالة اليابان والمانيا ، حيث توصلت شعوبهما الى الاستنتاج بأن الاحتلال الاجنبي ضروري لوضع حد للحرب والعنف.
الثانية, ان البلد المحتل يجب ان يدرك ان الاحتلال أمر ضروري امام التهديد الخارجي او الداخلي الوشيك. ففي حالتي المانيا واليابان كان ينظر الى التهديد السوفياتي كحقيقية تهدد بعدم احترام سيادة البلدان لذلك ستكون سلطات الاحتلال هي عامل الاستقرار الضروري لمنع ذلك.
الثالثة، يجب ان تكون هنالك مصداقية للاحتلال سواء من حيث المبررات للغزو والمصداقية للانسحاب في الوقت المناسب. واذا استوفيت هذه الشروط الثلاثة، فان قوات الاحتلال لا يمكن الا ان تنجح في اقناع السكان بعدم مقاومة الاحتلال.
وفي حالة العراق ، فان ايا من هذه الشروط لم تكن موجودة. فالتصور بوجود تهديد للامن العراقي من القاعدة لم يشعر به العراقيون إلا بعد احتلال الولايات المتحدة. فالعراقيين يقولون ان غزو الولايات المتحدة والتحريض على مقاومة الاحتلال قد شجع التوسع في شبكة القاعدة في هذا البلد. وان الحل بالنسبة لغالبية العراقيين هو انهاء الاحتلال وخروج القوات الامريكية فى بلادهم.
اما شرعية الاحتلال فمفقودة الا عند الادارة الامريكية ويمكن القول أن احتلال العراق قد فقد الشرعية على نحو واسع، وبأن وجود القوات الاميركية غير ضروري. وهذا الرأي يتشارك فيه اغلبية العراقيين. ففي بلد حيث توجد اغلبية تريد انهاء الاحتلال وما يقرب من نصف سكان تبرر مهاجمة القوات الامريكية، فان الحجة في مصلحة الاحتلال لأي سبب من الاسباب هي ضعيفة في احسن الاحوال. فأمريكا لا يمكن لها ان تكسب هذه المعركة لأنها ليست مجاورة لسكان العراق .
وأمريكا ليست فقط غير مبررة اسبابها في غزو العراق واحتلاله فحسب بل كان سوء ادارتها بشكل غريب. وسوء الادارة هذا جلب معه المزيد من البؤس والدمار والبؤس بالنسبة للعراقيين. فلاقناع اليابانيين كان على امريكا انها تحترم شعبها ، لذلك أبقت الامبراطور على مقعده باعتباره رمزا للوحدة. وحافظت على البيروقراطية التي تديرها الحكومة بسلاسة من اجل اعادة بناء البلد واقتصاده. وفي المانيا كان اجتثاث النازية قد تم التخلي عنه في وقت مبكر جدا، ما عدا بعض الحالات من كبار اعضاء الحزب النازي. ولكن في العراق جرت الامور بطريقة مختلفة جدا فقد تجاهلت امريكا تاريخها من الاحتلال وتاريخ البلد المحتل، وغزت مع مجموعة ميزتها عدم التبصر ممزوجة مع عاطفة مليئة بالرغبة في الانتقام وعدم احترام لثقافة العراق والاعتزاز الوطني لشعبه. فقد اشار تقريرا للامم المتحدة صدر اخيرا ان احترام الشعب العراقي وحق تقرير المصير للشعوب لم يكن عاملا في القرارات التي اتخذت تجاه العراق. وهذه الرغبة في الاحترام والحزن لسكان العراق جعلهم يتعرضون لهذا الاحتلال.
الا ان حيلة الولايات المتحدة في العراق لم تقف عند هذا الحد ولابد لنا من الاعتراف ان المخطط الاستراتيجي الامريكي نجح في العراق وعلى الاقل هذا العام في تعزيز مفاهيم جديدة ادت الى انخفاض اعمال المقاومة على الاقل في الجانب الاعلامي وحدت من خسائر الجيش الامريكي فيه والاكثر من ذلك غيرت قناعات الراي العام العراقي بشكل كبير تجاه الوجود الامريكي في بلاده, ومن ذلك برزت قناعات جديدة على مستوى الراي العام العراقي بان الاحتلال والتهديد الايراني على العراق هو اشد ضررا وتدميرا في العراق من الهديد والوجود الامريكي الغير دائم فيه وهذا ما ادى الى عزوف البعض عن مقاومة المحتل الامريكي والتوجه نحو الوقوف خلف الوجود الامريكي العسكري لمواجهة التهديدات الايرانية ووهو ما شابه الحالة في المانيا بعد الحرب تجاه التهديد السوفيتي انذاك.
والذي زاد من ذلك السياسة الباردة الامريكية الجديدة تجاه ايران من التهويل الكبير للخطر الايراني وتوسيع نفوذه وحالة الحرب واللاحرب مع ايران والتي تعيدنا الى اجواء الحرب الباردة التي استمرت اكثر من خمسين عاما, ولعل هذا السيناريو يتكرر في العراق بعدما فشلت سيناريوهات كثيرة رسمت في العراق خلال سنوات الاحتلال الخمسة السابقة لذلك ستكون سلطات الاحتلال هي عامل الاستقرار الضروري لمنع التوسع للنفوذ الايراني في العراق والمنطقة.
الامر الاخر ان موضوع الاحتلال الاجنبي ضروري لوضع حد للحرب والعنف قد يكون الان مجربا في بعض مناطق العراق خاصة بعد مرحلة الحرب الاهلية وفرق الموت التي سمح لها بقتل الالاف من العراقيين في ظل تواطؤ من قبل قوات الاحتلال انذاك لتعزيز مفاهيم ان قوات الاحتلال حينما تمسك بالارض بشكل فعال من خلال تعزيز عديد القوات فانها ستمنع وستوضع حدا فاصلا لاعمال العنف والاقتتال الطائفي, وهذه القناعات للاسف اصبحت اليوم شائعة بين اوساط الراي العام العراقي بعد ما جرت المجازر الكبيرة وراح ضحيتها مئات الالاف من الابرياء جراء تلك السياسة.
كذلك فان مصداقية الاحتلال اليوم قد تغيرت او في طريقها الى التغيير فبعد محاولات الاعتذار غير العلنية عن السياسات السابقة الفاشلة جرت محاولات لتغيير قناعات في مصداقية الاحتلال من خلال قوانين العفو العام او قانون المحافظات او في تغيير قانون اجتثاث البعث وعدم الطائفية في التعيينات في اجهزة الامن وغيرها ولعل مناسبة تغيير وجوه الادراة الامريكية نهاية العام الحالي فرصة جيدة لمراجعة بعض القرارات المهمة كجدولة لانسحاب القوات وغيرها تجعلها مناسبة لبقاء طويل للقوات الامريكية المحتلة لسنين اخرى.
وفي الذكرى السنوية الخامسة لغزو العراق يتولد قدرا كبيرا من التأمل في مسار الحرب حتى الآن وتكرار لخططها بكيفية التعامل مع الحرب الدائرة والخطط الحالية والمستقبلية للعراق اكثر من التعرف الى اسباب الغزو والدوافع والكذب الذي مورس من قبل الادارة الامريكية انذاك لتبرير قرارات الغزو.
ان مواجهة الصراع العسكري من منظور السياسة الخارجية واقتراح انهاء الاحتلال من شانه ان يسمح بمزيد من الفعالية في مواجهة التهديدات الاخرى فى العالم كالتطرف الديني، والانتشار النووي، والفقر العالمي، وتغير المناخ، والقدرة على المنافسة الاقتصادية هذا بالنسبة لمناصري الانسحاب الامريكي من العراق والذي سيكون لتكاليف الحرب الأمريكية فى العراق بالتاكيد اثر كبير على السياسة الداخلية كالرعاية الصحية، والبنية التحتية، والتعليم، وغيرها من الاولويات المحلية.
او على بعض الاحتمالات ان يكون الانسحاب انسحابا تدريجيا لمعظم القوات الامريكية من العراق، مع السماح لبعض القوات بالبقاء على شكل بعثات لمكافحة "الارهاب" او ضمان لواردات النفطية على المدى البعيد وغيرها من البعثات.
اما الخيار الاخر المتاح اليوم في مستقبل الوجود الامريكي في العراق فهو استمرار هذه الادارة او التي ستخلفها على نفس الاسلوب السابق من المضي قدما بنفس الاسلوب المتطرف في التعامل مع العراقيين والمنطقة بما سبق للادارة الحالية فعله وبما سيظمن مزيدا من التدهور الانساني والسياسي في المنطقة بشكل عام ومع ذلك، فان "حرب العراق" ليست سياسة ثابتة في نواح عديدة، فأصل الغزو وما اعقبه من احتلال العراق هي قضايا مختلفة جدا عما تواجهه شعوب المنطقة والمحتلين. واليوم يثير السؤال الاكبر للاستراتيجية اساسا، فهو سيميز اولئك الذين ظنوا ان الحرب قد اسيء ادارتها ويبقى يدور في الحلقات نفسها في الاستراتيجية التي استخدمت لتبرير الحرب فى المقام الأول, وبين من يستند إلى الحكم والشجاعة السياسية في هذا البلد ليمنع ما يمكن ان تنحدر الامور فيه الى مستوى اكبر من العنف الاكثر بكثير من ما قد سبق ان تعرض لها. فالعراق اليوم غير مستقر ويمكن ان يكون عرضة لتأثيرات خارجية واقليمية عديدة يعكس الواقع الجغرافي والسياسي والبيروقراطي والاستراتيجي للعراق .
For more question or explanation stay with the web site, www.nasr-i.org
Or call: Info@nasr-i.org
Copyright © 2006 . All rights reserved to N A S R , Nothing in this publication may be reproduced without the permission of the publisher.