حين تتكلم لغة الأرقام تصمت الشفاه...أعداد المهجرين العراقيين وغيرهم في تركيا والإقليم
م/ مقال
د. عبدالناصر المهداوي
رئيس مجلس ادارة المؤسسة الوطنية للدراسات والبحوث
قبيل الانتخابات التركية الأخيرة والتي تكللت بفوز الرئيس رجب طيب وتحالف الشعب المكون لحزبي العدالة والتنمية والحركة القومية طغت موجة من الخوف والترقب على الجاليات العربية بصفة عامة وعلى السوريين بصفة أخص، جاء هذا الإرجاف بعد أن كانت هذه الجاليات الورقة الانتخابية الرئيسة التي لوح بها خصوم الطيب أوردغان الرئيسيين محرم إنجة وأق شنار، فقد وعدا بتسليم السورين إلى بلادهم واستثمار الأموال التي صرفت عليهم وتقدر هذه الأموال بما يزيد عن 32 مليار دولار أي ما يزيد عن 150 مليار ليرة تركية...
ونحن في هذه العجالة سنتطرق بالكلام عن الشعوب المقهورة التي آوتهم تركيا وبحسب الأرقام الرسمية كما سنتناول عن عدد "العرب السنة" وعن غيرهم الذين آواهم إقليم كردستان العراق بسبب السياسات الظالمة التي مارسها حكامهم سواء في العراق أو البلاد المجاورة في حين عجزت دول العالم بأسرها عن إيواء مثل هذه الأعداد، مع اعتبار الدور الريادي لتركيا والدور الإنساني للإقليم على الرغم من قدراته المحدودة.
ففي تركيا حين تكلم عن الجالية الأكبر ونتناول لغة الأرقام فإننا نتكلم عن المهجرين الذين سجلوا بهذا الوصف، ولا نتكلم عن المقيمين الحاصلين على إقامات سياحية أو إقامات عمل أو سكن، فهؤلاء رغم أعدادهم الكبيرة لا يدخلون بهذا الوصف لكون أغلبيتهم متمكنين ماليا، ووجودهم بحسب القوانين التركية النافذة، وأسهموا بطريقة أو بأخرى بدعم الاقتصاد التركي، خاصة طبقة التجار والمستثمرين من السورين والعراقيين ومن غيرهم الذين حولوا جل رأسمالهم ومدخراتهم من العملة الصعبة لهذا البلد المعطاء.
قال وكيل مدير دائرة الهجرة في وزارة الداخلية التركية (عبد الله أياز)، إن "3 ملايين و572 ألف سوري يعيشون في تركيا حاليا، بينهم 222 ألفا يقيمون في المخيمات"، وتعد هذه أحدث إحصائية رسمية تركية لعدد اللاجئين السوريين في تركيا. وأن دائرة الهجرة تقدم الخدمات لحوالي 94 بالمئة من إجمالي عدد السوريين في تركيا. كما أصدرت وزارة الداخلية التركية ودائرة الهجرة في البلاد إحصائية في العام الماضي لعدد اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، قالت فيها إن عددهم تجاوز الثلاثة ملايين و424 ألف لاجئ سوري و، وفق الإحصائية التي نشرتها وكالة الأناضول باللغة التركية، الأربعاء 17 كانون الثاني 2017، إن معظم اللاجئين السوريين يعيشون في مدينة اسطنبول وعددهم 537 ألفًا و829 سوري، يليها مدينة شانلي أورفة (462 ألفًا و961 سوري) ثم ولاية هاتاي (457 ألفًا) وغازي عنتاب (350 ألفًا) ومرسين (191 ألفًا) وأضنة (171 ألفًا)، تليها بورصة وكلس وأزمير وقونيا على التوالي.
أما الجالية العراقية فقد ذكرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن عدد العراقيين المسجلين لديها في تركيا بلغ 126 ألفا و750 نسمة، بينهم 27 ألفا و ستمئة سجلوا بصفة لاجئ، و99 ألفا و140 يحملون صفة طالبي لجوء. ولفتت إلى أن هذا العدد هو الأعلى، ويشكل ما نسبته 45% من بين اللاجئين وطالبي اللجوء من كافة القوميات بتركيا، بينما حل اللاجئون الأفغان ثانيا بنسبة 41% ثم الإيرانيون بنسبة 10%. أما المقيمين العراقيين فهم أضعاف هذا العدد، لكون أغلب الميسورين من العراقيين قصدوا تركيا بعد الغالبية التي قصدت إقليم كوردستان من متوسطي الدخل ، وقيل بحسب احصاءيات أن مجمل العراقيين في تركيا يقترب من نصف مليون عراقي.
وغير طالبي اللجوء عن طريق الأمم المتحدة فاعدادهم تربو عن النصف مليون عراقي مقيم في تركيا وعدد كبير منهم عادوا للوطن بعد الانتهاء من العمليات الحربية في مناطقهم، مع اعتبار أن عدد اللاجئين وبحسب السنوات الأخيرة بلغ ما يقرب من 127ألف عراقي، ففي عام 2012 بلغ عدد اللاجئين العراقيين بتركيا 13ألفا و124، وارتفع إلى 32 ألفا و650 في عام 2013، لكن المفوضية العليا للاجئين أكدت أن العدد قفز إلى 72 ألفا و180 لاجئا عام 2014 بعد سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الموصل، واستمر في الارتفاع وصولا إلى 118 ألفا و590 لاجئا عام 2015.ويؤكد ناشطون عراقيون بتركيا، أن أعداد الوافدين العراقيين لتركيا تراجعت بالتزامن مع انحسار نشاط تنظيم الدولة، الذي يخوض حرب وجود مع الجيش العراقي والمليشيات المتحالفة معه في الموصل منذ أواخر عام 2016.
والجميع يعلم أن موجه المهجرين الذين قصدوا أوربا في الأعوام الماضية شكلت واحدة من الإشكاليات الكبيرة للاتحاد الأوربي الذي افصح عن وجهه الحقيقي بعد أن كان يمثل رسولا للسلام في مخيلة أبناء الشرق الأوسط، وتعد ألمانيا الدولة الأكثر إيواء للاجئين من الشعوب التي تبحث عن السلام بعد الحروب الطاحنة التي عصفت ببلدانهم، وعلى رأسهم سوريا والعراق وأفغانستان وغيرهم من البلاد العربية كاليمن وليبيا ومصر وغيرها من بلدان العالم الأخرى كالأفغان والمينمار، وكذلك من الشعوب التي تعاني من الاضطهاد في بلدانها كإيران ومصر وغيرها، الأمر الذي دفع الاتحاد الأوربي التواصل مع تركيا وعقد معها اتفاقات بهذا الشأن على الرغم من أن تركيا لوحدها تؤي أضعاف أعداد المهجرين الذين آوتهم دول الاتحاد الأوربي كافة.
فقد أكدت الحكومة الألمانية أن ميثاق اللاجئين الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع تركيا قبل عامين قد حقق الهدف من ورائه، وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت الاثنين (19 آذار/مارس 2018) في برلين: "لقد نجحنا من خلال هذه الاتفاقية في مكافحة أعمال التهريب المميتة للاجئين عبر بحر إيجة بشكل فعال". وأشار زايبرت إلى أن عدد اللاجئين القادمين عبر المضيق البحري بين تركيا واليونان تراجع بشكل واضح منذ إبرام الاتفاق مضيفاً أن الوضع المالي للاجئين الذين يزيد عددهم عن مليوني وخاصة اللاجئين السوريين قد تحسن "وكان هذا ولا يزال هو الهدف من وراء الاتفاق". غير أن الاتفاقية لم تحول دون غرق 16 شخصاً بينهم ستة أطفال لقوا مصرعهم وفقدان ثلاثة آخرين السبت الماضي في حادث غرق جديد على طريق الهجرة عبر بحر إيجه، وحادث الغرق هذا هو أكبر مأساة في المنطقة منذ توقيع الاتفاقية.
وحسب الاتفاقية تلتزم تركيا باستقبال كل لاجئ وصل منذ 20 آذار/مارس 2016 إلى اليونان، وفي المقابل يلتزم الاتحاد باستقبال لاجئ سوري شرعي بدلاً عن كل لاجئ يتم إعادته إلى تركيا وتمويل مساعدات للاجئين الذين يعيشون في تركيا. وفي التطبيق لم يتم إعادة إلا 1564 لاجئاً خلال العامين المنصرمين، في حين تم قبول 12489 لاجئ سوري من تركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، كانت حصة ألمانيا منهم 4313 شخصاً. الأمر الذي أثر على شعبية انغيلا ميركل التي عدت في وقت سابق رسول سلام ومحبة لكونها اعتمدت سياسة استقبال اللاجئين بشكل واضح وكبير، فقد أظهرت نتائج استطلاع للرأي أن قرابة نصف المواطنين الألمان يؤيدون رحيل رئيسة حكومتهم وزعيمة الاتحاد المسيحي الديمقراطي أنغيلا ميركل، وذلك بالتزامن مع أزمة تمر بها الحكومة الألمانية على خلفية قضية اللجوء.
أما حين نتكلم عن أقليم كردستان في شمال العراق فإننا نتكلم عن صفحة كبيرة إنسانية أخرى لا تقل قيمة عن الصفحة التركية إذا ما قيست بإمكانات الأقليم المادية والاقتصادية، فقد فتح الأقليم ذراعيه لأخوتهم من "العرب السنة" في الوقت الذي أغلقت فيه حكومة بغداد حدود مدينة بغداد مع الأنبار حين سقطت بيد الإرهاب الأعمى، الأمر الذي حدى حينها بالرئيس التركي السماح للاجئين العراقيين حتى من غير الأوراق الرسمية، في حين حكومة بغداد منعت سكان محافظة الأنبار من عبر معبر يفصل الأنبار عن بغداد إلا بكفيل، وهذا الأمر ومن على شاكلته يتم بسبب السياسات الطائفية البغيضة التي مارستها الحكومات المتعاقبة من الاحتلال وليومنا هذا، وآوى الأقليم مئات الآلاف من المهجرين والنازحين من محافظات العراق الأخرى، وهذا أمر يحسب للأقليم حكومة وشعبا ومن جميع أطيافه السياسية والمجتمعية.
فقد كشفت حكومة إقليم كردستان عن أعداد المهجرين والنازحين إليها من داخل العراق إضافة إلى سوريا وتركيا وإيران وفلسطين، فيما أشارت إلى أن تدفق النازحين إلى الإقليم زاد من أعداد السكان بنسبة 23%. وقال رئيس اللجنة العليا للمتابعة والرد على التقارير الدولية في حكومة إقليم كردستان "ديندار زيباري"؛ في بيان أن أعداد النازحين تزايدت بسبب النزاع الطائفي في العراق، وأوضح أن تدفق النازحين إلى إقليم كردستان زاد من أعداد السكان بنسبة 23%، وأصبح هذا عبئاً كبيراً على إقليم كردستان اقتصادياً ومالياً، ووفقاً لأحدث الإحصائيات، فإن أعداد النازحين السوريين في الإقليم وصل إلى 242000، إلى جانب 21000 من تركيا، 13000 من إيران، ويبلغ إجمالي عدد اللاجئين 277000 بما فيهم الفلسطينيين وغيرهم، أما عدد النازحين داخلياً من العراق بمختلف طوائفهم، فهو أكثر من مليون و100000 نازح.
ولفت، إلى أن "النفقات اليومية للنازحين واللاجئين، للاحتياجات الأساسية مثل المأوى والأمن والنظافة والرعاية الصحية والتعليم، بالإضافة إلى إدارة المخيمات، تبلغ ما يقارب 5.550 مليون دولار، وتبلغ أعداد المخيمات في إقليم كردستان هو 39 مخيماً، منها 9 مخيمات للاجئين، و30 مخيماً للنازحين.
هذا العرض الذي يتناول الدور التركي على مستوى بلدان العالم، ودور الأقليم على المستوى المحلي فإننا إزاء ظاهرة إنسانية من الطراز الأول حسب البيان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدعت أوربا والغرب بصفة عامة رؤوسنا به فإن هؤلاء يستحقون هذه الرعاية من دول العالم كافة، وليست من تركيا فحسب التي تحملت أعباء لا يستطيع تحملها العالم المتحضر المتمثل بالاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية وبقية بلدان العالم باستثاء بعض البلاد العربية التي تحملت مثل هذه الأعباء كما هو الحال مع الأردن ولبنان، الأمر الذي ولد ضغطا اقتصاديا وجماهيريا في تركيا حتى جعلت منه المعارضة وعدها الرئيسي، فوعد البعض منهم طرد السوريين خلال ساعات وآخر خلال أسابيع إذا ما فاز بالانتخابات!!!
أما الكبير الطيب الذي حاز ثقة شعبه وتعاطفه في قضية المهجرين فقد وجه لكل من معارضية كلاما تناقلته وسائل الإعلام في العالم الافتراضي وهو يخاطب منافسيه عشية الانتخابات بالآتي والكلام موجه للمنافس الأقوى محرم إينجة؛ أنت تهدد اللاجئين بالطرد إن فزت بالرئاسة التركية غدا 24 حزيران 2018م .بكل تأكيد أنت و المرشحة آق شنار التي تشاطرك الرأي، لن تطردوا أصحاب الشركات والمصانع ورجال الأعمال الذين يقيمون في الفنادق ذات الخمسة نجوم ، إنما عينكم على العمال المساكين والأرامل واليتامى والشباب الذين فروا من سطوة الأسد كي لايكونوا قتلة في جيشه وهم يعيلون آباءهم وأمهاتهم المسنين الذين لا معيل لهم .هولاء ليس لهم حق التصويت كي يقصوك عن منصب الرئاسة بقوة الصندوق، ولكن لهم قلوب معلقة بعرش الرحمن السلطة العليا في هذا الكون، وفي فجر يوم الانتخاب ستتلقى دعوات ليس بينها وبين الله حجاب .
وسترى بعينك فوز الطيب اردوغان كي تقر عيونك بتركيا قوية، وتقر عيون الترك بالحريات وتقر عيون اللاجئين بكرم الضيافة وأمان العيش . وبعد صلاة العشاء من اليوم ذاته سترى أثر هذه الدعوات أن الله لايجمع عليهم مصيبتين : الأسد وأنت .
وصدق ظنك أيها القلب الكبير وخاب فأل منافسيك وتنفست الجاليات المقهورة الصعداء بعد أن أثلج الله تعالى قلوب عباده بهذا العطاء وتلبية الدعاء، فلله المنة والفضل من قبل ومن بعد.