18 Jul
18Jul

 

في العراق، تم إقرار إنهاء الحرب رسميا. في الأشهر الأخيرة من إدارة بوش، حيث تفاوضت الولايات المتحدة على اتفاق مع حكومة المالكي الى سحب كافة "القوات المقاتلة" بحلول آب 2010 وبقية قواتها بحلول نهاية عام 2011.

منذ ذلك الحين، في كلتا الحالتين، تم الغش في الاتفاقية التي تم التوقيع عليها. بادئ ذي بدء، تم تأويل جميع القوات بمعنى من المعاني الى "القوات القتالية"، ولكن سرعان ما اتضح أن البعض يعرفها الآن "بالمستشارين"، أو "تدريب المدربين".

 وقد غادرت قدرا كبيرا من المرونة فيما يتعلق بالذين لابد من سحبهم في آب القادم. كما إن "جميع" القوات، لم ينل اهتمام من وسائل الإعلام وفي حين زار غيتس العراق مؤخرا، وتمكنت هذه الوسائل الإعلامية من تهميش زيارته عام 2010، وهو تاريخ له أهمية، في حين يطمح أنه سينتهي أبدا، وان كان على نطاق أصغر احتلاله لهذا البلد. "فان غيتس يتوقع بفرض عقوبات جديدة على إيران " كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز هذا.

وزير الدفاع تحدث أيضا عن تورط أميركا في العراق، مشيرا الى أن الإدارة في الولايات المتحدة تتوقع أن بعض القوات قد تبقى بصفة استشارية في العراق بعد عام 2011، الموعد النهائي لسحب جميع القوات الأميركية من هذا البلد.

وأضاف لن يكون مستغربا أن نرى الاتفاقات بيننا وبين العراقيين التي ما زالت في تدريب وتجهيز وتقديم المشورة يتجاوز نهاية عام 2011 وأضاف غيتس. "أظن أن العراقيين أنفسهم سيكون لهم مصلحة في ذلك".

خطط واشنطن في العراق، من عام 2010 والى عام 2012، تبدأ في تخيل بقاء الآلاف، أو حتى عشرات الآلاف من المستشارين "الأمريكيين" و "المرشدين" وبعض "القوات الخاصة المقاتلة في تلك القواعد العملاقة التي بنيت من قبل البنتاغون. وعلى وجه الخصوص، قاعدة بلد الجوية الضخمة وقاعدة الوحش المعقدة، ومخيم النصر، على مشارف بغداد.

وإذا كانت الولايات المتحدة واعية تماما للانسحاب فان عليها مساعدة  الجيش العراقي في بناء حقيقي للقوات الجوية من تلقاء نفسها إذا كانت تريد تسليم تلك القواعد الى العراقيين وحينئذ سوف يبدو هذا "الانسحاب" الامريكي واقع يرتجى لكن الذي يحدث عكس ذلك.

وعندما يقول غيتس مثل هذه الأشياء، أنها مهما كانت صغيرة. بعد كل شيء، فان ما يجري الآن يسمى حرب "أوباما" على الأقل وقد يكون من المعقول أن يطلق عليه "حرب غيتس"، إذ يمكن للحرب في العراق أن يستطيع أوباما إنهاءها ظاهريا لكن تعيين واشنطن لغيتس ليقوم بسياسة أساسية في الأشهر الأخيرة من إدارة بوش كما هو الحال الآن وزيرا للدفاع، في زيادة عدد القوات المقاتلة في العراق فانه اليوم يقوم بنفس الدور في زيادة إرسال عديد القوات الى أفغانستان في إتباع سياسة جديدة للحرب.

وبالمثل، وصلت ميزانية البنتاغون الجديدة "وهي وثيقة غيتس التي أشرف عليها في مراحل التخطيط لها قبل أوباما"  في أكبر ميزانية عرفت لحد الآن وبزيادة تقدر حاليا 40 مليار دولار (ومن المرجح أن ترتفع)، والتي ستقدم إلى الكونغرس في وقت ما من العام المقبل.

الإستراتيجية العسكرية "الجديدة" لمحاربة الحروب الأمريكية في مكافحة التمرد، لا تعد لأوباما بخلق عصر جديد لكنها مفضلة لديفيد بتريوس قائد القوات المتقدمة لشغل منصب قائد القيادة المركزية الأمريكية والذي هو الآن أعلى شخصية رئيسية عسكرية تشرف على الحربين في الشرق الأوسط الكبير.

وبعبارة أخرى، في سياسة استمرارية الحرب بين فترة ما بعد عهد بوش وتشيني وأوباما فان اللافت للنظر حقيقة أن غيتس وبترايوس عقدا مثل هذه المشاركات الحاسمة، وذلك ليس مفاجئا.

هؤلاء هم من الرجال المتخصصين في التحضير "للحرب القادمة"، وبهذا المعنى، أفغانستان هي أيضا المختبر الرئيسي للأسلحة والمفاهيم التي من شأنها تنشيط الصراعات في المستقبل. فسمائه والقرى هي أساس اختبار لحرب لا نهاية لها، على الطريقة الأميركية.

حتى من دون المفكرين الجيو- سياسيين لإدارة بوش، وحتى من دون مجموعة من المبررات اللازمة، فالحرب لديها قوة خاصة بها. ولا سيما في الولايات المتحدة، فأنها لديها مجموعة قوية من المصالح، وجماعات الضغط والمتحمسين، وصانعي الأسلحة القوية، والمشرعين والمخططين والحالمين. وعلى ما يبدو، أنها لا تحتاج إلى تفسيرات لتبقي نفسها مستمرة  أنها ذاتية الدفع.

في الكوابيس، أيضا، تبدأ المسؤوليات في ألأحلام أكبر وأكبر الأخطاء في التقدير. وكما اتضح، لا يزال بإمكانك أن تقول عن مختلف الشخصيات الذين شكلوا إدارة بوش، بمن فيهم نائب الرئيس، وجميع هؤلاء المحافظين الجدد، ينذرون بشر مستطير تمت تخبئته في وزارة الدفاع، فوزير الدفاع دونالد رامسفيلد والذي في غضون خمس ساعات من الهجوم على البنتاغون، كان قد حث مساعديه بالخروج ووجود خطط لضرب العراق إنهم كانوا يفكرون كونهم قادة العالم، وكانوا أيضا مغرمين بالرومانسية العسكرية للولايات المتحدة وما يمكن أن يفعلوه. إنهم يعتقدون أنهم ألأقوى، القوة العسكرية الأكثر تقدما على وجه الأرض ويمكن بالصدمة والرعب تقديم أي شخص الى ما يريدونه.

كما أنهم لا يزالون غير نادمين على الحرب الباردة، مع الاتحاد السوفيتي لكنهم لا يزالون يتوقون إلى دحر حدود روسيا والنفوذ، وخاصة في المناطق الغنية بالنفط آسيا الوسطى، وبذلك تتحول تلك الإمبراطورية في الولايات المتحدة.

 إنهم يتوقون الى تطويق إيران، مع قواعد وإنزال حكم الملالي. وكما ذكر ذلك الساخر الشهير من المحافظين الجدد "الجميع كان يريد الذهاب الى بغداد. وهناك اليوم رجال يريدون الذهاب الى طهران".

 مع الرئيس ونائب الرئيس السابق الذين كانت معهم  شركة الطاقة إإكسكس ومستشار الأمن القومي من شركة شيفرون ولهم عين مزدوجة على النفط، وأنهم كانوا يميلون الى تدفقات الطاقة وكيفية السيطرة عليها.

إنها عقولهم، وهذا هي، في الصورة الكبيرة جدا التي لا تقال عن إقامة السلام الأميركي في المستقبل في الخارج، ومن الواضح أنهم رأوا فرصة العمر وانتزعوها منه وكانوا مثل الانتهازيين، في البداية، بدا الأمر كما لو كانوا على حق حين حققوا اثنين من "الانتصارات" وكل إنجاز فيهما في غضون أسابيع في غضون اقل من عام ونصف العام من بعضها البعض. حركة طالبان كانت قد اختفت في الجبال؛ بن لادن تقريبا في متناول أيديهم ومختفي ؛ صدام حسين قضي عليه وأصبح من التاريخ. وعلى ما يبدو كل ما حدث كان مثل معجزة للقوة العسكرية الحديثة.

وكان من هنا وهناك قوى معارضة في أفغانستان والعراق حتى أنهم أرسلوا الصفوة الى كابول وبغداد لتنظيف الأمور، والتي، وخاصة في حالة العراق، كان يعني حل جيش البلاد، وخصخصة اقتصادها والانفتاح لصناعة النفط والطاقة في واحدة من أكثر المناطق الغنية على كوكب الأرض إلى الأقوياء من الشركات (وبشكل ملحوظ الأمريكية) من شركات النفط العملاقة.

في غضون ذلك، من شأن وزارة الدفاع بناء القواعد العسكرية الضخمة، والاستعداد للحماية لكلا البلدين والوثائق الرسمية، كتبت عنها، وأحيانا باسم، إصدارات أوهام الإمبراطورية "حلم القرن التاسع عشر".

عندما يواجهون الواقع الصعب ويقتربون قليلا منه، كانوا يتطلعون الى المستقبل. كانوا في طريقهم لسحق سوريا، والى تركيع إيران ، وجعل أوبك والسعوديين يتذللون (من خلال زيادة إنتاج النفط العراقي عبر جولات التراخيص النفطية الهزيلة والتي تعد من اكبر الخيانات التي قدمتها الحكومة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية ضد مصالح الشعب العراقي).

يا له من حلم! ما هو الخطأ في التقدير! مئات الآلاف (أو أكثر) الآن جثث هامدة، والملايين من اللاجئين، والحرب المستمرة، في منطقة من تلك المناطق القليلة الغنية بالنفط, هناك زعزعة في الاستقرار، وبطبيعة الحال صاحبه استنزاف هائل للموارد الأميركية في حربين كبيرتين (ومختلف الصراعات الصغيرة) التي كلفت ما يقرب من تريليون دولار تم إنفاقها بالفعل وتريليون آخر يمكن بسهولة أن تذهب هباء.

أين الولايات المتحدة بعد مرور ثماني سنوات من الحرب في العراق؟ الصينيون والروس والماليزيين، وغيرهم التقطوا تلك الأحلام، في الطاقة، في العراق وفي أماكن أخرى، وتم ترجمتها إلى النجاح دون إنفاق دولار واحد أو التضحية بجندي واحد على الحرب. والروس مرة أخرى في آسيا الوسطى وهي الآن ترسل الى الصين عبر آسيا الوسطى الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب افتتح حديثا.

والمفارقة التاريخية هنا أن الولايات المتحدة الأمريكية استعملت نفس هذا الأسلوب الذي تستخدمه الآن هذه الدول ففي بداية القرن الماضي حين كانت إدارة الرئيس الامريكي ودروو ويلسون قد أعلنت سياسة الباب المفتوح استطاعت الولايات المتحدة بفضلها من اقتسام والمشاركة في جميع الغنائم التي اكتسبتها الجيوش البريطانية والفرنسية على هذه الأرض وخسرت فيها ومن اجلها مئات الآلاف من الضحايا وأنفقت الملايين من الباونات الذهبية في سبيل السيطرة على تلك الموارد وبالتالي استطاعت السياسة الأمريكية بالحصول على الحصص المتساوية بل وأكثر مما حصلت عليها تلك الدول وبدون أن تخسر جندي أو دولار واحد.

وفي هذا الوقت انتهت شركات النفط الأمريكية العملاقة مع قليل من الغنائم. فالجيش الأميركي لم يبق فيه على هذه الأرض سوى الحطام بسبب المقاومة التي تقودها " الأقلية " ولكن مع عشرات الآلاف من المقاتلين المسلحين بأسلحة خفيفة نسبيا والتي تسخر من القوة العسكرية التي كانت من المفترض أن تحدث الصدمة والرعب.

ووفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، دخلت في خدمة الجيش الامريكي الأسلحة الأكثر تقدما في البنتاغون، فيديو البث المباشر من أحدث الطائرات بدون طيار، مع البرمجيات الجاهزة التي كلفت المليارات. وبعبارة أخرى، فإن الأميركيين غير قادرين على النظر إلى مشاهد المعركة سوى عن طريق التدمير من بعد من لانغلي بولاية فيرجينيا، وقاعدة كريتش للقوات الجوية في ولاية نيفادا، أو من مختلف المواقع السرية في الشرق الأوسط. لذلك بعد ثماني سنوات من إدارة بوش الذي كان يحلم بأمريكا العظمى وتوأمه البريطاني هو الآن في مزبلة التاريخ. وجميع الأفكار الكبيرة التي ذهبت مع شركائهم في حربين مدمرتين، كانت على ما يبدو انتحاريتين وذهبت هباء كذلك.

لكن تظل القواعد العملاقة وكذلك الحال بالنسبة للحروب. لا كومة غبار من التاريخ بالنسبة لهم. وعلى أي حال. ستستمر الحروب والمضي قدما دون سبب. حتى حين ما تقرره السياسة الأميركية، العسكرية والمدنية، ولكن ليس الى ما يدفع إلى أن يكون الحق في عالمنا.

بطبيعة الحال، سوف لن يتم تقديم أي أسباب أكثر تعليلا لهذه الحروب وأبعد من الأضرار التي لحقت في 9 / 11، والتي بالفعل ساعدت في استنزاف الولايات المتحدة بما يقرب من تريليون دولار في تكاليف الحرب وفي وقت ما في المستقبل القريب، سوف تزيد من تعقيد إدارة أوباما من حماقة السنوات الثماني الماضية وفي محاولة النظر في ضباب عام 2010، فكل ما أستطيع رؤيته هي بوادر حرب لا نهاية لها.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.