14 Jul
14Jul

 د.مهند العلام                                             

إدارة بوش للحرب لم ولَنْ ترى او تدرك أي وعي للتناقضاتِ في السياسة المتبعة في العراق أَو للنتائجِ السلبيةِ التي افشلت إستراتيجيةِ بوش للامن  القومي للعام 2006  رغم كل المقالات التي تؤكد على استقلالية السياسة الخارجيةِ .

فالحالةَ في الشرق الأوسطِ اصبحت غير قابلة للحل بفضل تلك السياسة. فإيران في طريقها إلى أَنْ تُصبحَ طاقة نووية. والحرب ألاهليةَ في العراق تُهدّدُ بالتَوسع إلى نزاع إقليمي. واصبحت مواجهة صراع الحضارات قريبة جدا وكل تلك الاحداث كائنة في منطقة هي مسؤولة عن معظم تجهيز النفطِ العالمَي.

وربما تكون للفلسفة التي لَعبتْ بتلك الاحداث في السنوات السابقة في المنطقة دور مركزي فهي وجهت راسمال الحرب وادارته والفساد الذي اصبح سمة تلك الحرب واصبحت الافكار راسخة بشكل متعنت بسببها وربما اصبح هذا العصر المليء بالاخطاء الصفة اللازمة لكل الاحداث التي تجري والحافز لكل تلك الافعال لتَبرير تلك السياساتِ الفاشلةِ بمُهَاجَمَة الأعداء الخاطئينِ وخْلقُ الضحايا ألابرياءَ وتعكس رغبتهم من جعل الاختبار يحسم في شوارعِ بغداد.

إنّ الحربَ على الإرهابِ إستعارة خاطئة وهي التي أدّتْ إلى السياساتِ ذات النتيجة العكسيةِ والفاشلةِ. فبعد خمس سَنَواتِ بعد 9/11, واصلتْ الحربُ الحقيقية في عِدّة جبهات العراق، غزة، لبنان، أفغانستان، الصومال في حرب قَتلتْ مئات آلافَ من المدنيين الأبرياءِ وأغضبَ الملايينَ حول العالمِ. ورغم ذلك لم تخضع القاعدة.

وربما كانت الحرب على العراق إستعارة قُبِلتْ بشكل غير ناقد من قبل الجمهورِ الأمريكيِ كرَدّ واضح على 9/11. غير انه يُعتَرفُ الآن وعلى نحو واسع بأنّ إحتلالَ العراق كَانَ حماقة. وبقيت الحربَ على الإرهابِ الإطارَ التي يَجِبُ فيها السياسة الأمريكيةَ أَنْ تُلائمَ. وأكثر السياسيين يَشتركونَ فيها لخوفهمِ من وجود اتهام لهم على انهم ضعفاء.

والحرب بطبيعتِها تَخْلقُ ضحايا أبرياءَ جداً. وأي حرب شَنّتْ ضدّ اي عدو تُولّدُ الوفيّاتُ وإلاصاباتُ وإلاذلالُ للمدنيين وتخلق غضباً وإستياءَ بينهم وبين  عوائلِهم وجالياتِهم وهي التي تَخْدم بكل تاكيد بِناء الدعمِ للإعداء المحتملين. ومن هنا جاءت الحرب على العراق ليس استثناء على تلك القاعدة فهي افرزت كل تلك الموروثات وكانت نتائجها رهيبة على كل من الاعداء والسكان المدنيين.

كذلك تولد هذه الحرب موروثات سياسية غريبة تجعل من الحركات السياسية تستعمل صور واحدة من الممارسات التي ترفضها الولايات المتحدة في حربها فالقاعدة، وحماس، وحزب الله، والمقاومة السنية وجيش المهدي في العراق قواتَ مختلفةَ جداً، لكن حربَ بوش العالميةِ عليهم تَمْنعُ من التَفريق بينهم والَتعاملُ معهم وفقاً لذلك. ويَمْنعُ اجراء مفاوضاتَ مطلوبة مَع إيران وسوريا لأنهم في مفهوم الولاياتَ المتحدة الداعمون لهؤلاء.

ولحد اليوم اكدت هذه الحرب على العمل العسكري بينما تَتطلّبُ أكثر النزاعاتِ الإقليميةِ حلولِ سياسيةِ. مما جعل هذه الحرب تبعد المسافة بين الشرق والغرب فكل جانب يدعي بانه ضحية بينما الاخر هو الجاني وهذا ما سيولد عداء مستديما بين اطراف النزاع مما سيجعل بأنّ هذه الحربَ لا يُمْكن أنْ ترْبَحَ بين اي من الفريقين. فهي حرب لانهائية شَنّتْ ضدّ عدو غير مرئيِ لها من الخسائر في القوات المقاتلة الكثير وتعمل على الضرر بمصالح الاطراف المختلفة .

ان هذا الانحطاط بالتأثيرِ الأمريكيِ، جر العالم الى خطرِ إنزِلاق إلى حلقة مفرغة مِنْ تَصعيد العنفِ والى مزيد من التَدَهْوُر. ومن المؤلم إلاعتِراف بأنّ مآزقنا الحالية تَجْلبُ بأوهامِنا الخاصةِ. والفلسفةَ التي تنْسبُ إلى نجاحاتِ هذا الطرف او ذاك فانما يُمْكِنُ أَنْ تَستعملَ لفَسْح عالمكَ الخاص من الخيال الى مجال أفضل.

لقد طوّرتُ هذه الفلسفة لان تلَعب دور مركزي في عملية الإكتِشاف سواء في أَنْ تأخُذَ أهمية مماثلة للآخرين. او تلك التي تجعل الناس يعيشون داخل فقاعة  عملاقةِ. ففي السَنَوات الأخيرة كانت هذه الفقاعة تُنْسَبَ إلى اختصار بين قيمةِ الامتلاك والحياة وفعلِ التثمينِ الذي يحدده الاخرون وهذا ما يدعى اختصارا بتأثيرَ الثروةَ.

فلعدّة سَنَوات جلبت (( لعنة المصدر - الثروة النفطيةِ )) تأثيرا ضاراّ للمنطقة وجعلتها في موقف قوي ضدّ السياسة الخارجية الأمريكيةِ، فمعارضُة الحربَ على العراق قد أسأتْ الفهم وجلبت نتائج عكسية. فالتوجيه لجَعْل العالمِ اكثر آمنا اقتصاديا وعسكريا ادى الى تَطْويق السيادةِ الأمريكيةِ، وجَعلتْ إدارة بوشَ الغير مستقرةَ بشكل خطير تُسبّبُ في هبوط القوَّةِ الأمريكيةِ الأكثرَ العالميةَ.

ولتَوضيح مجرى الأحداثِ. لابد لي في ان احذر من مُوَاجَهَة الأخطارِ بالكامل من خلال الفتح والَتقصّى وإعادة فحصِ الإطارِ التصوريِ الذي يُستندُ الى النشاطاتَ كمستثمرين  وان نعمَلُ بتجاربنا ِ الشخصية التي تدْعو بعيداً عنْ حالاتِ الموازنةِ والى ان نُكيّفُ فيها القواعدَ المقبولةَ مِنْ السلوك البشري ضمن اطار الشريعة .

وإنّ مدى الأسبابِ الإجتماعيةِ والسياسيةِ التي تساهمًَ، في رفع وجهة النظر للمَعرِفَة الإنسَانِيَّةِ والتقدّمِ قد تواجه البعض مِنْ المعضلاتِ المركزيةِ للفكرِ التحرّريِ في الوقت الحاضر وفي إدارة المؤسساتِ للمَعرِفَة الإنسَانِيَّةِ. لقد هدّفتْ الفلسفةُ السائدةُ تقليدياً الى ضمان مؤسسة للمعرفةِ والى ضمان المعرفة بشكل كامل ونزيه, ولكن لا توجد نظريةَ حتى اليوم يُمْكِنُ أَنْ تَدّعي إحتِواء الحقيقةِ النهائيةِ. غير ان ذلك لا يدعو الى رَفْض أيّ طريقة تحثِّ في اتباع أي تجربةِ ماضيةِ مستعملةُ كدليل إلى المستقبلِ، كطريقة التجربة والخطأِ التي فيها قد تَنْمو المعرفةَ قِبل عملية التزييفِ. وان أكثر إعتقاداتِنا العقلانيةِ لَيستْ تلك التي قد حقّقتْ بالقوة, لكن تلك التي جاءت عن طريق النقدِ والتفنيدِ.

تلك الفلسفةِ تُدْعَى بالفلسفة الخطائية وهي في أغلب الأحيان تستخدم كتعبير عن سَكَّ الذرائع, ويَعتقدُ العديد مِنْ الفلاسفةِ بأنّ في تَرْك التَفْكير لا يكون السببَ بإِنَّنا لايُمْكِنُ أَنْ نَقتربَ مِنْ الحقيقةِ والتي هي قَدْ تكُونُ أقرب إلى الشكوكيةِ في النهاية. على النقيض من ذلك، هناك قبولَ قابليةِ الخطأ والصواب لكي تُسهّلُ نمو المعرفةِ وأيضاً الميزّةُ الحاسمةُ في اي مجتمع تقدمّي مفتوح هو استخدام التجربة والصواب والخطأَ، والتي يُمْكِنُ أَنْ تَجْلبَ تحسين متراكم مِنْ الحياةِ الإنسانيةِ توازي نمو المعرفةِ في العِلْمِ.

ولكن من المهم ان نلاحظ انه عندما نتُقدّمُ إلى الشؤونِ الإنسانيةِ، ونعتقدُ، بتطبيق قابليةِ الخطأ والصواب على المجتمعات الانسانية فلا يُمْكِنُ لنا أَنْ ما يُستَعملَ في علمِ الطبيعة يمكن استعماله في التحقيقِ الإجتماعيِ؛ ولا نَستطيعُ دِراسَة العالمِ الإنسانيِ في نفس الطريقِ الذي نَدْرسُ فيه ألاجسامَ الطبيعيةَ. فالأجسام الإجتماعية لَيستْ مثل النجومِ أَو الأحجارِ، والأجسام الإجتماعية تَخْلقُ جزئياً بالتصوّراتِ والإعتقاداتِ الإنسانيةِ، وعندما تتغير هذه التصورات فانها تتغير بتغير الاشخاص . وهذا ما يَجْعلُنا بدرجة أكبر عرضة للخطأِ فنحن لا يُمْكِنُنا أبَداً إمتِلاك المعرفةِ الموضوعيةِ في المجتمعِ، لَولا إعتقاداتَنا المتحرّكةَ التي تتُغيّرُ بشكل مستمر.

هذه العلاقةِ المرنة، قد تقوّضُ نظرياتَ إقتصاديةَ قياسيةَ. التي تؤمن بإطلاقِ الحرية وهذه النظريةِ قد تحرّفَ صورةَ الحقيقةِ الإجتماعيةِ. التي يُمْكِنُ أَنْ تقاسَ على اساس السهولة في اتباع عملياتِ الطريقَ الطبيعيةَ. والتي هي مُجَسَّدُة في الممارساتِ الإنسانيةِ، والتي قَدْ تَتغيّرُ متى ما تُعْرَفُ بأنّ هناك محاولةَ في المقياسِ. فعندما نَتصرّفُ بناء على نظرية حول المجتمعِ نُخاطرُ بتَعديل الحقيقةِ دائماً. وكنتيجة لهذه الحقيقةِ يُعتيّنُ الاخذ “ بقابلية الخطأ الجذرية ” شرط ان هناك تنسيقِ إفترضَي في النماذج الإقتصادية مِنْ موازنةِ، والتي تستندُ إلى فرضيةِ المعرفةِ المثاليةِ، ولَيسَ الى إمكانية النظرية المجردة.

رغم ذلك، يَبْدو من صحيحُ الإعتِقاد بان حقيقةِ هذه المرونة تَدْلُّ على تقييد أساسي في معرفتِنا للعالمِ الإجتماعيِ. فمثل السماتِ الأخرى للحياةِ الإنسانيةِ، من نشاط إقتصادي معقد بالإعتقاداتِ الغير متوازنة او افعال سياسية غير متوازنة. فإنّ هدفَ علمِ الطبيعة يُطوّرَ النظرياتَ التي تحتوي القوانينَ العالميةَ؛ وبينما العلومَ الإجتماعية تَتعاملُ مع الاحداث التأريخيةِ ِ، فان نوبات الإعتقاداتِ الإنسانيةِ لا يُمْكن أنْ تُبدي بالاعتراض على مثل هذه القوانينِ.

 ولَيسَ لوحدة التَفْكير هي التي تُحدّدُ ظاهرةَ المرونة في طموح علومِ الإجتماعيات. فالفلاسفة والمفكّرين يؤكدون على انّ وحّدَة المشروعَ لها تاثير مركزيَ في مدرسة فينا للفلسفة الواقعيةِ المنطقيّةِ، وان التقدّمِ يُمْكِنُ أَنْ يُنجَزَ في الأخلاقِ والسياسةِ بإستعمال طرقِ العِلْمِ. فعندما تُثبتُ سياساتَ عامّةَ لِكي تَكُونَ غير مؤثّرةَ أَو كارثيَ فان السببَ يُمْكِنُ ان يكون في أنّهم يُجسّدونَ فرضياتَ مخطئةَ، وتلك الاخطاء يُمْكِنُ أَنْ تُصحّحَ بالنقدِ. هذه الفرضيةِ مركزيةُ يمكن ان تخضع لها عيوبِ إدارة بوشِ السياسية. غير إنّ المشكلةَ من وجهةِ نظر العالمِ انها أبدتْ في سياسات بوش الخارجيةِ نقدا حول تشكيل الاعتقادات التي يُمْكِنُ أَنْ تُزيّفَ.

أنّ الخطوط العامّةَ لعقيدة بوش السياسية عُرِضتْ في 1997 حول مكانة الولايات المتحدة في القرنِ الأمريكيِ الجديدِ. فبعد نهاية القرنَ العشرينَ، كَانتْ الولايات المتّحدة قوَّةَ العالمَ الابرز، وقد إقترحَ عدد مِنْ السياساتِ تهدّفُ لتَطْويق هذا الموقعِ. ونتيجة لهذه السياساتِ دَخلتْ الولايات المتّحدةَ الى مجال بعيد مِنْ تلك الموازنةِ. فهناك متوازي مُتَأَكِّد بين مسعى السيادةِ الأمريكيةِ ونمطِ الإزدهارَ الذي يُمْكِنُ أَنْ يُلاحظ من وَقتٍ لآخَرَ بانها على وشك الانهيار في الميادين السياسية والاستراتيجية والاقتصادية.

جاءت احداث 9/11، لتستفز قوَّة أمريكا وتأثيرها في العالمِ وتحديا لتلك القوة في اي وقت آخر من تأريخِها. فكانت السبب المباشر لهذا التغيير والتاثير  وراء إحتلالُ العراق، فكانت هذه المغامرة الطائشة والمُنَفَّذة بشكل سيئ قد قوضت السيادةَ الأمريكيةَ والتي كانت قد قصد اسنادها حيث كان هدف إدارة بوشِ أَنْ تضْمَنَ ألاسبقيةَ ألامريكيةَ في نظام عالمي مستقرّ، لكن النتيجةَ كانت خلق عالم من التناقضات والفشل لمكانة الولايات المتّحدةُ.

جادلتْ إدارة بوشَ بانها إلتزمت بعقيدة بعيدة المدى. أصوليَّة السوقِ، وبمباركة ألاصوليَّة الدينية، وجاءَ مذهبَ تكريس السيادةِ الأمريكيةِ لدَعْم سياسة خارجية والتي  أَكّدتَ تنافساً بين الولاياتِ بدلاً مِنْ إمكانياتِ التعاونِ الدوليِ.

النظام الحالي يتمتع بالدعمُ من المجموعاتِ المتباينةِ وتوحّدهاَ فقط الرغبةِ للسلطة السياسيةِ والتأثيرِ. ولمُعظم الوقتِ منذ غزو العراق نرى الإدارة تَتخبّطُ، وهي غير قادر على التماسك اثناء التَطَوّراتِ المفجعةِ التي. وربما كان من الخيال  الإفتِراض بأنّه لم تُطبّقُ أيّ نظرية أَو إستراتيجية مبرّرة. غير ان إرتفاع الأصوليَّةِ الدينيةِ التي حتى فترة قريبة بَقيت في حافَّاتِ السياسةِ ,ومن الخطأ ان ننكر تاثير دورِ الدينِ في إدارة بوشِ. فالبعض مِنْ المميزّاتِ الأكثر خطورة هي تلك النظرة إلى السياسة الخارجيةِ التي تَخُونُ تأثيرَ الإعتقاداتِ المشتقة مِنْ الأصوليَّةِ المسيحيةِ. واعتبارها احدى الإستراتيجياتَ للتَعَامُل مع الإرهابِ.

ان التهديداتِ الجديدة للولايات المتحدة يجب ان تُتجسّدُ في تركيزها على الإستراتيجياتُ ضدّ الإرهابُ الناجحةُ بصورة رئيسية على أسس إجراءات أمنية ومبادرات سياسية بدلاً مِنْ عملياتِ عسكريةِ تقليديةِ. هذه الإستراتيجياتِ قَدْ تَتضمّنُ عمل عسكري مُرَكَّزَ لكن حملاتَ من تلك النوعِ التي تُحاربُ الولايات المتّحدةِ فيها في العراق تَمِيلُ إلى عَزْل عامةِ للسكان وتَرْفعُ من إلاستخدام الاصولي.

هذه الحرب تجسّدُ الميل للتَفكير بالنزاعِ الدوليِ بالشروطِ اللاهوتيةِ التي كَانتْ لمدة طويلة قد تاخرت على الحقِّ الأمريكيِ، مما عزّز القوَّة المتزايدة للمسيحيةِ وقد وصف بوش في مرات عديدة وارسل العديد مِنْ الإشاراتِ إلى ان َشْنُّ الحرب في العراق كان ضدّ الشرِّ. واذا راينا ان المحافظين الانجليكان يمثلون القوة المؤثرة في تمويل الحزب الجمهوري وكناخبين ايضا. فليس هناك شَكَّ كبيرَ بانهم هم الذين يُشكّلونَ الجمهورَ المقصودَ الرئيسيَ لخطاباتِ بوش الإيحائية تلك. وان دورِ الحقِّ المسيحيِ في إدارة بوشِ لَيسَ ببساطة ذلك الحليفِ الذي يجب أنْ يُراودَ ويُستَرضى فقط، وانما يُوضّحُ الصلةً في نظرة تلك الادارة الى العالم. وتُشكّلُ إلاعتقاداتُ حول الالفية وتعكس تَفْكير الإدارةِ، في نمط حكومة امريكية علمانيِة تصيغ افكارها استنادا على الأشكالِ الدينيةِ بشكل علني.

واذا عدنا الى التاريح الحديث نجد أنّ هذه الإعتقاداتَ قد حرّكتْ مثل هذه الحركاتِ ولَمْ تُنقرضْ في الأزمنة الحديثةِ فهي سلسلة متواصلة من نمط التفكير السياسي العالمي, فنرى ان إنتاج العقائدِ الإستبداديةِ في القرنِ العشرينِ, قد اعيد بطرق مختلفة، فالنازيةَ والشيوعيةَ إدّعتْ انها مستندة على العِلْمِ لكنهما كَانتْا في الحقيقة قد استخدمتا تلك العقائد كمجرد وسيلة او تعبير عن الأساطيرِ الإيحائيةِ. فكُلّ مُعتَقَد رئيسي في التأريخِ كَانَ على وشكَ ان يَكُونُ ممزقا لما قبله وفاتحا لعالم جديد. هذا الدورِ السياسيِ للإعتقاداتِ قَدْ يبين اليوم العلاقةَ بين العقائد والسياسة مع الاشارة والتاكيد بان السياسيين يُقدّمونَ أفكارَهم مستندة على النظرياتِ الإجتماعيةِ العلميةِ الحديثة,لا على تلك العقائد والافكار.

من هنا جاءت هذه المقولات السياسية الجديدة بان البشرِ على حافةِ مرحلة جديدة بقيادة أمريكيةِ “ لثورة ديمقراطية عالمية ” وان أي إستبداد سَيُسقطُ إلى الأبد وانما اعمال الامريكان اليوم انما هي نابعة من ايمان مطلق بالنبؤءة او ايحاء من الرب اليهم ولعل ذلك يكون بارزا بشكل كبير في خطاب الانجليكان يَتكلّمونَ عن المعركة الفاصلةِ ووقتِ النهايةَ(( نهاية التاريخ )). وان يترسخ الإعتقاد بأنَّ الحريق هائل في الشرق الأوسطِ سوف يَفتتحُ الباب امام النظام العالمي الجديد.

وان هناك الكثير من المنظرين والسياسيين يشتركون بان نظرية (( الحقِّ المسيحيِ )) لَيسَ كفرضيةً تجريبيةً يُمْكِنُ أَنْ تُراجعَ على أساس التجربةِ. لأولئك الذين يَقْبلونَها، وانما هي كَشفَ للحقيقةً. على حد سواء، وان العالم سيُقدّرُ له تَبنّي نسخةَ أمريكيةَ مِنْ الديمقراطيةِ. فسياسة إدارة بوشَ الخارجية الحالية انما يكون  أساسها إيمان بدلاً مِنْ إلارتباط العقلاني بالعالمِ.

 ولتَفسير سجلِ ادارة السياسة الخارجيةِ الكارثيِة لإدارة بوشِ بعد 9/11 نجد سلسلة من الأخطاءِ، اعتمادا على هذا التفسير, فالمجتمع الامريكي مجتمع مفتوح وهو ألاقوى في العالمِ وان التهديد الذي جرى له انما هو تهديد  إلى السلامِ والإستقرارِ في العالمِ؟ وقد استغلت الادارة هذا التفسير والصدمة التي احدثت لخَنْق نقادِ سياسة هذه الادارة وان تتحول الأحداثَ بعد 9/11 الى تحيّز متجذّر نحو تجربتِي النازيةِ والشيوعيةِ. في هيكلها التصوري ومستندة على تلك التجربة من حيث الاخذ بالقبول والخطا في تكوين السياسةِ. مما سيجعل الولايات المتّحدةَ الى ان تُصبحُ نظام إستبدادي  ولتبْقى الديمقراطية شغَّالة بسلطةِ قضائية مستقلةِ وحكم القانونِ.

إنّ العنصرَ المفقودَ هنا هو الدورُ السياسيُ المحوريُ للاصولية الدينية المسيحية فبعد الهجماتُ نشّطتْ إعتقاداتَ إيحائيةَ بين المجتمع الأمريكيِ، وكان على ادارة بوش أَنْ تُعبّئُ تلك المعتقدات لمساندةً سياساتها من خلال جعل بوش يَشتركُ في تلك الإعتقاداتِ. فوَجدتْ أنظمة كإعتقادِ تفوق النوعِ والحقِّ المسيحيِ في الرؤيه الى العالم وهو ما يُجسّدُ وجهة نظر التأريخِ المُؤَطَّرةُ في المفاهيمِ الأخرويةِ، وطبقاً لأَيّ قوَّةِ أمريكيةِ يمكن أن تُستَعملَ تلك الرؤى لتَخليص العالم من الشرِّ. وتحت تلك الشروطِ اللاهوتيةِ، والإعتقاد بان ذلك العملِ الإنسانيِ يُمْكِنُ أَنْ يَستأصلَ الشرَّ. وان يحَكم بالمعاييرِ التجريبيةِ التي هي يُمْكِنُ فقط أَنْ تُعَيّنَ على المحاولة في فرض تلك الافكار.

وأثناء مُعظم القرن الأخير كان قد بَدا بأنّ أسرَ القوَّةِ بالأنظمةِ اللاعقلانيةِ مِنْ الإعتقادِ يُمْكِنُ أَنْ تَحْدثَ فقط في الأنظمةِ الدكتاتوريةِ. ألمانيا النازية والإتحاد السوفيتي الستاليني وكَانتْ المجتمعات المغلقةَ التي عقائدَها الحاكمةَ لا يُمْكن أنْ تُعرّضَ على النقد ايا كان. بينما أعطت نجاحُ الديمقراطيةِ التحرّريةِ في هَزيمة منافسيها وإنتشارها في كافة أنحاء العالمِ وكَانَ سهلَ الإفتِراض بأنّ كان فيها رشد داخلي يَعطيها سبق وقوة على أيّ نوع من انواع الإستبداديةِ. فالمجتمعات المفتوحة كَانتْ ديمقراطياتَ تحرّريةَ، تقريباً، وهي تبدو بأنّها تجيء إلى الوجود حيثما كَانتْ الدكتاتوريةَ قَدْ أُسقطتْ.

من هنا نصل الى نتيجة الى ان إنهيار المجتمع المغلق لا يُؤدّي إلى مجتمعِ مفتوحِ؛ وانما يُؤدّي إلى الإنهيارِ والتفككِ المستمرِ الذي يلي فترة الهدوء أَو الإستقرارِ. وهكذا فان اي إنقسام بسيط بين مجتمع مفتوحِ يهدّدَ جميع الإتّجاهات: مثل الحريَّة الواسعة، التي تتحول الى فوضوية، وولايات فاشلة من ناحية؛ وفرض وانتشار العقائد الاصولية التي تؤدي الى الأنظمة الإستبدادية من ناحية اخرى.

وفي الحقيقة، عندما تَنهارُ المجتمعات المغلقة تُخفقَ في جَعْل الإنتقالِ إلى الإنفتاحِ، والسبب لَيْسَ أَنْ يَكُونَوا بأنّهم قد ضْعفوا في الفوضويةِ، أَو انه مهددون من عودة إلى الدكتاتوريةِ. الا انه قَدْ يَكُون عليهم ان يَتبنّوا شكلَ ضيّق الآفقَ مِنْ الديمقراطيةِ. وان يبتعدوا عن اي شكل من اشكال التقاليدِ الديمقراطيِة التحرّريةِ واذا عدنا الى تجارب لوك والحرب الأهلية الإنجليزية فهناك تقليد مشابه لهذا النموذج، وكذلك مقالات روسو في الثورةِ الفرنسيةِ التي ترسخ بان الديمقراطيةً تعبير شعبيِ. ومن هنا نفهم إنّ الحكومة الدينيةَ الإنتخابيةَ التي تَظْهرُ في مُعظم العراق في مرحلة ما بَعْدَ صدام هي حكومة ديمقراطية في هذا المفهوم، كما الحال مع النظامُ الحاليُ في إيران؛ وكذلك حكومة حماس في فلسطين.

 وتتسم هكذا ديمقراطيات بانها تَفتقرُ إلى الحريةِ في أغلب الأحيان كحرية المعلوماتِ والتعبيرِ والقيود القانونية على القوَّةِ الحكوميةِ، والتي هي من المميزّاتَ الضروريةَ للديمقراطيةِ في تقليدهاِ التحرّريِ. وهي بذلك تبتعد عن الدكتاتورياتَ. اذ ان الديمقراطيةِ، اساسها الرئيسي الإنتخاباتِ واستملكت القوَّةِ بإسم الأغلبيةِ، ويُمكنُ أَنْ تكُونَ قمعية بشكل اكبر من حيث انتهاك الحريةِ الفرديةِ وحقوقِ الأقليات وربما في احيان كثيرة تكون اشد من الدكتاتوريات في هذا المجال. إلى الحدّ أَنَّ تقْمع اي حريةً ثقافيةً.

 بينما نجد ان ألانظمةَ إستبداديةَ في احيان كثير تكون مثالية الى حد كبير من المجتمعِ المفتوحِ؛ فانها أحيانا نجدها يُحكّمونَ العقلً في صياغةِ سياساتِهم بثبات أكثرِ وبنجاح اكبر من الديمقراطيةِ التحرّريةِ المُؤَسَّسةِ الجيّدةِ. وهذا ماتمثل بصورة واضحة في التوسّعِ المستمرِ للقوَّةِ الروسيةِ بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بحيث اصبحت لاعب رئيسي في النظامِ الدوليِ ولو جزئياً وهو ما تبين واضحا أزمةِ الطاقةِ العالميةِ، بحيث اصبحت روسيا قادرة على تَأكيد نفسها في الشؤون الدولية وتَتجاهلُ اي رفضَ غربيَ في سياساتِها الداخليةِ والتي كَانتْ فعّالةُ جداً في إنْجاز أهدافِهم.  وعزز ذلك وجود إحتياطيات واسعةَ مِنْ المصادرِ الطبيعيةِ — من نفط وغاز طبيعي — على إحياء روسيا كقوَّة رئيسية أيضاً، فقد استخدمت هذه المصادر على تكريس التبعيةِ الأوروبيةِ والدوليةِ على تجهيزاتِ الطاقةِ الروسيةِ وتَقدّمَ بوتين بمصالح روسيا الجغرافية والسياسية بشكل فعال. وجَعلَ من الأخطاءَ — مثل تدخّلِه في أوكرانيا — اخطاء في التقدير وليست اخطاء استراتيجية واستطاع بفضل ذلك ان يتجاوزها بنجاح. ومثال اخر من ذلك السياسة الخارجية الصينية كنمط واقعي وبنفس الطريقة، وبينما روسيا والصين تَتقدّمُ، تعاني الولايات المتحدة من فقدانِ السلطة والتأثيرِ بسبب ما إرتكبتْه إدارة بوشَ في العديد مِنْ الأخطاءِ القابلة للتجنّبِ؛ ولكن حماقتَها المركزيةَ تكمن في انها تُطبّقَ سياسة خارجية أساسها إلايمان والاعتقاد الطوباوي بانها مكلفة من الله بهذه الاعمال.

وفي الحقيقة، فبدلاً مِنْ معْرِفة وتَصحيح أخطائِها تَمِيلُ هذه الإدارةِ إلى تَركيب تلك الاخطاء ومن ذلك تصعيد النزاعِ الحاليِ في الشرق الأوسطِ بدقّة حيث التهديد بعمل عسكري أمريكي ضدّ إيران يُمْكِنُ أَنْ يبْدوَ مُبَرَّرا من وجهة نظر تلك الادارة. ويعزز ذلك قلقهم سببه إرتفاعِ إيران كقوَّة سائدة في الخليجِ العربي وتاثيرها المباشر في العراق فبعد ازالة صدام العلماني أزيلت الموازنةَ الرئيسيةَ إلى قوة إيران الإقليميةِ وخَلقتْ الظروف لظهورِ نظامِ إسلاميِ الذي سَيَكُونُ على نحو متزايد خاضع لتأثيرِ طهران. والضَربَات الجَويِّة الأمريكية على إيران تُعزّزُ النتائجَ السلبيةَ للحربِ. من حيث التأثير شديد على تجهيزات النفطِ العالميةِ، من اثار سلبية على التجهيزات النفطية الأمريكيةَ وبالمقابل من استفادة للتجهيزات النفطية الروسية.  كذلك فان تلك الضربة ستزيد من التأثيرَ أيضاً في الخليجِ العربي وفي كافة أنحاء العالمِ الإسلاميِ من صعود الاتجاه الفكري الايحائي لمقلدي الشيعة بالرغم من التشابه الفكري بين الادارة الامريكية والادارة الايرانية من حيث الاتباع الفكر الايحائي لرسم السياسة الخارجي لكلا البلدين وما سيترتب عليها من نتائج كاريثية.

غير ان النتيجة العامّة سَتَكُونُ تَعجيل هبوطِ الهيمنةِ الأمريكيةِ الذي بَدأَ بإحتلالِ العراق. فبعد أقل مِنْ عشرين سنةِ بعد الإنهيارِ الشيوعيِ، فان السلطات المتصاعدة في النظامِ الدوليِ ستكون أنظمةَ إستبداديةَ وهي سوف لَنْ تَتحمّلَ اية معارضةَ سياسيةَ مفتوحةَ. وان المجتمعات المغلقة ستُثبتُ أكثر انها قادرة على تَأْطير وتَنفيذ الإستراتيجياتِ العقلانيةِ اكثر مِنْ مجتمعِ العالمَ المفتوحَ، فعلى مدى التأريخِ، وبعيداً عِنْ حالاتِ الموازنةِ الطبيعية. نجد ان المجتمعات المفتوحة لا يُمكنُ أَنْ تَكُونَ آمنة من اِضطراباتِ الإيمانِ في نفوس ابنائها بتقادم السنين وتطورات الحضارة كذلك اذا اضفنا ان أساس سياساته الخارجية ستكون إلايمان العقائدي ذات الإعتقاداتِ اللاعقلانيةِ وصاحب النتائج العكسية.


وتبين الوثيقة ادناه نموذج الادارة الخاطئة المتبعة.


 


في مراجعة للاحداث التي مرت على العراق خلال الثلاث سنوات الاخيرة ومن وجهة نظر المؤرخ الدبلوماسيِ واذا استخدمنا بشكل أفضل الوَصْف والتَحليل لاغلب مَدارِسِ التفسيرِ التأريخيِ لاعطاء فكّرة التسلسل التاريخي للاحداث نرى انه اذا أُهملتُ الحقيقة التي تؤكد على أنّ الإنسحابَ الأمريكيَ مِنْ مُوَازَنَة القوَّةِ في العراق فانه سيكونَ كارثة على الصعيد الامريكي. وهذه التي يجب ان يؤخذ بها على قادم الايام. وان الذي يظن عكس ذلك فانه سيخالف اغلب عبر التاريخ ولم يستفد بشكل علمي من دروس التاريخ واخطائه.

ان الُقياس التقليدي للجغرافيةِ، والقدرات العسكرية، وتوزيع القوَّةِ في النظامِ الدوليِ الحديث، يفرض على الولايات المتّحدةِ منذ 1900 بان تكون القوة العظمى الأكثر امنا في التأريخِ. ورغم ذلك فاننا نرى ان اغلب القرن العشرين، قامت واشنطن بنشاط توسّعي مستمر واتباع إستراتيجية للسيطرة. وان تكون العقيدة الويلسونية التحرّريةِ هي مظهرِ السياسة الخارجيةِ للولايات المتّحدةُ لاعادة بناء "أسطورة الإمبراطوريةِ."

غير ان العقيدة الويلسونية الأيديولوجيةِ، تفرضُ على الولايات المتّحدةَ بأَنْ لا تَكُونَ آمنةَ فحسب وانما تعيش كذلك في عالم متكوّن من الديمقراطياتِ، وهكذا تدخل العقلية الصليبية التوسعية إلى السياسة الخارجية الأمريكيةِ, ومما دعم استمرارية تلك العقيدة نجاحات البلادَ في السياسة الخارجيةِ منذ وودرو ويلسون الى الحرب الحاليَة في العراق وربما يكون هدف إدارة بوشَ "تَحويل" الشرق الأوسطِ الى مظهر آخر من مظاهراتِ الحقيقة بأنّ العقيدةِ التحرّريةِ الويلسونية  سبب اساس للتوسّعِ الإمبراطوريِ الأمريكيِ.

 واذا استعرضنا بشكل موجز تدخلات الحكومات الامريكية في الشؤون العالمية للقرن العشرين نجد الاثر المتسلسل للتوسع التاريخي الامريكي,  فقد قاومتْ الولايات المتّحدةَ توسّعَ اليابان بشكل فعال في شرق آسيا في أواخر الثلاثيناتِ, وبدلاً مِنْ إلانسِحاب وترك اليابان رغم انها لم تهدد الولايات المتحدة بشكل مباشر فان تلك السياسة تَتوّجتْ بالهجومِ الياباني على بيرل هاربور. وبالمقابل فان تلك السياسة حين اتبعت في أوربا الغربية بعد 1945 ، حين قرّرتْ واشنطن بأنّ تخُلِق منظمة حلف شمال الأطلسي كان الأوربيون المتضايقينَ منها مستسلمين لتلك السياسة بسبب هزيمة مواطن السيطرة والقوة فيها وكذلك ضعف الاطراف التي خرجت منتصرة بعد الحرب, ففرضت الولايات المتّحدةَ التي إحتاجتْ الى أَنْ تَفْرضَ هيمنتَها على أوربا الغربية بعد ان إنتهتْ الحرب العالمية الثانيةِ.

وربما وَازنتْ الولاياتِ المتحدة قوتها الجذّابةِ والأقوى ضدّ الإتحاد السوفيتي المهدّد والأضعف ولكن الأكثرِ الا انه رغم ذلك، كان هنالك استعداد من قبل الاتحاد السوفييتي ان يقبل بالمساعدة مما جعل ذلك شرطا اساسيا لنجاح تلك السياسة وهو ما كان قد اتبعته السياسة الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية حين كانت فرنسا غير مبالية بالتهديدِ السوفيتيِ الخارجيِ ولكنها كانت مهددة بالتهديدِ الشيوعيِ الداخليِ. واحتاجت المُوَازَنَة ضدّ الإتحاد السوفيتي، لذلك عملت النُخَبَ الفرنسيةَ على قبول المساعدة ألامريكيةَ للتَعافي إقتصادياً، والاصلاح إجتماعياً، وبكْسبُ الإستقرارَ السياسيَ المحليَ والذي تَطلّبَ ابْعاد الشيوعيون الفرنسيون عن القوَّةِ.

أنّ النصرِ الأمريكيِ في الحرب الباردةِ لم يات رخيصا، كذلك في كوريا وفيتنام لم تكن رخيصةَ ايضا. والدفاع عن أوربا الغربية بعد 1960 لم يكن كذلك فقد كَانتْ خطرةَ ايضا لأنها أُلزمتْ الولايات المتّحدة لمُخَاطَرَ القيام بحربِ نوويةِ لمصلحةِ أوربا الغربية. وفَرضتْ الحرب الباردةُ تكاليف ضخمةَ على الولايات المتّحدةِ، بلغت التريليونات مِنْ الدولاراتِ أنفقتَ في الحملة الصليبيةِ العالميةِ ضدّ الشيوعيةِ وفي تكريس مسعى الهيمنةِ العالميةِ الأمريكيةِ والتي كان يُمكنُ أنْ تُصْرَفَ لتحسين الظروف الاجتماعية الداخلية. مع كلف اخرى دفعتها الولايات المتحدة ويتمثل ذلك بتوسّعِ قوَّةِ الحكومة الإتّحاديةِ، إرتفاع الرئاسةِ الإمبراطوريةِ، وتآكل الحرياتِ المدنيةِ، والإضْعاف الطويل المدى للإقتصاد الأمريكي.

وبالرغم من أن الولايات المتّحدةِ إحتوتْ الإتحاد السوفيتي بشكل صحيح في أوروبا فوراً بعد الحرب العالمية الثانيةِ، برغم كلفها الباهظة فان المؤرخين ما زالوا يُناقشونَ السُؤال المُهمِ فيما إذا ضيعت السياسة الامريكية فرصة تجنب تلك الحرب الباردة من خلال تفويتها فرصة الصفقة لاعادة توحيد ألمانيا في عام 1948 والتي كانت فرصِه لواشنطن لتَخليص الولايات المتّحدةِ مِنْ الحرب الباردةِ وكلفِها المُرافقةِ.

وبعد إنهيارِ الإتحاد السوفيتي، وسّعي الولايات المتّحدةَ  الى زيادة إلتزاماتِها الإستراتيجيةِ وطموحاتِها الأيديولوجيةِ انما كان بسبب سد الفراغ الامني والاستراتيجي الذي تركه الاتحاد السوفييتي بحسب الرؤية الامريكية وهو كذلك كانت كلفه اوسع واكبر على السياسة الامريكية في العالم.

واذا نَظْرنا على نزاعاتِ العقدين الأخيرين، فان هناك شيء واحد واضحُ: فقد سادتْ تلك الحروب التي ادت فيها الولايات المتّحدةِ إنتشارا محدودا ولكنه غير مطول في بَنما، البوسنة، وكوسوفو. وعندما لم تمكث الولايات المتّحدة فيها طويلا كانت النتيجة فشلاً واضحاً، كما في الصومال وهايتي. والحقيقة فأنّ المهمات الحالية في العراق وأفغانستان تتطْلبُ إلتزاماتَ مستمرةَ وكبيرةَ مِنْ القوّات الأرضيَّةِ الأمريكيةِ لذا فان على الامريكان ان يتوقعوا بأنّ أكثر الأزماتِ المستقبليةِ ستاتي بمتطلبات مماثلةِ.

وقبل أيلولِ 11, 2001، تخيل منظروا السياسة الامريكية بأنّ الإرتباطِ الامريكي بالعالمِ سيكونَ إختياريَ في قبول او رفض اية مهمة يمكن ان يقوموا بها في وقتِ السلام،غير انها اليوم تواصل الرفض لاستخدام استراتيجية للدفاع امام الاخطار الجديدة سوى بناء استرتيجية تقوم على الحرب الاستباقية المضادة مما سيقلل من إمكانيةَ النجاح مُستقبلاً في حل النزاعاتِ، وتَرْدُّ بشكل كافي على التهديداتِ المستقبليةِ، او تحمي شعبها بطرق اكثر واقعية

واليوم تعلنَ الادارة الامريكية مراراً بأنّ الأمةَ في حالة حرب، وأعلن كبار مسؤولي وزارة الدفاع بأنّ هذه الحرب سَتكُونُ طويلة غير انهم أخفقوا في إتِّخاذ أيّ خطوات لتَعْبِئة امتهم وفقاً لذلك, من تَعْبِئة مصادرِها لدَعْم جنودها.


المكاسبِ السياسيةِ الأخيرةِ للشيعة قَدْ تَكُونُ فاتحة رئيسية، للانتقال في المشهد السياسي الشرق الأوسطيِ الأكبرِ وعلى أولئك الذين يُريدونَ فَهْم السياسةِ الامريكية - الشرق الأوسطيةِ فعليهم بالتَركيز على داخلَ الإسلامِ الذي يُهملَ المجابهةَ الإسلاميةَ الطويلة الأمدَ بين السُنّةِ والشيعة.

فالتأريخ العربي والذاكرة العربية تحدّدُان وتغطيان بعدهما في المشرقِ العربيِ. وتَتحرّكُ القصةُ مِنْ بلادِ إلى بلادِ ومن ازمةِ إلى ازمةِ، مع مُوازنُة وحدة العروبة وتنويع العديد مِنْ الحكوماتِ العربيةِ المختلفةِ والتي تَتفاعلُ مَع التدخلات الغريبِة. والموازنة في التفسيراتِ التأريخيةِ.

لقد كَان أكثر العرب السنة وحتى النهايةِ مواليينِ للإمبراطوريةِ العُثمانيةِ. وحين قامت الثورةِ العربيةِ تحت قيادة حسين بن علي أثناء الحرب العالمية الأولى  كان السنة كذلك عماد تلك الثورة, وحين بدأ الاحتلال البريطاني للعراق والمنطقة بعد الحرب العالمية الاولى بدا الضباط العرب الذين كانوا اسرى لدى القوات البريطانية بانشاء الدولة العراقية الحديثة وكان جلهم من السنة كذلك, وانزوت الشيعة الى المرتبة الاخرى من الحكم حتى برز الصعود الاخير بعد الاحتلال الامريكي ومن قبله تجربة قيام الثورة الاسلامية في ايران. واما العاملِ الكرديِ في التأريخِ العراقيِ فان كردستان العراقية لم تكن يوما كيان سياسي "مُعتَبَر او مرغوب, الا ان الإحتلالِ الأمريكيِ اعطى اشارات سيئة لقيام كردستان مستقلة. والحقيقةَ بأنّ التغييرِ المثيرِ الوحيدِ الذي سَيَاتي هو الحرب ألاهلية , ومعناها إنهيار العمليةِ السياسيةِ في العراق. وذلك سيَعْني أيضاً بأنَّ البرنامج الامريكي الحالي وإلاستراتيجية التي تتبعها الادارة تكون غير مؤثّر كلياً.


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.