14 Jul
14Jul


كَان القرن العشرين العصرَ الأكثر دمويةَ في التأريخِ. فالحرب العالمية الأولى قَتلتْ ما بين تسعة الى عشرة ملايين شخصِ نتيجة للحربِ، ثم كان وباءِ الإنفلونزا عام 1918 وقضى على أكثر من تسعة عشر مليون انسان. وبعد ذلك جاءت الحرب العالمية الثانية فقضت على تسعة وخمسين مليون من البشر. وهذين النزاعين هما الاكثر والاكبر قتلاً في السَنَوات المائة الأخيرة.

      وعدا ذلك فقد كان هناك ستة عشر نزاعَا طوال القرن الأخير والذي كلّف أكثر مِنْ مليون قتيل, واكثر من ستّة نزاعات كلفت بين نصف مليون الى مليون قتيل ، واربعة عشر نزاعا قتل فيه ما بين ربع مليون الى نصف مليون قتيل. وإجمالاً كان هناك ما بين مائة وسبعة وستين مليون الى مائة وثمانية وثمانين مليون شخصِ ماتوا بسبب العنفِ المُنظَّمِ في القرنِ العشرينِ وبحدود وفاة واحدة لكل اثنان وعشرين انسان في تلك الفترةِ.

وفي الواقع، وعند نهاية القرن العشرين، فان البشر في العديد مِنْ أجزاءِ العالمِ تَمتّعتْ بالحياةِ الأطولِ والأفضلِ اكثر مِنْ أي وقت كان قبل ذلك، والفضل في ذلك يعود بشكل رئيسي إلى التغذيةِ المُحسَّنةِ والرعاية الصحيةِ. وكانت نسبة سكانِ العالمَ التي عاشتْ في المُدنِ الكبيرةِ أكثر مِنْ الضعف. والعَمَل توفر بشكل اكثرِ، والناس اصبح عِنْدَهُمْ وقتُ متوفرُ أكثرُ للراحةِ. وانصَرفَ البعضُ الى التعبير عن مناهجهم السياسية وطموحاتهم الواسعة في الحكم وإعادةِ توزيع الدخلِ وبقدر لم يسبق اليه من الحرية في التعبير من قبل.

وحَصْر عمل الحكوماتُ في تقديم المصلحة العامةِ الأساسيةِ مثل الدفاعِ الوطنيِ والنظام القضائي العادل والخدمات، والتطلع الى ان تصبحَ من دولَ الرفاه اوانها أرادتْ على أقل تقدير إزالةَ الفاقةِ, وأنْ يكون هذا التطور والإزدهارِ السبب الحقيقي في ازالة أسبابَ الحربِ. الا ان مُعظم أسوأ عنفِ الحروب التي حدثت في القرنِ العشرينِ كانت من نصيب تلك الدول الغنية نسبيا بمواردها واقتصادها. والتي كانت تلك الدول والامم قد نظرت الى انها تقف لتحقيق سبل الحرب النبيلة والتي سَتَنتهي اما الى " نجاح نبيل " أَو الى " فشل نبيل".

كذلك كان في تأريخِ الحروب العالمية التي خاضتها الولايات المتحدة الامريكيةِ الكثير من القضايا إلانسانية المباعةَ بشكل سيئ ولعل قضية امريكا الإنسانية في تعاملها ضد دول الخصيب العربية الاسلامية في القرن الماضي بشكل عام ومع العراق بشكل خاص والتي بدأت بخطةَ طموحةَ جدا لجَلْب طرقِ سلميةِ وديمقراطيةِ للحكم إلى الشرق الأوسطِ ابرز مثال يعبر عن تلك الرؤية .

ورغم انقسام المؤرخين والسياسيين بين من يؤيد فكرةَ هذه المهمّةِ الإمبراطوريةِ ويتطلعون الى انها سَتُشجّعُ لمحاسبة جوهرية للسياسات الأمريكيةِ لتلك السَنَوات الماضية، وحتى إذا وصل الامر بتقييمِهم الى الاثبات بأنه قد يَكُونَ "فشلا نبيلا." وبين أولئك الذين يَشْكّونَ في المبادىء الأخلاقيةِ أَو العمليةِ لهذا التعهّد الذي التزمت به الولايات المتحدة اذ انهم قد يجدونه عودةِ للإمبرياليةِ من جديد الى منطقة العالم العربي والإسلامي, الا ان هؤلاء يتفقون على ان الجنود الأمريكيين تتركز مهماتهم وبشكل دقيق في اقامة صروحا إمبراطوريَة لامريكا في الأراضي الشرقيةِ العربية الاسلامية بغض النظر عن الاسباب والنتائج.

يمثل الدين دائماً قوة رئيسية في السياسة الأمريكيةِ فهو يمثل، سياسة، وهوية، وثقافة. وربما لا نغالي ان اكدنا ان الدينُ يُشكّلُ شخصَية الأمة الامريكية، ويُساعدُ على تَشكيل أفكارِ الأمريكان حول العالمِ، ويُؤثّرُ على طرقَ ألامريكان في َرْدُّهم على الاحداثِ التي تحدث خارج حدودِهم. ويُوضّحُ الدينُ إحساس ألامريكان بأنفسهم وإعتقادَهم الذي يوجب عليهم نشر قِيَمِهم في كافة أنحاء العالم.

وبالطبع، لَيسَ كُلّ الأمريكان يَعتقدونَ مثل هذه الأشياءِ واما أولئك الذين يَختلفونَ في أغلب الأحيان بشكل قوي حول هذا الاتجاه فانهم يَعتقدون ان الأفكارَ الدينية تُمارسُ نفوذَ عميقَ على سلوكِ البلادَ في الخارج وفي الداخل الامريكي

فالدين مهمُ جداً بالنسبة إلى الحياةِ في الولايات المتّحدةِ والتي تَختفي ورائها مزيجِ من التطلعات والسياسات والامال. فالمحاربون وعلى كُلّ الجوانب المهمةِ من افعالهم يتطلعون الى المبادئَ الدينيةَ بإنتظام لدَعْم وجهاتِ نظرهم، رغم ان البلاد الامريكية متنوّعة دينياً بشكل واسع بِحيث تدعم تقريباً أيّ سياسة خارجية معقولة يُمْكِنُ أَنْ تُوْجَدَ في اي مكان في العالم.

ورغم ذلك فميزان القوى بين العقائد الدينيةِ المختلفةِ تتغير بمرور الوقت؛ الا انه في الجيلِ الأخيرِ، إنتقلَ هذا الميزانِ بشكل ملحوظ، وبنتائجِه المثيرةِ. الى الإتجاهات الأكثر محافظةً ضمن البروتستانتيةِ ألامريكيةِ وكَسبتْ الأتباعَ بشكل كبير،على حساب البروتستانتية التحرّرية التي سيطرتْ على البلادِ أثناء السَنَواتِ المتوسّطةِ مِنْ القرنِ العشرينِ والتي أضعفتْ بشكل واضح في هذا الوقت .والتي ادت الى هذا التغييرِ للوسائل العميقةِ في السياسة الخارجية الأمريكيةَ.

وهذه التغييراتِ لَمْ تُفْهَمُ لحدّ الآن على نحو واسع، او ربما حتى جزئياً لأن أكثر طلابِ السياسة الخارجيةِ في الولايات المتّحدةِ وفي الخارج غير متعودين على البروتستانتيةِ الأمريكيةِ المحافظةِ.

فلربما تكون وجهات نظر القسِّ الإنجيليِ بيلي جراهام وأصوليوا جامعة بوب جونز ذات تاثير واسع وموجهة لهذه الطرق المختلفةِ جداً في العلاقات الخارجيةِ مِنْ اي رأي شعبيِ. والتي لَمْ تُقدّرْ عموماً في هذا الوقت. الا ان الإختلافاتَ اللاهوتيةَ والثقافيةَ الكتومة يُمْكِنُ أَنْ يكون لَها نتائجُ سياسيةُ مهمةُ. وترجمة تأثيرِ هذه التغييراتِ الدينيةِ في الولايات المتّحدةِ على السياسة الخارجية الأمريكيةِ تَتطلّبُ القاء نظرة أقرب إلى "خيمةِ الانبعاث" الجديدة والكبيرةِ للبروتستانتيةِ الأمريكيةِ.

لقد شكّلتْ تلك البروتستانتيةِ مُعظم هويةِ البلادَ وتَبْقى اليوم تحوي إيمانَ الأغلبيةَ في الولايات المتّحدةِ اما التغييرات في الكاثوليكيةِ والتي تعد ثاني أكبر طائفةِ للإيمانِ والدين في البلادِ فهي في صورة الأقلِ إخْتِلاطاً بنتائجِ السياسة الخارجيةِ. واما المجموعات الدينية الباقية في الولايات المتّحدةِ فهي بشكل ملحوظ ألاقل تاثيرا عندما يتعلق الأمر بسياسةَ البلادَ.

ولفَهْم هكذا تغييراتِ مُعاصرةِ في البروتستانتيةِ وبداية تَأثيرها على السياسة الخارجية الأمريكيةِ، لابد من فَهْم الدورِ الذي لَعبهَ الدينِ من الناحية التاريخية في حياةِ البلادَ العامّةَ. فالتقليد الديني الأمريكي، الذي نَتجَ عنْ إصلاحاتِ القرن السادس عشرَ في إنجلترا وأسكوتلندا، تَضمّنَ العديد مِنْ العقائدِ ووجهات النظر العالمية المتباعدةِ وبمرور الوقت كَانَ هناك ثلاثة تقاليد اومتبوعية او مرجعية دينية، كانت مؤثرةُ جداً على مسيرة هذا التقليد الديني في الولايات المتحدة: فهناك تقليد صارم الذي يُمْكِنُ أَنْ يُدْعَى أصولي, وتقليد تقدمّي وأخلاقي وهو المعروف بالمسيحيةِ تحرّريةِ، وتقليد إنجيلي أوسع من البلوريتانيين والذين عندهم إختلافاتُ لاهوتيةُ مَع البلوريتان الانجيليين غير ألاصوليون، لكنهم فرعُ من عِلْمِ اللآهوت الإنجيليِ، وهكذا أغلبية البلوريتان ألامريكيين يُمْكِنُ أَنْ يحْسَبَوا مَع الانجيليكان.

وربما سيكون أمراً خاطئاً قِراءة هذه الامور اكثر من حجمها الطبيعي فان أكثر المسيحيين الأمريكانِ يَخْلطونَ ويَجاهرونَ بأفكارَ لاهوتيةً وإجتماعيةَ مِنْ هذه وغيرها من سواحلِ الفكرِ البروتستانتيِ والمسيحيِ. وتَصِفُ المميزّاتُ الرئيسيةُ لكُلّ ساحل ونتائجها لدورِ الولايات المتّحدةَ في العالمِ رغم ان هذا التَقدير يَتغيّرُ في الميزانِ الدينيِ بتغير تشكيله لسلوكَ البلادَ.

فالأصوليون، والمسيحيون التحرّريون، والانجيليكان في كُلّ جزء منهم  وبحد ذاته يشكلون الإتجاه العامِ التأريخيِ للبروتستانتيةِ الأمريكيةِ، فمعظم القرن التاسع عشر وبدايات القرنِ العشرينِ إعتقدَ أكثر البروتستانتيين بأنّ العِلْمِ يؤكّدَ على التعليم التوراتيَ. وعندما اسس عِالْم ألاحياء دارون مدرسته في النقد والشك بَدأَ بإخْتياَر الشَكِّ المتزايدِ على وجهاتِ النظر التقليديةِ مِنْ التأليفِ وصدقِ التوراةَ، وقد فكّكتْ الحركة البروتستانتية الأمريكية جدلَ المتحررينُ وذلك باعتمادها على ان افضل طريقِ للدِفَاع عن المسيحيةِ يكَون فيَ أَنْ تدْمجَ الثقافةَ الجديدةَ إلى عِلْمِ اللآهوت، وتبنت طوائفَ بروتستانتيةَ رئيسيةَ هذا المنطقِ. وإعتقدَ الأصوليين بأنّ الكنائسِ يَجِبُ أَنْ تَبْقى موالية إلى "أساسيات" الإيمانِ البروتستانتيِ، مثل الحقيقةِ الحرفيةِ للتوراةِ وهنا انشيء ما يعرف بالكنيسة المفتوحة والتي فتحت ابوابها الى جميع الطوائف والاقليات والمذاهب والمعتقدات مقابل ان تفتح تلك المؤسسات والهيئات والدوائر والجمعيات ابوابها لهذه الكنيسة المفتوحة.

غير ان الأصوليين أنفسهم قُسّموا إلى فرقتين، وميّزَ كلا منهما بنفس القدر من الثقافةِ والمزاجِ كَما في عِلْمِ اللآهوت. وجادلَ "الإنفصاليون" بأنّ المؤمنين الحقيقيينِ يَجِبُ أَنْ يَتْركوا الكنائسَ التي تَساومتْ معها أَو تَحمّلتْ العصرانيةَ في أيّ شكل. وحينما اصبح المجتمع والثقافة ألامريكية علمانيا وأكثر تعدّدية، إنسحبَ الإنفصاليين على نحو متزايد مِنْ السياسة والثقافة. وأرادَت الفرقة الآخرىُ للحركةِ الأصوليةِ الأصليةِ إلارتباطِ المستمرِ ببقيّة العالمِ. هذه المجموعة دعِت الى إنجيلي جديد أصلاً. واليوم، يَحتفظُ الإنفصاليون بصفة الأصولي بشكل فخور، بينما أسقطَ الانجيليون المجموعات الاخرى وبداوا اليوم من جديد وباتوا يعرفون بالانجيليكان.

ادت المجاميع الثلاثة المُعاصرة مِنْ البروتستانتيةِ الأمريكيةِ ( ألاصولي والتحرري، والإنجيلي) إلى افكارِ مختلفةِ حول ما دورِ الولايات المتحدة الامريكية في العالمِ وكيف يجب أَنْ يَكُونَ. وجاءت الإختلافات الأكثر أهميةً حول ما يَجِبُ أَنْ تَعمَلُ بالدرجةِ الاساسية والتي تُروّجُ للتفاؤلِ حول الإمكانياتِ لبناء سلام عالمي، فألاصوليين متشائمين جداً حول الفرصِ القائمة للنظام العالمي ويَرونَ ان التقسيمَ غير قابل للربطَ بين المؤمنين وغيرِ المؤمنين. والتحرريين متفائلين بشأن تلك الفرصِ للنظام العالمي ويَرونَ ان إلاختلافَ صَغيرَ بين المسيحيين وغيرِ المؤمنين. واما الانجيليين فهم في مكان ما من الوسط لهذه النهاياتِ.

ولأن هناك العديد مِنْ التعاريفِ المختلفة لتعبيرَ "أصولي" ، الا انه ليس هناك من مصطلح مقبول عموماً للتَعريف ما ألاصولية أَو ماذا يَعتقدُ اتباعها وهل هي مختصة بالديانة النصرانية ام يشمل الديانات السماوية الاخرى او حتى الديانات الارضية الواسعة والمختلفة الاخرى ايضا.

الا انه في هذا الكتاب سيكون هذا الوصف متوافق مع الشخصِ او المجموعة المتنوّعة الغير مقيدة والطائفيةِ للبروتستانتيةِ الأمريكيةِ، ويَتضمّنُ هذا التعبيرَ "ألاصولي" الذي يحمل خصائصَ متنوعة هي بين الوجاهة والاحترام مِنْ السلطةِ والإلهامِ التوراتيِ والتصميم القوي للدِفَاع عن الإيمانِ البروتستانتيِ التأريخيِ ضدّ الكاثوليكي الروماني, والمتحررِ من اي تأثير علماني وغير مسيحي والداعي للمؤمنين بان عليهم أَنْ يَفْصلوا أنفسهم عنْ العالمِ الغير مسيحيِ.

ويُمْكِنُ للأصوليين أَنْ يُتوْاجَدوا في اي بيئة مسيحيةِ بروتستانتيةِ محافظةِ، وهناك بَعْض الطوائفِ يعتبروهم إنجيليين (مثل المعمدانِ الجنوبيِ ومجمع ميسسوري اللوثري الكنسي) ولَهُم أقلّياتُ صوتيةُ التي يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مسمّاة بالأصولية بشكل شرعي. او بالطوائف الأصولية، مثل الكنيسةِ المشيخية الكالفينية التي تمِيلُ إلى أن تكون أصغرَ مِنْ المجموعات التحرّريةِ والإنجيليةِ.

وهناك العديد مِنْ المراقبين يَعتبرونَ ألاصوليَّة كحركةِ معادية للاتجاهات الثقافيةِ والعاطفيةِ السائدة في العالم المعاصر ذلك لان أكثر البروتستانتيين الأمريكانِ المحافظينِ يَرْبطونَ أهمية كبيرة بين التجربةِ الروحيةِ العاطفيةِ وبين الشخصيةِ. لكن الإختلافَ بين الأصوليين والانجيليكان لَيسَ لان الأصوليين أكثر عاطفية في إعتقاداتِهم؛ بل لان الأصوليين يَصرّونَ بالكامل وبشكل اكبر على متابعة أفكارِهم إلى خاتمتِها المنطقيّةِ بحسب ارائهم وان كانت خاطئة بنظر الناس الاخرين.

والأصوليون أكثر إهتماماً مِنْ الانجيليكان في مجال التَطوير المسيحي الثابت والشامل وهم ذووا الرؤى العالمية الشمولية وبعد ذلك في تشكيل وضع العالم بشكل منظّم بحسب ايمانهم وهذا شيءُ واحد لا يمكن انكاره عندهم وهم بذلك يرَفْضون الفكر الانجيليكاني في التطور الداروني لأن أدلّةَ تجربةِ شخصيةِ واحدة لا تعادل الفكر الالهي بإعتِبار التوراةِ عندهم دليلَ معصومَ.

في العشريناتِ والثلاثيناتِ من القرن الماضي وبعد سلسلة من الهزائمِ الثقافيةِ والسياسيةِ، تَراجع ألاصوليون إلى العزلةِ والتشاؤم عكس ما كَانتْ سمة التوجيهِ المتفائلِ لبروتستانتيةِ القرن التاسع عشرِ الأمريكيةِ. فقد َحْملُ العديد مِنْ الأصوليين المتشددين النْظرة ُالكئيبةِ التي تؤكد بأنّ هناك فجوة مُطلقة بين الأرواحِ التي إختارها اللهَ وبين الكثيرَ من تلك الارواح التي قدّرَ لها الإِنتِهاء بها الى الجحيم. وهذا ما كان يشبه ما قام به الكالفينيين عندما أسسوا الكومنولثِ الثيوقراطيِ في أسكوتلندا مِن قِبل المعاهدين وبين حزب كيرك، في إنجلترا أثناء أوليفير، وصعود كرومويل، في نيو إنجلند، خلال القرن السابع عشرِ. لكن في القرون الثلاثة الأخيرة، أَصْبَحتْ هذه المؤسسة الرسمية الثيوقراطية أقل جذّبا وأقل عملا للأصوليين المتشدّدينِ.

      وجَعلتْ التغييراتِ السكّانيةِ التي حدثت في الولايات المتحدة الأمر صعباً في جعل ألاصوليين يُشكّلونَ أغلبية عددية وانتخابية. كذلك فان تجربة الكومنولثِ الماضيِ أيضاً تُشير الى أنّ أجيالِ الوريثِ دائما تَفتقرُ إلى تأجّجِ المؤسسين. والأشدُّ مِنْ هذه التجاربِ، ان ألاصوليين ألامريكان المُعاصرين يَعتقدونَ بان تلك الجُهودِ الإنسانيةِ لبِناء عالم أفضل يُمكنُ أَنْ تتمتع بنسب نجاحً محدودة جداً .

لذلك يَمِيلُ ألاصوليون إلى أن يكونوا اكثر تشاؤما حول الفرصِ للاصلاح الإجتماعي داخل الولايات المتّحدةِ، وهم معادون لفكرةِ نظام عالمي مستند على المبادىء الأخلاقيةِ العلمانيةِ وعلى المؤسساتِ العالميةِ مثل الأُمم المتّحدةِ. وهم أكثر ألفة مِنْ العديد مِنْ الأمريكان لقصصِ المسيحيين المُضطَهَدينِ في الخارج، ويَرى ألاصوليون انه لا مغزى من التَعَاوُن مع الحكوماتِ التي تَضطهدُ الكنائسَ، او يحرّمَ تحوّلُ مسيحياً، أَو يُعاقبُ التحويلاتَ إلى المسيحيةِ كما في القانونِ الإسلاميِ. ويضغطون على المؤسساتِ الدولية مثل الأُمم المتّحدةِ لاقرار تلك السمة على الحكوماتِ ، وهم يُصوّرونُ نهايةَ العالمِ مِنْ منظور أصولي، بصْعودُ المسيح الدجالَ إلى السلطة كأمين عام الأُمم المتّحدةِ.

وينظر الأصوليون، أخيراً، برؤيةِ إيحائيةِ لنهايةِ العالمِ ويوم القيامةِ. كرسالة توراتية، فهم يعتقدونَ بأنّ النبوءاتَ المُظلمةَ في الكتب المقدّسة العبرية واليونانية، بشكل خاص تلك التي في سفر الرؤيا، والتي تتنبأ بالأحداثَ العظيمةَ والفظيعةَ التي سَتُنزلُ الستارةَ على التأريخِ الإنسانيِ. وان الشيطان وحلفائه الإنسانيون سَيُنظّمانِ ثورة نهائية ضدّ الله والمؤمنون المنتخبون _ الذين هم الاصوليون البروتستانت _  وسَيَمْرّونَ بإضطهادِ فظيعِ، لكن السيد المسيح سَيُنزّلُ على أعدائه ويفنيهم وستَحْكمُ سماء جديدة وعلى أرض جديدة بعد ذلك. وبذلك تكون هذه الرؤيةِ غير متوافقة مع فكرةِ التقدّمِ التدريجيِ نحو علمانية خيالية قادتْ بالتقدّمِ التقنيِ وتعاونِ الناسِ الأذكياءِ لكُلّ التقاليد الدينية.

بينما تَجِدُ المسيحيةُ البروتستانتية التحرّريةُ ان صميمُ المسيحيةِ في تعليماتِها الأخلاقيةِ بدلاً مِنْ مذاهبِها الكلاسيكيةِ. فرجوعاً إلى القرن السابع عشر، عَملَ هذا التيارِ مِنْ التَفْكير المسيحيِ إلى فصل الدين حيث فَصْل لبِّ الإلهامِ الأخلاقيِ للدين مِنْ صَدَفَةِ الأسطورةِ التي احاطت به، فالمسيحيين التحرّريين شكّاكين حول المذاهبِ المعقّدةِ التي تَتعلّقُ بطبيعةِ السيد المسيح والثالوث والافكار التي طُوّرت في أوائل القرون الثلاثة من تأريخَ الكنيسةَ. هم ممانعون لقُبُول حوادثِ توراتيةِ مُخْتَلِفةِ مثل خَلْقِ العالمِ في سبعة أيامِ، او جنّة عدن، او مثل فيضان نوح حيث يعدونها كقصة خرافية. وتُمدّدُ شكوكيتَهم في أغلب الأحيان أيضاً إلى الإحياءِ الطبيعيِ للسيد المسيح والمعجزات المُخْتَلِفة التي نَسبت إليه.

 وبدلاً مِنْ إلاعتِقاد بان السيد المسيح عالم ماوراء الطبيعة، فان المسيحيين التحرّريين يَرونَه معلّماً أخلاقياً موجّهَ في أغلب الأحيان بشكل اساس الى الفقراءِ. فحين قدّمَت كنيسة التحررية إلى الولايات المتّحدةِ في 1794 مِن قِبل العالمِ الإنجليزيِ والعالم الديني يوسف برسيتلي Priestly، نظّمتْ طائفة حول هذه الأفكارِ الرئيسيةِ. وكان بريستلي صديق بنجامين فرانكلين وهو ذا تأثير لاهوتي هامّ على توماس جيفيرسن، وبالرغم من أن فرانكلين وجيفيرسن حَضراَ خدماتَ ألاسقفيةَ عندما ذَهبوا إلى هذه الكنيسة. فانهما قادا الآخرين لإسْتِجْواب الدقةِ الحرفيةِ للعديد مِنْ القصصِ التوراتيةِ، واليهم يعود إنتشار التحرّريَّةِ على نحو واسع من خلال الطوائفِ البروتستانتيةِ الرئيسيةِ بضمن ذلك الميثودي، والمشيخي، والكنائس اللوثرية والكنسية التجمّعية والمعمدانية ألامريكية والتي كانت تحوي على نخب الولايات المتّحدة إلاجتماعية، ومن المثقّفين، والنُخَبَ إلاقتصاديةَ عموماً.

وبالرغم من أن المسيحيين المحافظينِ - بشكل مذهبي-  يَعتبرونَ التحريين والتقدميين في أغلب الأحيان خارج الإتجاه المسيحيِ العامِ، الا ان المسيحيين التحرّريين يَدّعونَ انهم يمثلون جوهرِ البروتستانتيةِ. في الإصلاح، وفي رأيهم، ان المرحلةَ الأولى في فكر الاصلاح المسيحي تكون في الإِسْتِرْداد الصميمِ والثمينِ للمسيحيةِ. كتطهّرَ المصلحينُ الأصليينُ للكنيسةُ من الإنغماسِ في الأفكارِ التي طغت على الفكر المسيحي مثل المعصوميةِ البابويةِ المطهّرةِ، وإلاستحالة الجوهرية. او في مُهَاجَمَة مثل هذه المذاهبِ المسيحيةِ المُؤَسَّسةِ كالثالوث، والذنب ألاصلي، اووجود الجحيمِ، ويَعتقدُ المسيحيون التحرّريونَ اليوم بأنّهم يمثلون "المبدأ البروتستانتي" بوجهه الحقيقي.

والمسيحية التحرّرية لَها نظرة مختلفة حول الإختلافِ بين المسيحيين وغير المسيحينِ حول الذين يمثلون الأشكالُ الرئيسيةُ الأخرى للبروتستانتيةِ الأمريكيةِ. فالمسيحيين التحرّريينَ يَعتقدُون بأنّ الأخلاقِ نفسها في جميع أنحاء العالم حيث يحملها البوذيون، والمسيحيون، الهنودس، اليهود والمسلمون، ويُمْكِنُ لهم أَنْ يُوافقوا على الذي هو حقُّ وعلى الذي هو خاطئُ؛ فكُلّ دين لَهُ لبّ الحقيقةِ الأخلاقيةِ في نظرهم. واما فكرة الكنيسةِ كمجتمع فاضل يتمتع أعضائه بمواصفات النعمةِ الخاصّةِ فلها دور صغير جداً في المسيحيةِ التحرّريةِ.

ولأن أكثر المسيحيين التحرّريينِ يَنْبذونَ مذهبَ الذنبِ الأصليِ، لذلك فالمسيحيةُ التحرّرية لديها التفاؤل حول الفرصِ العالمية للسلام وحول المنظماتِ الدوليةِ كالأُمم المتّحدةِ. ويرى المسيحيون التحرّريونَ ان المعركةَ لتَأسيس مملكةِ الله في أغلب الأحيان تكون كنداء لدَعْم القضايا السياسيةِ التقدمّيةِ في الداخل أو الخارج. ويُجادلونَ بأنّ النبوءاتَ المُظلمةَ للإيحاءِ تُشيرُ إلى صعوبةِ تَأسيس نظام إجتماعي عادلِ على الأرضِ لكن مثل هذا الطلبِ سَيَحْدثُ مع هذا إذا عْملُ كُلّ شخصَ بشكل سوي لبِنائه.

سيطرتْ البروتستانتيةُ التحرّرية على الرؤى السياسية العالمية الأمريكيِة   أثناء الحرب العالمية الثانيةِ وخلال الحرب الباردةِ. وتبنّى الزعماء مثل فرانكلين روزفيلت، هاري ترومان، دوايت آيزنهاور، جون دالاس مثلهم مثل أكثر النُخَبِ الأمريكيةِ في ذلك الوقت بهذا التقليدِ. وفَتحتْ النظرةُ المسيحيةُ التحرّريةُ البابُ أيضاً إلى التعاونِ مَع الكاثوليك الرومان واليهود، الذي كَانوا ومن ثمّ اصبحوا أكثر المؤثرين في الولايات المتّحدةِ. وبدا ان العديد مِنْ المسيحيين التحرّريينِ بداوا يَقتربونَ مِنْ مشاكلِ النظام العالمي والتعاونِ عبر خطوطِ عرقيةِ ودينيةِ تَعْكسُ نجاحَهم السابقَ في تشكيل الإجماع المحلي.

الا انه في السَنَوات الأخيرة، جابهت المسيحية التحرّرية عِدّة تحديات، تمثلت في ميل البروتستانتيةُ التحرّرية للتَلاشي إلى العلمانيةِ: مستندين على "مبدأ بروتستانتي" هو الحقّ في وجودهم خارج باب الكنيسةِ. ونتيجة لذلك بدات طوائف رئيسية تحرّرية تَنكمشُ الآن وبسرعة.

اما التحدي الاخر فيتمثل بان المسيحيين التحرّريين شَغلوا في أغلب الأحيان بشكل فاتر بالقضايا والأسبابِ "الدينيةِ". فهم قَدْ يَكُونوا إختصاصيين في مسائل البيئة او انهم إرتبطوا بنشطاء حقوقَ الإنسان أَو إرتبطوا بمنظمة العفو الدوليةِ، وهي تلك النشاطاتِ التي تَحْدثُ في العالمِ العلمانيِ.

كذلك فان المسيحيين التحرّريين عَزلَوا انفسهم مِنْ التدرجِ الكاثوليكيِ بموقفهم حول قضايا مثل الإجهاضِ وحقوقِ اللوطيَّة والتي إستهلكتْ بالمعاركِ الانتخابية الداخليةِ، او مِنْ في موقفهم من اليهود او بدعمِهم المتناقصِ لإسرائيل، والمسيحيون التحرّريون يَفْقدونَ اليوم دورَهم التقليديَ كدعاة لجاليةِ دينية مشتركةِ وهم بذلك فقدوا القدرة على التَأثير على المجتمعِ الأمريكيِ ككل..

اما الانكليكان اوالطريق المتوسّط، ثالث تلك المجموعات القيادية البروتستانتيةِ الأمريكيةِ، والذي يَمتدُّ على جانبي التقسيمَ بين الأصوليين والتحرريين. فإعتقاداتهم الرئيسية تَتشاركُ بجذور مشتركة مع الأصوليَّةِ، لكن أفكارَهم حول العالمِ تتُأثّرَ بالتفاؤلَ المستوطنِ بشدّة في المجتمعِ الأمريكيِ.

وبالرغم من أن هناك تنويع لاهوتي كبير ضمن هذه المجموعةِ، وهو عُموماً قد ظهر مِن قِبل "كالفينية الناعمة" في القرن السادس عشرَ الديني من قبل الهولنديَ (يعقوب ارمينيوس) Jacobus Arminius  والذي يَعتبرُ من دعاة إلانجليز مثل جون ويزلي ( الذي واصلَ تقليدِ التقوى الألمانيةِ )، الا انه في الولايات المتّحدةِ، كانت تجربة اليقظة في القرن الثامن عشرِ والإحياءِ الدينيِ العظيم اللاحقِ سببا في ان تكون الطائفةَ الإنجيليةَ هي القياديةَ في الولايات المتّحدةِ وهي الطائفةُ البروتستانتيةُ الأكبرُ في البلادِ.

ويضم المؤتمر المعمداني الوطني ِفي الولايات المتّحدة الامريكية أكثر مِنْ 16.3 مليون عضو، والتي هي عبارة عن عدد من الكنائس المجتمعة في المؤتمر المعمداني الوطني الأمريكي، وهي تتالف من الطوائفَ الإنجيليةَ القادمةَ من الكنائسَ الأمريكيةَ الأفريقيةَ وهي الأكبرَ، ومن المؤتمر المعمداني الجنوبيُ الذي يُبلغُ عدد اعضائه حوالي 5 مليون عضو. ومن الكنيسة الأفريقية الامريكية مَع 5.5 مليون عضو، وهذه الطائفةُ هي الأكبر في البلادِ، عدا الجمعيات التي تحت سيطرتها والتي لَها اتباع بنحو 2.7 مليون عضو، وكذلك المجمع الكنسي وهي كنيسة ميسوري اللوثرية، والتي لها 2.5 مليون عضو، وتعد ثاني أكبر طائفةِ من البيض الإنجيلين.

والانجليكان ألبيض مثلهم مثل الأصوليين، حيث يتواجِدونُ في أغلب الأحيان في التجمعاتِ المستقلةِ والطوائفِ الصغيرةِ. او ما تسمّى بمنظماتِPara church، او حملة الحرم الجامعي الصليبيةِ للسيد المسيح، او مراقبوا الوعدَ، اومترجموا التوراةِ او جماعة Wycliffe، او يَستبدلُ في أغلب الأحيان أَو يُكملَ في تراكيبَ طائفيةَ تقليديةَ بين الانجيليين.

يَشْبهُ الانجليكان الأصوليين في نواحي عِدّة. فهم مثل الأصوليين, يَرْبطُون  الكثير مِنْ الأهميةِ إلى العقائدِ المذهبيةِ للمسيحيةِ، وليس فقط إلى تعاليمه  الأخلاقيةِ، ويرتبطون مع التحرريين على التأكيد بان الأخلاقِ تترجمُ إلى إعتقاد وبان ألاعمال الجيدة وإلانجاز القانونيِ الأخلاقيِ هو الطريقَ إلى الله . وان خيانة رسالةِ السيد المسيح، في رأيهم. هي سبب الذنبِ الأصليِ، ويُجادلونَ، ان إلانسانية تماماً عاجزة عن إنْجاز أيّ قانون أخلاقي مهم. وإنّ الرسالةَ الأساسيةَ للمسيحيةِ هي في أنّ الجُهودِ الإنسانيةِ تتركز في رجاءً الله بالمعاييرِ الأخلاقيةِ العاليةِ .

وعندما وَضعَ المسيحيون التحرّريونَ الأخلاقَ في قلبِ عِلْمِ لآهوتهم، فان ألاصوليين والانجليكان اتهموا التحرريين بانهم لا يَعْرفونَ ماهية المسيحيةَ وما تَعْني حقاً.

والانجليكان مثل الأصوليين أيضاً يَرْبطُون أهمية كبيرة بالإختلافِ بين أولئك الذين يؤمنون "بالمخلص" وأولئك الذين لَيسوا كذلك. ، ويَعتقدونَ بأنّ البشرِ الذي يَمُوتُ بدون الايمان بعودة المسيح  المخلص فسيدان بالإفتراقِ الأبديِ مِنْ الله.

والانجليكان يلتقون مع ذي النظرة الأصولية حول نهاية العالمِ. ويَعتقدُ عملياً كُلّ الانجليكان بأنّ النبوءاتَ التوراتيةَ سَتُنجزُ في نهاية الزمان، وتَتّفقُ ألاغلبيةُ منهم مع ألاصوليين على قصة المعركة المشهورة بمعركة "هرمجدون" وهو الإعتقاد الذي سَيسْبقُ عودة السيد المسيح ليحكم الارض ويخلص المؤمنون, وفي النهاية فان كُلّ الجُهود الإنسانية لبِناء عالم سلمي مبني على مبادئ بشرية سَيَفْشلُ.

وليس من المفاجئ ان تعطي هذه التشابهاتِ بين الفريقين التباسا بين العديد مِنْ المراقبين والذين يَمِيلونَ إلى التَشويش وعدم التفريق بين الانجليكان وألاصوليين. ورغم ذلك فان هناك إختلافات مهمة بين الأصوليين وبين رؤى الإنجيلية العالمية. فالانجليكان يَمِيلُون الى التَصَرُّف تحت تأثير شكل معين مِنْ الكالفينيةِ من قضية صلب السيد المسيح على الصليبِ، والانجيلي ألامريكي عِنْدَهُ نظرة أقل تفاؤلا. فهم يَعتقدونَ بأنّ من منافعَ الايمان هي الاعتقاد في ان يَعطي الله كُلّ شخص نعمة كافية سَتَكُونُ قادرة على إخْتياَر خلاصه. والمذهب الكالفيني الحازم يُقسّمُ إلانسانية إلى معسكرين يشتركِ إلى حدٍّ ما. في وجهةِ النظر الإنجيليةِ السائدةِ، التي هي ان الله يَحبُّ كُلّ روح، وانه يُحْزَنُ بشكل لا يوصف حينما يفقد احد روحه، ووانه يُريدُ بسرعة أَنْ يُنقذَهم كُلهمّ.

ويُعزّزُ الانجليكان رسالة المسؤوليةِ المسيحيةِ بشكل ثابت إلى العالمِ. والانجيلي مفتوح في أغلب الأحيان إلى التعاون إلاجتماعي مَع غيرِ المؤمنين في المشاريعِ لتَحسين الرفاهيةِ الإنسانيةِ، بالرغم من أنَّ انهم يُواصلون إلاعتِقاد بأنّ أولئك الذين هم مرفوضِون من قبل السيد المسيح لا يُمْكن لهم من التُوحّدَ مَع الله بعد الموتِ.

والانجيليون يُمكنُ أَنْ يَتوقّعواَ صَدمة في الإنتخاباتِ الأخيرةِ ذلك لأنّ أغلبية كبيرة مِنْ الأمريكان تَرْفضُ نظريةَ التطور الدارونيةِ وهناك مثقّفين وصحفيين في الولايات المتّحدةِ هَيّؤوا أنفسهم لهجومِ شاملِ على العِلْمِ الدارونيِ. فقد رَفضَ الرأي العام الأمريكي الدارونيةَ لمدة طويلة، كما في الولاياتِ مثل ألاباما، ميسيسيبي، وكارولينا الجنوبية، والتي لديها سكانُ مسيحيونُ اصوليون بامتياز، ورغم استمرار الجامعاتُ الرسمية بتَعليم عِلْمِ الفلك، وعِلْم الوراثة، وعِلْم طبقات ألارض، وعلم الدراسات القديمة  الا انها مع ذلك لا يوجد ما يعارضها بالنسبة الى الكوزمولوجيا الدينيةِ.

حيث ان عملية الثقافةِ الأمريكيةِ لا زالت تَندمجُ مع فريقِ من المعادين للثقافة المفتوحة والغير ملتزمة بوجهات النظر المسيحية المتزمتة وربماِ هذا ما يخلق نوع من مستوى لايُطاقَ مِنْ التنافرِ الإدراكيِ. حيث انه في القرن السابع عشرِ، عارضتْ هارفارد البيوريتانية ، لكن أمريكا الإنجيلية اليوم راضيةُ بشكل كبير لتَرْك التناقضاتِ بين تأريخِ الأحداث التوراتيِ والجناحِ المتحجّرِ القياسيِ من المسيحية عالقِا.

ويبدو ان الانجيليكان اليوم اكثر تفاؤلاً مِنْ الأصوليين حول فرصِ التقدّمِ الأخلاقيِ. وألاقلية بينهم[1] تَعتقدُ بِأَنَّ هذه العمليةِ يُمْكِنُ أَنْ تَستمرَّ حتى يَصلْ المجتمع الإنساني الى حالة من القدسيةِ وان التقدّم الديني للأفرادِ والمجتمعاتِ يُمْكِنُ أَنْ يَتتوّجا في مؤسسةِ مملكية سلمية خلال عملية التحسينِ التدريجيِ, وهذه هي وجهة نظر التأريخِ المتوافقةِ جداً بتفاؤلِ المسيحيين التحرّريينِ.

 

كذلك فان الانجيليكان والمسيحيين التحرّريبن عِنْدَهُما إشتركا بالعديد مِنْ الجُهودِ المشتركةِ في كلا من التحسين الأخلاقي المحلي والدولي عبر التأريخ الأمريكي بأكمله. بالرغم من أن الأغلبيةِ قَبْلَ الألفيةِ كانت متفائلة بشكل أقل بشأن النجاحِ النهائيِ في مثل هذه الجُهودِ، والأمريكي الانجليكاني في أغلب الأحيان متفائل بشأن الفرصِ القصيرة الأمدِ للتحسينِ الإنسانيِ.

 

الا ان كُلّ المسيحيين الصليبيين، سواء كانوا أصوليين، ام تحرريين، أَو إنجيليين، يَعترفُون على الأقل رسمياً بالمسؤوليةَ لرؤية الحبِّ والشفقةِ عند كُلّ شخصِ مسيحي، وان روح المسيحية هي المساعدة في اعطاء المحتاجينَ، وان اساس اهداف الإنجيلِ هو في جْلبَ الأرواح التائهةَ إلى السيد المسيح والمساعدة على إنْجاز الخطةِ القدسيةِ.

 

في العقود الأخيرة شَهدَ تغييراتَ بالغة الأهميةَ في ميزان القوَّةِ الدينيةِ في الولايات المتّحدةِ الامريكية. فعضوية التحرريين، والكنائس البروتستانتية الرئيسية المهيمنة من الناحية التاريخية بَلغتْ الذروة من السيطرة في الغالب في الستّيناتِ. ومنذ ذلك الحين، وبينما عدد المسيحيين الأمريكانِ كان ينمو بشكل مطرد، الا ان العضوية في هذه الطوائفِ الرئيسيةِ سَقطتْ بحدّة. فطبقاً للمسيحيةِ اليوم، بين 1960 و2003، فان العضوية في الطوائفِ الرئيسيةِ هَبطتْ بنسبة أكثر مِنْ 24% ومِنْ 29 مليون إلى 22 مليون عصو. وهذا الهبوط في حصةِ العضوية كَانَ مثيرا لدرجة أكبر. ففي 1960، كان أكثر مِنْ 25% كُلّ أعضاء المجموعاتِ الدينيةِ في الولايات المتّحدةِ قد عادوا إلى الطوائفِ البروتستانتيةِ الرئيسيةِ القياديةِ السبع؛ اما بحلول عام 2003، سَقطَ هذا الرقمِ إلى 15 %. وتذْكرُ مراكزَ الابحاث بأنّ 59 % مِنْ البروتستانتيين الأمريكانِ والذين عرّفَوا أنفسهم كبروتستانتيين ملتزمين في 1988؛ سَقطتْ تلك النسبة المئويةِ إلى 46 % بحلول عام 2002 ­3،.وفي نفس الفترة، كانت قد ارتفعت النسبة المئوية مِنْ البروتستانتيين التي عرّفتْ نفسها بانها من الطائفة الإنجيليةِ مِنْ 41 % إلى 54 %.

 

كذلك في 1965 كان هناك 3.6 مليون أسقفي في الولايات المتّحدةِ ويشكلون 1.9 % من مجموع السكانِ الكليِّ. اما بحلول الـ2005، كان هناك فقط 2.3 مليون أسقفي يشكلون 0.8 % من نسبة السكانِ. واما العضوية في الكنيسةِ الميثودية المتّحدةِ فانها سَقطتْ مِنْ 11 مليون في 1965 إلى 8.2 مليون في 2005. وفي نفس الفترة، كانت الكنيسةِ المشيخية في (الولايات المتّحدة. ) قد سقط ايضا اعدادها مِنْ 3.2 مليون إلى 2.4 مليون، بينما رَأتْ الكنيسةَ المتّحدةَ للسيد المسيح ان عضويتها قد هبطت ايضا الى ً 50 % تقريبا.

 

في هذه الأثناء، وعلى الرغم مِنْ بَعْض إشاراتِ إلابْطاء في النمو لهذه المؤسسات بعد 2001، الا ان المؤتمر المعمداني الجنوبيَ رغم ذلك اصبح الطائفة البروتستانتية الاكبر في الولايات المتحدة الامريكية. حيث نما هذا المؤتمر بين عامي 1960 و 2003 بشكل كبير وعميق بحيث احدثوا تأثيرا حول الإتّجاهاتِ التي تدير السياسةِ الوطنيةِ بشكل عام، فبينما كان هذا المؤتمر يضم في 1960 اكثر من 2 مليون الا انه بحلول 2003، كَسبَ أكثر مِنْ 7 مليون عضو وبذلك اصبحوا الطائفةَ البروتستانتيةَ الأكبرَ في الأمةَ الامريكية واصبح هناك ميثودي مِنْ المعمدانِ الجنوبيِ في الولايات المتّحدةِ؛ أكثرَ مِنْ أعضاء الميثوديين، من المشيخيين، وألاسقفيين، وكان اكثر من فقد من اعضائها هي الكنيسةَ المتّحدةَ للسيد المسيح.

 

 ودعم الانجليكاني الملتزم جورج دبليو بوش وبلغ تصويته الكلي ما يقارب نسبة 40% في 2004. ومن بين الانجليكان البيض صوت لبوش اكثر مِنْ 68% من الاصواتِ الوطنيِة للطائفة الانجليكانية في عام  2000 , وفي عام 2004 صوت له اكثر من 78 %. من الانجيليين الأمريكيين ذوي الاصل الأفريقيِ, ورَكز بوش بشكل أقوى بكثير حول الأقليةِ البروتستانتيةِ المُتزايدةِ مِنْ الكاثوليك؛ وعلى العموم كان البروتستانتيون الهسبان والكاثوليك الهسبان الملتزمون دينياً يدَعْمون بوش بشكل كبير ومؤكد.

 

وقد لعبُ الانجليكان أيضاً دورا رئيسيا في الكونجرسِ وإنتخاباتِ مجلس الشيوخِ ، وكان لعدد منهم دورا مُمَيَّزا وبشكل مستقل في الكونجرسِ وزادَوا مِنْ عضويتهم فيه من 10 % في 1970 إلى أكثر مِنْ 25 %  في 2004.

 


اما الأصوليون، فعلى الرغم مِنْ بَعْض الزيادةِ في أعدادِهم ورؤيتِهم السياسيةِ، فانهم سيَبْقون ألاقل تاثيرا. فالسياسة الدينية في الولايات المتّحدةَ اصبحت سياسة تَحَالُفِ اكثر من عِلْم لآهوت أصولي، وهم بذلك منقسمين اما كونهم من ألاصوليين الغير متوافقين بين إنسحاب متجهّم مِنْ عالم مَلْعُون وبين محاولة طموحة لبِناء كومنولث بيوريتاني جديد في الولايات المتحدة الامريكية. ورغم ذلك يَبْقى العديد مِنْ الانجليكان مقاوماً إلى المواقفِ الأصوليةِ ليس على اساس سياسي فحسب وانما على اساس لاهوتي ديني ايضا[2].

 

ان التأثير المُتزايد للانجليكان اليوم داخل المجتمع الامريكي قد أَثّرَ على السياسة الخارجية الأمريكيةِ بعِدّة طرق حول نظرتهم الى إلانسانيةِ وسياساتِ حقوقِ إنسان وسواها؛ فالسلطة السياسية إلانجيلية لا تَقُودُ الولايات المتّحدةَ في إتّجاه جديد فحسب بل انها تُعدّلُ تلك الأولوياتَ والطرقَ في السياسة الخارجية, وبذلك استعادت مكانتها المسيطرة على تلك السياسة.

 

 حيث كانت القيادة إلانجيلية هي القوةَ المهيمنةَ في الثقافةِ الأمريكيةِ مُعظم القرن التاسع عشرِ والسَنَواتِ الأولى مِنْ القرن العشرينِ. ولكن تغييرَ البلادَ في التوجيهِ خلال تلك السَنَوات جعلهم يتخلون عن هذا الامتياز. اما اليوم فان هذه القيادة استعادت دورها الرئيسي في السياسة الخارجية, فهي تَزِيد الدعمَ العامَّ للمساعدة الخارجية والدفاع عن حقوقِ الإنسان.

 

والانجليكان في العالمِ الإنجليزي الأمريكيِ يرون انفسهم انهم دَعمواَ إلانسانية لمدة طويلة ووضعوا سياساتَ حقوقِ إلانسان على قاعدة عالمية. فالحركة المضادة للعبودية البريطانية، على سبيل المثال، كَانَ تحت قيادة إنجيليةِ، فوليام ويلبيرفورس كَانْ من الانجليكان المؤيدين لحركاتِ التحريرِ الوطنيةِ في القرن التاسع عشرِ وهو قائد لتلك الحركة . كذلك فان ألاقلّيات المسيحية في أغلب الأحيان التي كانت تُريدُ الإنفصال عن الحكم العُثماني قد ساندها الانجيلي بشكل مباشر. وهم قد قادَوا عدد مِنْ حملاتِ الإصلاحِ في البلاد الاسلامية، وكذلك كانوا اول الداعين في أغلب الأحيان الى المساواة بين الجنسينِ: وضدّ (تضحية الأراملِ) في الهند، وضدّ (تغليف القدم)ِ في الصين، والمساندين للتعليمِ النسائيِ في كافة أنحاء العالمِ الناميِ، وهم كانوا ضدّ التهريب والمتاجرة الجنسيةِ للبشر في كل مكان. وكَانَ لهم أيضاً اهتمام بالقضايا التي تَتعلّقُ بأفريقيا.

 

وحينما عادَ الانجليكان مؤخراً إلى موقع القوَّةِ في السياسة الأمريكيةِ، فانهم دَعموا ألاسبابَ المماثلةَ وأعطوا قوة ودعمَ الى بوش اضافة إلى الجُهودِ الإنسانيةِ الأمريكيةِ ، وعلى الرغم مِنْ هذه المبادراتِ الحكوميةِ كان الانجليكاني ولاسباب ثقافيةِ بالإضافة إلى الأسبابِ اللاهوتيةِ، في أغلب الأحيان مرتاب من مسالة دعم الدولةِ والمؤسساتِ المتعددة الأطرافِ. وهو يُفضّلَ تاسيس قواعد ومنظماتَ أساسهاَ إلايمانَ. بشكل عام , حيث يدْعمَ الانجليكان تلك الجُهودَ لمُعَالَجَة مشاكلِ معيّنةِ، مع بقائهم شكّاكين حول التصاميمِ الكبيرةِ والجُهودِ التطويرِية الواسعة النطاقِ.

 

اما السياسة ألامريكية نحو إسرائيل فهي مسالة اخرى تبين اوجه التأثيرُ المتزايدُ للانجليكان. ففي مسألةِ إسرائيل فان القوَّةً إلانجيليةً تزيد في تعميّقْ الدعم ألامريكي للدولة اليهوديةِ، بينما المؤسسة المسيحية التحرّرية كانت قد أبعدتْ نفسها عنْ القدس. وهذا الارتباط الذي يربطه تأريخ طويل من العلاقة حيث تعتبر الصهيونية البروتستانتية ألامريكية هي ألاقدمُ مِنْ النسخةِ اليهوديةِ الحديثةِ؛ ففي القرن التاسع عشرِ , كان الانجليكان ألامريكان مسؤولين ومُلتَمَسين ومن دعاة تَأسيس مأوى في الأرضِ المقدّسةِ لليهود المُضطَهَدينِ في أوروبا والإمبراطورية العُثمانية.

 

وعِلْم اللآهوت الإنجيلي الأمريكي يَأْخذُ وجهة نظر فريدة في دورِ الشعب اليهودي في العالمِ الحديثِ. فالانجليكان يَشتركونُ في وجهةِ النظر المسيحيةِ الواسعة الإنتشارِ التي ترى بان المسيحيين يُمثّلونَ الجيل الجديد والحقيقي لإسرائيل، وهم ورثة وعودِ الله إلى الاحبار القدماء. ورغم ذلك وعلى خلاف العديد مِنْ المسيحيين الآخرينِ , فالانجليكان يَعتقدُون أيضاً بأنّ الشعب اليهودي لَهُ رسالة في ان يُواصلُ دوراً في خطةِ الله.

 

في القرنينِ السابع عشر والثامن عَشَر، أقنعتْ دراسةَ قَريبةَ مِنْ النبوءاتِ التوراتيةِ العلماءِ والمؤمنين إلانجيليينِ بأنَّ اليهود سيَعُودونَ إلى الأرضِ المقدّسةِ قبل العودةِ المنتصرةِ للسيد المسيح. وستجلب تلك السَنَوات الصاخبة قبل عودةِ السيد المسيح العديد مِنْ اليهود إلى السيد المسيح، ويَعتقدُ الكثيرَ من الانجليكان بأنّ أكثر اليهود سَيُواصلونَ رَفْضه ومحاربته. ولكن سيُخفّضُ هذه التَوَتّراتَ المحتملةَ الإعتقادِ بشكل ملحوظ العلاقة بين الانجليكان واليهود، ومنذ ان توقع مارتن لوثر الانجليكاني ان يعود اليهود مرة اخرى إلى الإيمانِ الحقيقيِ، وان اليهود سَيُحوّلونَ بأعداد كبيرة الى النصرانية, فان تلك الاراء اثارت غضب لم يتوقعه لوثر واتهم بانه ذا عداءً للساميَّة الامر الذي كونه لن يَحْدثُ مَع الانجليكاني المُعاصر.

 

ويَجِدُ الانجليكان الوجود المستمر للشعب اليهودي بانه سَيَكُونُ حجّة قوية لوجودِ الله ولقوَّتِه في التأريخِ. فكتاب التكوينِ يَتعلّقُ بالذي أخبرَ الله به إبراهيم، "وأنا سَأَصْنعُ منك أمة عظيمة، وأنا سَأُباركُك. . . . وأنا سَأُباركُهم الذي يُباركونَك، وأَلْعنُ الذي تلعنه أنت: وفيك كُلّ عوائل الأرضِ تَكُونُ موهوبةً" . فالانجليكاني يعتقد بان الحقيقة هي أنّ الشعب اليهودي بَقى خلال الألفياتِ الثلاث وبأنّهم عادوا إلى بلدهم القديمِ الذي وهبهم اياه الله، وان التوراة مُلهَمةُ حقيقيةُ وتصحيحيُة، وان الدين المسيحي حقيقيُ. ويَعتقدُ الكثيرَ بأنّ وعدَ التكوينِ ما زالَ راسخا وان الله وإبراهيم سَيُباركُان الولايات المتّحدةَ بشكل كامل إذا باركُت الولايات المتّحدةَ إسرائيل. ويَرونَ في الضعفِ، والهزائم، والفاقة الدليلِ الكافيِ لحال العالم العربيِ الذي لعنه الله "فالله يَلْعنُ أولئك الذين تلعنه إسرائيل".

 

اما نقد إسرائيل اوالولايات المتّحدةِ فاستنادا لوثائق الانجليكان فانها غير ذات جدوى او تأثّير. وما يَقوّي إتهامَهم ورايهم في ذلك بان الذي يَكْرهُ العالمَ هو من يكره إسرائيل لأن "الرجل السَاقِط" يَكْرهُ الله طبيعياً و" وشعبه المُختَاَر." واما الوَقوْف بجانب إسرائيل فيعتبره الانجليكان بشكل حازم إِنَّهُمْ يَقِفونَ بجانب الله وهذا الشيء يعطيهم الدافع والمبررات للاستعداد بالوقوف ضدّ العالم بأكملهِ.

 

 فهذا جون هاجي  Hagee  وهو قَسّ إنجيلي كبير ورئيس مجمع يبلغ عدد أعضاؤه 18,000 في سان انطونيو- تكساس- ومُؤلف عِدّة مُقالات في النيويورك تايمزِ, يَكْتبُ إذا تحرّكتُ إيران لمُهَاجَمَة إسرائيل، فانه يجب على ألامريكان أنْ يُهيّئوا " لوَقُّف هذا العدو الشريّرِ في مساراتِه" ضد  "سياسة الله"  نحو الشعب اليهودي ويَكْتبُ ايضا انه يُوْجَدُ في سفر التكوينِ 12:3, "وهو يَستمرُّ في إقتِباس الكلمات حول البركاتِ واللعناتِ. ان " أمريكا في تقاطعِ طرق"  ويُحذّرُ "هَلْ نَعتقدُ ونَطِيعُ كلمةَ الله فيما تَتعلّقُ بإسرائيل، أَم سَنُواصلُ المُرَاوَغَة والتَعَاطُف مَع أعداء إسرائيل؟ .

 

ان عودة اليهود إلى الأرضِ المقدّسةِ، وإنتصاراتهم الإستثنائية على الجيوشِ العربيةِ الأكبرِ، وحتى المدّ المتصاعد مِنْ الكراهيةِ في الخارج الذي يهدّدُ اليهود في إسرائيل سيَقوّي لَيسَ فقط الإلتزامَ الإنجيليَ بالنسبة الى إسرائيل وانما  سيحتم الوقوف الى جانب اسرائيل أيضاً وهذا الامر بالتاكيد سيتطور بحسب موقعَ الدينِ الإنجيليِ في الحياةِ الأمريكيةِ.

 

فقصّة اليهودِ الحديثِ تَقْرأُ اليوم مثل حْجزُ التوراةَ. وإنّ المحرقةَ تشبه الجُهودِ الإباديةِ لفرعونِ وهامان في كتابِ النزوح الجماعي وفي كتابِ إسترا؛ والمؤسسات التابعة للدولة اليهودية تُذكّرُ باستمرار بان الإنتصاراتِ العديدة التي تحققت هي مماثلةِ لنجاةِ اليهود في الكتب العبريةِ المقدّسةِ.

 

 إنّ الأحداثَ الإستثنائيةَ للتأريخِ اليهوديِ الحديثِ تتخذ مِن قِبل الانجليكان كبرهان بالذي يفعله الله ويَتصرّفُ به في التأريخِ. أضفْ إلى ذلك النتائجِ النفسيةِ للأسلحةِ النوويةِ والكيمياوية واسلحة الدمار الشامل، والكثير من الانجليكان يشعرون بشُعُور بأنّهم يَعِيشونَ في عالم مثل عالمِ التوراةِ. وتلك السياسة الخارجية الأمريكيةِ تتُمركزُ الآن على الدفاع عن البلادِ ضدّ تهديدِ الإرهابِ الجماعيِ والذي يتضمّنُ، فعلاً، أسلحة الرعبِ الإيحائيِ والتي إستخدمتْ مِن قِبل المتعصّبين المعادينِ للمسيحية والذين قد يَشْنّونَ حرب دينية مَدفوعة بكراهيةِ إسرائيل وتُعزّزُ إدّعاءاتَ الدينِ الإنجيليِ.

 


اما المسيحيون التحرّريون في الولايات المتّحدةِ فقد دَعموا الصهيونيةَ أيضاً تقليدياً، لكن مِنْ منظور مختلف. فالمسيحيين التحرّريينِ، يعتبرون اليهود شعب مثل أيّ شعب آخر، ودَعمَ المسيحيون التحرّريونَ الصهيونيةً بالطّريقة نفسها مثلما أنّهم دَعموا الحركاتَ الوطنيةَ للمجموعاتِ المُضطهدةِ الأخرى في العقود الأخيرة، وكذلك قدم المسيحيون التحرّريونَ على نحو متزايد التَعَاطُف مع الحركةِ الوطنيةِ الفلسطينيّةِ وعلى نفس القاعدةِ. ففي 2004 عَبرتْ الكنيسة المشيخية عن قرار يَدْعو إلى بيعِ محدوودِ مِنْ الشركاتِ التي تُتاجرُ مع إسرائيل[3]. فقد وَجدتْ دراسةُ واحدة ان 37 % مِنْ البياناتِ المتعلقة بالكنائسِ البروتستانتيةِ الرئيسيةِ حول إنتهاكات حقوق الإنسانِ بين عامي 2000 2004 قد ركّزتْ على إسرائيل. وانه لا توجد بلادَ أخرى في العالم جاءتْ في مثل هذا النقدِ المتكرّرِ.

 

اما المؤمنون بنظرية المؤامرة والعلماء والصحفيون العلمانيون في الولايات المتّحدةِ فانهم نَظروا إلى مؤامرة يهودية، وإلى ان "اللوبي اليهودي" يتحكم في حجم الدعم الأمريكي لإسرائيل وانه يُمْكِنُ أَنْ يَنْموَ بينما التعاطفَ مع اسرائيل يَتضاءلُ بين اوساط المؤسسةَ الدينيةَ والثقافيةَ.

 

وهنا يَكْمنُ أفضل جوابُ في ديناميكا الدينِ الأمريكيِ. وهي ان الانجليكان يَكْسبُون نفوذا إجتماعيا وسلطات سياسيةَ، بينما المسيحيين التحرّريين والمثقّفين العلمانيين يَفْقدانِه. وهذا ما لا يَجِبُ أَنْ يَكُون اليهود مُلامون عليه.

 

ان اللحظة الإنجيلية الحالية في الولايات المتّحدةِ لحدّ الآن لَمْ تَجْري مجراها. فالعلمانيون والتحرريون في الولايات المتّحدةِ وفي الخارج، اسكتُوا فرصةً التفاؤل المدروس للانجيليين، كذلك فان الدين في الولايات المتّحدةِ تعدّدي جداً ولا يوجد أيّ تيار ديني وحيد قادر على السَيْطَرَة على الحضور المُتزايد والتأثير على الجالياتِ غير المسيحيةِ في البلادِ مِنْ اليهود، والمسلمين، والبوذيين, والهنودس، وقبل كل شيء, العلمانيون الذين سَيُواصلُون تَحديد قدرةِ أيّ مجموعة دينية لفَرْض قِيَمِه في جميع الجهات.

 

اما التحرريون، سواء من الدينيين أَو غيرهم فانهم يُريدونُ مُعَارَضَة الجزء الأكبر من جدولِ الأعمال الإنجيليِ في السياسات الداخليةِ. وبينما تَكْسبُ المؤسسةَ الإنجيليةَ المتصاعدةَ تجربةً في السياسة الخارجيةِ، فسيكون من المحتمل أَنْ يُثبتَ شيء ثمين وإنْ لمْ يكن من سهل دائماً البحث عن شريك للمؤسسةِ المسيحيةِ العلمانيةِ أَو التحرّريةِ في الغالب.

 

وهناك بَعْض المخاوفِ حول التأثيرِ الإنجيليِ المفتوح في السياسة الخارجيةِ الامريكية. فبعد هجماتِ 11 أيلولِ، كانت هناك مخاوف بأنَّ المسيحيين إلانجيليين سيطْالبونُ بالجهاد مقدّس ضدّ الإسلامِ وبشكل واسع الإنتشار. وكان هناك بضعة زعماء دينيين بارزين من ألاصوليين، ومن الانجليكان قد قدموا اراء متطرفة حول ذلك الامر كأشارتهمَ إلى النبي محمد – صلى الله عليه وسلم - بانه " إرهابي" لَكنَّهم وُبّخَوا على نحو واسع مِن قِبل باقي الانجليكان.

 

ان الانجيلي الأمريكي يَتمسّكَ بإيمانِه الشخصيِ القويِ وهويتِه المسيحيةِ البروتستانتيةِ بشكل عام وبينما هم يعملون مَع الناسِ عبر خطوطِ إعترافيةِ محدودة. فالانجليكان يعَملونَ مَع الكاثوليك ضدّ الإجهاضِ ومَع كلا من اليهود الدينيين والعلمانيين لدَعْم إسرائيل؛ وهم يُمْكِنُ لهم أَنْ يَمْدّوا اليدّ إلى المسلمين الآن وان كان من غير المحتمل فعل ذلك الا في اطار المصالح المشتركة. ومع ذلك، فان المستشفيات والمَدارِس التبشيرية كَانتا على إتصالَ مباشر مع أكثر الشرق الأوسطيين الذين كَانَوا يقيمون في الولايات المتّحدةِ حتى نهاية الحرب العالمية الثانيةِ.

 

 وقد أدارَ الانجليكان أكثر مِنْ قرن من العلاقاتِ التعاونيةِ عموماً مَع المسلمين في كافة أنحاء العالمِ العربيِ. والمسلمون والانجليكان قلقين بشأن الفاقةِ العالميةِ في العالم النامي. وتُعارضُ كلتا الديانتين المجموعات المهيمنة الحديثةِ العامّةِ والدوليِة الحاملة للأفكارِ العلمانيةِ. وكلاهما يَعتقدُان بأنّ الشخصيَّات والقِيَمِ الدينيةِ يَجِبُ أَنْ تُعالجا بِإحترام في أجهزةِ الإعلام؛ وان كلا من الإسلام والأنجليكانية أديانَ "ديمقراطيةَ" بدون كهانة أَو تدرج. وان المسلمين والانجليكان لَنْ يَتّفقوا على كُلّ شيءِ، وان العلمانيون قَدْ لا يَحْبّونَ البعض مِنْ الإتفاقياتِ التي يَصِلونَ اليها. ولكن يَتبنّى حوارَ إسلاميَ إنجيليَ قَدْ يَكُون أحد أفضل الطرقِ لإحْباط تهديدِ الحربِ الحضاريةِ.

 

وعلى الدارسين والباحثين أَنْ يَتذكّرواَ بأنّ عِلْمِ اللآهوت الإنجيليِ لاينتجُ سياسة خارجية عامة وان أي عملية من المُناقشةِ والإسكانِ المتبادلِ يُمْكِنُ في العديد مِنْ الحالاتِ تُضيّقُ الثغرةَ بين الانجليكان وآلاخرين على تشكيلة واسعة من القضايا. وان القلق من أنّ السياسةَ إلانجيليةَ سَتُساعدُ على الزام الولايات المتّحدةِ إلى المواقعِ المتطرّفةِ غير صحيح؛ وان العَمَل مَع الزعماءِ الإنجيليينِ المنفتحين لتَطوير نظرةَ بشكل لاهوتي إلى الحقوقِ الفلسطينيّةِ، على سبيل المثال، سَيُوسّعُ القاعدةَ المدروسة ِللسياسات الأمريكية وهي بكل الاحوال ليست موجهه أَبَداً ضِدُّ إسرائيل .

 

وبنفس الطريقة، يَعملُ الانجليكان في مُناقشاتِ السياسة الخارجيةِ الأوسعِ وانها يُمْكِنُ أَنْ تؤدّي إلى مُفَاْجَئة وتَطَوّرات مُشَجِّعة بالنسبة الى أي مجموعة من المحافظِين البارزينِ.

 

ومن المحتمل أَنْ يُركّزَ الانجليكان أكثر على التوسعية الامريكية في العالم أكثر مما يوَدُّ التحرريون الذين يركزون اهتمامهم بشكل أكثر حول المبادىء الأخلاقيةِ للسياسة الخارجية ألامريكيةِ وحتى اكثر مما يفضل الواقعيونَ. لكن القوَّةَ الإنجيليةَ ستَبْقى متميزة ومسيطرة على الاقل بالنسبة الى المستقبلِ المنظورِ، وذلك ماسيشكل قلقا بشأن السياسة الخارجية الأمريكيةِ.

 

وبينما يَكتسبُ الزعماءَ إلانجيليون خبرةً أكثرَ وبصورة مباشرةً في السياسة الخارجيةِ، الا انه يبرز عامل حاسم ومباشر يَفتقرُ به إلى الآن في عالمِ السياسة الخارجية الأمريكيةِ: فهناك الموقف السياسي والعسكري في العراق والفشل الذي لازم السياسات المتعاقبة الامريكية فيه منذ بداية الغزو الامريكي في نيسان 2003 والذي تعامل معه شيوخ وخبراء ومنظروا السياسة الامريكية بشكل مباشر ولم يستطيعوا لحد اليوم من ايجاد المخرج الديني والسياسي المشرف له بالنسبة لسمعة امريكيا ومستقبل استمرارية التوسع الامريكي في العالم او في حل الفروق الدقيقةِ ومعضلاتِ الموقف الدولي الناتج عن ذلك الفشل او حتى الهزيمة، وبذلك فهم غير قادرين على إقْناع الأعداد الكبيرةِ مِنْ ألامريكان لتَأييد السياساتِ المعقّدةِ والغير متوقّعةِ والتي هي ضرورية أحياناً في هذا العالم "الشرّير"ِ والملئ بالإحْباط....

 
                                

For more question or explanation stay with  the web site, www.nasr-i.org

 

Or call:  Info@nasr-i.org    

 

Copyright © 2006 . All rights reserved to N A S R , Nothing in this publication may be reproduced without the permission of the publisher.

  

  
  


[1]  والتي تَعتقْدُّ بأنّ السيد المسيح سَيَعُودُ بعد ألف سنة من تاسيس السلامِ العالميِ

     

[2]   "أَعتقدُ انه أَنا كلمةَ الله " من كلمة القسَّ فرانك باج ، الرئيس الجديد للمؤتمر المعمداني الجنوبيِ، بعد إنتخابِه في حزيرانِ 2006.

      

[3]  هذا القرار أُبطل جوهرياً في 2006 بعد معركة مرّة في اروقة الكنيسة المشيخية.

    

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.