محمد رشيد
5 /9 /2007
[ الاقتباسات مأخوذة من مجلة نيوزويك العدد 378 – كتيبة العباقرة ]
وضع بترايوس القائد العام لقوات التحالف الدولي في العراق كتيب حول كافحة التمرد " المقاومة " في العراق سماه :
/Marine Camps Counterinsurgency Field Manual ( FM 4-33) The US Army
( الجيش الامريكي / مشاة البحرية الأمريكي الميداني لمكافحة التمرد ) والذي اعتبره الركيزة التي ستنظم على أساسها زيادة عدد الجنود الأمريكان في هذه السنة داخل العراق .
وتتطرق هذه الدراسة الى الاستراتيجية العسكرية التي يفترض اتباعها في العراق والتي تقوم بالدرجة الأساس على " دعم الحكومة الحالية والتي تتمتع بشرعية واسعة النطاق " ( حسب الكتيب ) ضد التهديدات التي تواجهها وأعتقد أن الشرعية الواسعة النطاق التي تفهمها الادارة الأمريكية في العراق ومنها الادارة العسكرية بقيادة بترايوس هي " الشرعية السياسية " المتمثلة بالائتلاف العراقي والتحالف الكردي بغض النظر عن " الشرعية الشعبية أو الوطنية " وعن مدى قبول وتجاوب الشعب العراقي مع تلك الحكومة ومدى نجاح تلك الحكومة في تحقيق المتطلبات والحاجات الأساسية للشعب العراقي وهذا ما جعل تلك الاستراتيجية تواجه الفشل لأنه في النهاية يدعم حكومة مكتوب لها الفشل لعدة أسباب " تركيبها و طائفيتها واختراقها و فسادها " لذا تقول " سارة سيوول " مديرة مركز كار لحقوق الانسان في جامعة هارفارد والتي عملت مع " بترايوس " لأعداد هذا الكتيب " لم تعد الحرب قابلة للخوض في رأيي بحسب عقيدة مكافحة التمرد التي وضعناها " وكان لتقهقر " تنظيم القاعدة " في الأنبار بفعل عوامل كثيرة " سيتم بيانها لاحقاً " وليس بسبب أشخاص أو عشائر محدودة كما يريد الأمريكان أن يفهموه مما كان له أثره الفعال في تحجيم تواجد " القاعدة " وانسحابها من الكثير من المواقع في الأنبار والذي استثمره بعض القادة المحليين وبعض المنتفعين ليوجهوا ضربات الى جسم القاعدة المتعب في الأنبار ويجيروا كل هذا لصالحهم " أمام الأمريكان ليحصلوا على التأييد والدعم المطلوب منهم "
فكان لهذا النجاح تأثيره الحاسم على ( التعديل الحاسم ) في استراتجية الادارة الأمريكية في العراق والتي كانت محور افادة بترايوس أمام الكونجرس في منتصف شهر سبتمبر 2007 "
فبدلاً من ترسيخ الولاء للحكومة المركزية تركز الاستراتيجية الجديدة على ايجاد جيوب من الاستقرار على أمل أن يكون الولاء للحكومة الخطوة التالية "وفي الوقت الذي أقر فيه بترايوس " أن التقدم السياسي في بغداد بطئ جداً لكن حجته هي أن استراتيجية الأنبار واعدة بما يكفي لارجاء أي شئ ماعدا انسحابات الجنود الرمزية " راجع نيوزويك عدد 378 بعنوان– كتيبة العباقرة
فكيف يحدث هذا التغيير الدراماتيكي السريع في استراتيجية العمل ؟
" حتى ليبدو وكأن العمل في العراق ارتجالياً الى حد كبير " حسب ما يقوله الميجر جنرال في الجيش البريطاني في العراق " بول نيوتن " وهو أحد أعضاء المهمين والأساسيين في " فريق الأدمغة " الذي جمعه " بترايوس " فمن هم أهم أعضاء " فريق الأدمغة " هذا وكيف يفكرون ؟وهل نجحوا ؟ وهل سينجحون ؟
يتكون فريق الأدمغة الذي يعمل على أن يرى العراق على حقيقته كما هو وليس كما يجب ان يكون والذي يعمل بأمرة بيترايوس من :
الكولونيل بيتر منصور "47 عام " دكتوراه في التاريخ . الضابط التنفيذي .منظم اللقاءات والساعد الأيمن لبيترايوس وساعده على تشكيل الفريق .
الكولونيل " هـ . ر . مكاماستر " ( 45 عام ) دكتوراه في التاريخ وقائد شجاع في المعركة .
الكولونيل مايكل ميز ( 47 عام ) رئيس قسم الدراسات الاجتماعية في كلية ويست بوينت . دكتوراه في الاقتصاد .
الليوتاننت كولونيل " ديفيد كيلكولين " في الجيش الاسترالي ( 40 عام ) دكتوراه في الانثروبولوجيا. ويملك خبرة في مكافحة التمرد لا يضاهيها أي ضابط أمريكي في الخدمة .
الميجور جنرال في الجيش البريطاني " بول نيوتن " ( 56 عام ) له خبرة في مكافحة التمرد في ايرلندا الشمالية . كلف بالتواصل مع زعماء القبائل العراقية والمتمردين السابقين .
وكانوا بمجموعهم يميلون الى التفكير غير التقليدي ولم يعتمد " بيترايوس " على " فريق الأدمغة " لوحده بل شكل مجموعة أوسع وأكثر تنوعاً من المفكرين يتضمن [ سفير أمريكياً حالياً وأربعة أشخاص أمضوا سنوات في العمل مع سياسيين عراقيين وخبيراً اقتصادياً في وزارة الخارجية ومديراً تنفيذياً في الصناعة النفطية وأكادميين مدنيين وكولونيلات ميدانيين وأشخاص ضالعين في مجال الاستخبارات ]
ليشكل بهذا الفريق المكون من 20 عضو " فريق التقويم الاستراتيجي المشترك " الذي تولى على عاتقه وضع تقريره المقدم الى الكونجرس ."
آليات عمل الدماغ :
ورغم كل هذا يقول " بول نيوتن " [ كان عمل المجموعة في بغداد ارتجالياً الى حد كبير ] وكان جل ما يفعله " فريق الأدمغة " هو استغلال أحداث خارجة عن سيطرتهم وهم لم يخططوا بل أن أحد منهم لم يتوقع أن القبائل في الأنبار ستبدل موقفها بهذه السرعة الكبيرة ولم يظنوا أن الأمور ستكون ناجة هكذا ..!
وهم يعترفون أنه يتعذر عليهم معرفة مدى تجذر الولاءات لدى حلفاء أمريكا الجدد مما يجعلهم مترددين وخائفين . وهم يقعوا بنفس الخطأ القاتل السابق والمتكرر أذ انهم يصرون على نقلهم الى الحكومة العراقية في بغداد وهم في نفس الوقت متخوفون ومترددون من تحول أصدقاء أمريكا الجدد الى ميليشات العراق الجديد وهذه اشارة واضحة على عدم فهمهم لحقيقة الظاهرة التي حدثت في الأنبار بشكل خاص ويمكن أن تقع في أكثر من محافظة أخرى .
وهذا يؤكد أنهم يتعاملون مع الواقع السطحي للحدث دون أن تكون لهم القابلية على فهمه وتحليله والوقوف على أعماقه الحقيقية . فهل ما حدث هو ناتج لقيادة عشائرية محدودة مشكوك في ولائها تمكنت من القيام بما عجزت عنه القوات الأمريكية مسنودة بقوات الحكومة الحالية ؟ والتي دعت الادارة الأمريكية الى ممارسة ضغوطاً على المسؤولين العراقيين لانشاء لجنة لمواكبة جهود التواصل من بين أعضائها " باسمة الجادري " المستشارة المتشددة طائفياً والمقربة من المالكي .
وكل الذي ستفعله الادارة الأمريكية ان هي أصرت على زج القادة الجدد في الأنبار مع الحكومة الحالية أنها ستوسع قاعدة الفساد ولتفسح المجال لعودة القاعدة الى الأنبار ... بسبب بسيط أنهم لم يفهموا حقيقة ما جرى فان الذي حجم القاعدة وأضعفها ليس من هم في الصورة الآن فقط فأسباب فشل القاعدة هي :
وأخيراً خرج " فريق الأدمغة " وفريق " التقويم الاستراتيجي المشترك " بالنتيجة بعد ما برز معسكران:
فمن يريد سحق التمردات المختلفة في العراق ومن يعتبرون أن تلك المهمة مستحيلة وفاز المعسكر الثاني وجاء في التقرير المؤلف من 100 صفحة أنه ينبغي على القوات الأمريكية بينما تحاول " تحفيز الحكومة في بغداد أن تبحث عن زعماء محليين وتعقد صفقات معهم لتوحيدهم تحت راية مشتركة في نهاية المطاف " وبهذا أصبح شعار بترايوس المفضل " نجند محلياً وندرب محلياً وننشر محلياً "" وخير دليل على ذلك الجهود التي يبذلها لبناء قوات الشرطة المحلية بدلاً من اهدار مزيد من الموارد على الشرطة الوطنية التي تسيطر عليها المليشات الشيعية " .
وللمرة الثانية يغمض " فريق الأدمغة " وفريق " التقويم الاستراتيجي المشترك " أعينهم عن الواقع ...فكيف يمكن دعم حكومة تعتمد على حماية قوات تسيطر عليها المليشيات ولمرة أخرى تسحب القيادات المحلية الى حكومة فاشلة وفاسدة ولكنهم هذه المرة يعترفون صراحة أن التمرد " المقاومة " مستمرة والقضاء عليها مستحيل .
أسئلة الى الدماغ :
وتبقى الأسئلة تواجه" الأدمغة " :ـــ
هل أيقنت أمريكا أن الحوار مع المقاومة هو الأجدى نفعاً والأقل تضحية وهو أقصر الطرق الى الأمن والسلام ولابد من حل أمثل يجمع كل الفرقاء .
وهل أدرك الأمريكيون أن الحكومة الحالية حكومة مليشيات ولايمكن وضع كل الحلول في سلة الفشل والطائفية والارهاب والفساد ولايمكن اعتماد استراتيجية تعتمد على اغفال حقيقة مهمة أن الحكومة الحالية ليس حكومة حقيقية قادرة على تحقيق ما تصبوا اليه أمريكا أو على الأقل ما تعلن عنه من حكومة وطنية حقيقية تستطيع توفير الأمن واعادة الأعمار .
وكم سيقدم الشعب العراقي من تضحيات حتى يكتشف الأمريكيون خطأهم الجديد في العراق ... وهم ان تعاملوا مع نصف الواقع ونصف الحقيقة ولم يتوصلوا الى الحقيقة الكاملة ... ان الحل ليس في يد السياسيين الحاليين بل في العودة الى الشعب العراقي ومحاولة التصالح معه واصلاح أخطاء الادارة الأمريكية وأخطاء الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق وأخطاء الأحزاب والسياسيين العراقيين الذين دمروا العراق بأمراض متخلفة وأوبئة فتاكة على رأسها الطائفية المتخلفة ... وسؤاله هل تحب الأمريكان ؟ وعندها سيكون الاجابة على السؤال هل تحب المقاومة سهلاً بكل تأكيد .... ولعلهم سيجدون الحل السحري للأزمة الأمريكية كلها لو أنهم أجابوا على سؤال واحد بصدق وبدقة علمية وواقعية ... والسؤال هو ما هي الأخطاء التي ارتكبتها الادارة الأمريكة في العراق منذ عام 2003 ولحد الآن ؟
ولكن لابد من القول أن " فريق الأدمغة " قدم أسلوباً جديداً أكثر واقعية في التعامل مع الواقع العراقي ...
ثم هناك قول آخر في الجانب الآخر ... هل أدركت المقاومة أهمية الحوار مع المحتل بعدما أصبح مهيأ فعلاً لمثل هذا الحوار .....!!؟؟