14 Jul
14Jul


لا تستطيع الولايات المتحدة وبعض الدول العالمية الكبرى والمؤثرة في العالم ان يفهموا انبعاث التدين العالمي الجديد في موجته المعاصرة وان ارادت ذلك فعليهم ان يضعوا تعزيز الحرية الدينية في صلب السياسة الخارجية لتلك البلدان وعليهم ان يدركوا ان ذلك ليس حيويا فقط للحرية والاستقرار في الخارج وانما ايضا على الامن القومي لاوطانهم.

ورغم ان الولايات المتحدة هي امة دينية، ولكن لا علماء السياسة الخارجية فيها ولا السياسيين قد اتخذوا الدين اساسا لسياساتهم المعلنة على ما يبدو الا في الاحداث الاخيرة فيما يسمى بالحرب على التطرف والحرب على العراق. ومنذ بداية القرن السابع عشر انفصلت العلاقات الدولية عن النهج الديني وعن اخضاع الدين الى الدولة. ونتيجة لذلك، نجد ان معظم ميادين العلاقات الدولية تفترض ببساطة عدم وجود الدين من بين العوامل التي تؤثر على الدول.

ولكن في عالم اليوم وبعد التحدي الذي جابهة "نظرية العلمنة" وجعل الدين يذبل الحداثة وعلى مدى العقود العديدة الماضية خرج الدين الى الساحة العالمية ولعب دورا متزايدا فى الشؤون الانسانية، وبخطى سريعة. فايران الشيعية بعد ثورة 1979 ودور الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية في "الموجة الثالثة" من الديمقراطية بعد  هجمات 9 / 11  اتضح للجميع مدى أهمية ان يصبح الدين القوة العالمية المطلقة في العلاقات الدولية.

مما جعل المحللين وصناع القرار يعيدون دراساتهم وتفكيرهم بمسألة الايمان ووضع الدين في الشؤون الدولية بعد "العودة من المنفى " كما تشير عناوين احدى الدراسات الخاصة بهذا الامر بدأ صانعوا السياسة يحللون الآثار المترتبة على مصالح الولايات المتحدة القومية في العالم بعد ان جعلت الدين او الايمان احدى اهم منطلقات السياسة الخارجية والتعامل الدولي خاصة مع منطقة الشرق الاوسط.

مما حدا بالمحللين وصناع السياسة الامريكية ان يظهروا علامات العودة الى التدين واعتبروا ذلك جزءا لحل المشاكل السياسة الخارجية للولايات المتحدة. مما سيشكل خطرا على الافكار الوطنية والقومية التي تدعم النظام الدولي في انحاء العالم، اذ ان خطر السعي الديني الحكومي يكمن في صميم حماية الحرية الدينية، وتسخيرها من أجل دوام الصالح العام. وتظهر البيانات الخاصة بالعلوم الاجتماعية عن ارتباطات قوية بين الحرية الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

وتبعا لذلك، ينبغي على الديبلوماسية ان تتحرك لجعل الدفاع وتوسيع نطاق الحرية الدينية كعنصرا اساسيا في السياسة الخارجية ومن شأن ذلك ان يعطي اداة جديدة وفعالة من اجل الحرية والتقدم ولتقويض التطرف القائم على التفسيرات الاصولية للاديان ووقف الاستراتيجيات الاخرى التي اثبتت انها غير كافية وتفعيل قانون الحرية الدينية الدولية في الذكرى العاشرة لانشائه لتعزيز الحرية الدينية وان يكون عنصرا محوريا فى السياسة الخارجية لدول العالم.

لكن اسقاط تجربة الولايات المتحدة الامريكية على بقية العالم، سيؤدي حتما الى ارتفاع لدور الدين في السياسة القومية او العرقية. ففي مجتمع كمجتمع الولايات المتحدة يتكون الناس من اصول اثنية مختلفة تعيش في سلام نسبي نوعا ما بحكم القانون السائد. وبعد جيلين أو ثلاثة أجيال من الهجرة، فان الهويات الاثنية والثقافية امتزجت عن طريق الاستيعاب والتزاوج ومن المؤكد أن الأمور لا يمكن أن تكون كذلك في اماكن اخرى مختلفة بسبب طبيعة المجتمع الامريكي الذي تاسس على ارض العالم الجديد.

غير ان الأميركيين يجدون انفسهم ايضا وفي سبيل ايجاد القومية العرقية الخاصة بهم في احراج سواء على الصعيد الفكري والاخلاقي مما جعل العلماء في تلك الدولة الى ايجاد واثبات نظرية ان القومية انما هي ليست من نتاج الطبيعة ولكن من نتاج الثقافة، وانها مجموعة من النظم والقيم استنادا الى مجموعة من الهويات الضيقة بدلا من القيم الكونية.

وعموما يميل الاميركيون الى التقليل من دور السياسة القومية العرقية. ولكن في واقع الامر فان ذلك يقابل بعض النزعات الدائمة للروح البشرية، في جانب دفع التحديث وبشكل او بآخر فانه سيدفع السياسة العالمية لاجيال قادمة. بمجرد القومية العرقية قد استولت على خيال عدة جماعات متنفذة في مجتمع متعدد الاثنيات.
والمهاجرون الى الولايات المتحدة عادة ما يصلون الى الاستعداد للانسجام مع بلدهم الجديد وإعادة تشكيل هوياتهم وفقا لذلك. ولكن لاولئك الذين ما زالوا في اراضي اسلافهم حيث عاشوا لعدة أجيال، ان لم يكن لقرون، فان الهويات السياسية غالبا ما تتخذ شكل العرقية لإنتاج المطالبات للطوائف المتنافسة الى السلطة السياسية وان الانشاء السلمي للنظام الاقليمي للدول القومية عادة ما يكون نتاج عملية عنيفة من الانفصال العرقي في المناطق حيث   لم يحدث بعد الانفصال بعد.

ولكن ما يميز الوجود القومي في بلادنا العربية والاسلامية هو ذلك النموذج الفريد للتعايش السلمي للطوائف على مدى قرون وحقب طويلة خلت والتي كانت من اسباب استمرار ذلك التعايش ربما بالقوة في احيان ولكن كان هنالك عوامل اخرى كثيرة سادت تلك القرون الطويلة فرضت على القوميات المختلفة التعايش السلمي وما ميز هذه المنطقة عن مناطق العالم الاخرى.

حيث ان التقسيم المجتمعي لم يكن على اساس القومية او الدين او العرق او الطبقة وانما كان التقسيم المجتمعي يكون على اساس المكان والحرفة والثقافة والنسب. وهذا ما افتقده المجتمع الغربي والمجتمعات العالمية الاخرى وهو بالتاكيد ما امتاز به المجتمع العربي. فالمجتمع العربي لكل البلاد العربية كان ينقسم الى مجتمع المدينة المتحضر ذا الثقافة العالية والتمدن والرقي العالي بالنسبة لمنطقتهم ومن اصحاب الحرف والعلم من كافة الطوائف والملل التي كانت تجمعها تلك المعارف.

ومجتمع الريف والزراعة ذات المستوى المتدني من الثقافة والتنظيم وادارة الاراضي الزراعية والمختلطة بالانساب والانسال والذي زيدت عليه بعد دخول الصناعة الى بلداننا في العصر الحديث وهذا المجتمع لم يكن يعنيه التفرق الطبقي الذي سارت عليه الشيوعية في بداية القرن العشرين او الظلم الاجتماعي او حقوق الانسان في نهاية ووسط ذلك القرن بدلا من العدالة الاجتماعية مع ملاك واصحاب تلك الارض.

اما المستوى الثالث من المجمعات العربية والتي ميزت تلك المجتمعات دون سواها وهي طبقة القبائل والعشائر والنسب الطبقي لتلك العشائر بحسب نسلها الكريم والقريب الى نسل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والذين غالبا ما كانوا يعرفون بالسادة او الاشراف او من العشائر التي كانت تفتخر بنسبها العربي من قبائل عدنان او قحطان والذي تميز هؤلاء بالسطوة والشجاعة والكرم وسائر الشيم والاخلاق العربية المعروفة وهم اهل القوة والجيش والحرب والقتال.

بينما ما كان مألوفا في السرد والنفوذ الاوروبي في القرن العشرين هو ان القومية ادت وكانت سببا اساسيا بنشوب الحرب مرتين، في عام 1914 في الحرب العالمية الاولى، ثم مرة اخرى في 1939 حينما اندلعت الحرب العالمية الثانية. وبعد ذلك، خلص الاوروبيون الى ان القومية كانت خطرا ثم تدريجيا تخلت عنها في عقود ما بعد الحرب، واليوم يربطون الاوروبيون الغربيون انفسهم في شبكة من المؤسسات غير القومية، وبلغت ذروتها في (الاتحاد الاوروبي).وبعد سقوط الامبراطورية السوفياتية، بدأ الاوربيون بالانتشار شرقا لتشمل معظم القارة كنموذجا للمناطق القومية الاخرى، بالاتحاد بالطريق السلمي من اجل الديمقراطية الليبرالية.

وهذه القصة والتي يعتقد بها على نطاق واسع من قبل جانب كبير من المثقفين الأوروبيين وأكثر من ذلك عدد اكبر من جانب المثقفين الاميركيين انطلقت في الآونة الاخيرة ففي سياق اعتبار ان على اسرائيل ان تتخلى عن مطالبتها لتكون دولة يهودية، وفي حل نفسها كونها دولة من قوميتين يهودية مع عربية فلسطينية، نجد ان مؤرخي الغرب يقررون ان المشكلة مع اسرائيل هي انها استوردت في وقت متأخر من القرن التاسع عشر المشروع الانفصالي وان العالم قد انتقل من عالم ينادي بالحقوق الفردية، وفتح الحدود والتجارة الحرة وكافة نصوص القانون الدولي الى مجرد فكرة  'الدولة اليهودية ذات المفارقة تاريخية. "

والمثال الاخر هو في تجربة مئات من الافارقة والآسيويين الذين يموتون كل سنة محاولين دخول اوروبا قبل ان تطا اقدامهم على سواحل اسبانيا وايطاليا ودول شمالي البحر المتوسط حين يكتشفون عند ووصولهم ان اوروبا ليست هي البلاد ذات الحدود المفتوحة.

في عام 1900 كان هناك العديد من الدول في اوروبا لاتتمتع بالقومية الواحدة ذات الاغلبية الساحقة، وبحلول عام 2007 لم يكن هناك سوى اثنين، وواحدة من تلك بلجيكا، وبصرف النظر عن سويسرا فان الاثنية المحلية كميزان للقوى في اوربا كانت  تحميها قوانين المواطنة الصارمة في اوروبا من " المشاريع الانفصالية " التي  تلاشت كما انتصرت.

وفي عام 1945 كانت اوربا في كثير من النواحي القومية العرقية في اوج دورتها في السنوات التالية بعد الحرب العالمية الثانية. وكان الاستقرار الاوروبي اثناء حقبة الحرب الباردة في واقع الامر يرجع جزئيا الى انتشار وفاء العرقيين لمشروع الوحدة. ومنذ نهاية الحرب الباردة والقومية العرقية واصلت لإعادة تشكيل الحدود الاوروبية.

لقد اصبحت القومية العرقية تلعب في اوربا دورا أكثر عمقا ودورا دائما في مسيرة التاريخ الاوربي الحديث، والعمليات التي أدت إلى هيمنة ذووا الاعراق الواحدة في بلادهم والفصل بين الجماعات العرقية في اوروبا يرجح أن تتكرر في أماكن أخرى في العالم اذا ما توافرت الاسباب ذاتها التي ادت الى سيادتها في اوربا. فزيادة التحضر، ومحو الأمية، والتعبئة السياسية والاختلافات في معدلات الخصوبة والاداء الاقتصادي لمختلف المجموعات العرقي؛ وزيادة الهجرة ستطعن في البنية الداخلية للدول، فضلا عن حدودها سواء على الصعيد السياسي والديمغرافي والثقافي والاقتصادي، وستواصل القومية العرقية في تحديد شكل العالم في القرن الحادي والعشرين اذا لم تتمسك تلك الامم بقيمها الموروثة واساسات حضارتها.

ولكن معرفة سياسة الهوية تتحدد بطريقتين اساسيتين من التفكير في الهوية الوطنية. فالاولى هي ان جميع الناس الذين يعيشون داخل حدود بلدهم جزء من أبناء الأمة، وبغض النظر عن الاثنية والعرقية او الدينية. وهذه اليبرالية او القومية المدنية كانت المفهوم  السائد عند الوسط الفكري الامريكي الحديث قبل الادارة الاخيرة للحكومة الامريكي. ولكن نظرا الى ان الليبرالية قد تتنافس مع وغالبا ما تصنع وجهات نظر مختلفة، فان القومية العرقية الأساسية للذوي العرق الواحد وهي الثانية في معرفة سياسة الهوية ان الامم تعرف من خلال التراث المشترك، والذي يشمل عادة اللغة المشتركة، والايمان المشترك، والاصل العرقي المشترك.

لقد هيمن ذوي العرق الواحد بشكل تقليدي على الفكر الاوربي والامريكي بشكل خاص بالنسبة الى مفهوم القومية الواحدة. وعلى طول التاريخ الأميركي الحديث وكان يعتقد ان الشعب وحده هو من الأصل الانكليزي  أو مايعرف بالانغلو - ساكسوني، لاولئك الذين كانوا من البروتستانت البيض، او من اوروبا الشمالية حيث كانت اصول الاميركيين. الا انه في عام 1965 كان هناك اصلاح لقانون الهجرة في الولايات المتحدة الغي فيه نظام الحصص ذا المنشأ الوطني والتي كان معمول به لعدة عقود. حيث استبعد هذا النظام بشكل تام وجذري الآسيويين وقيد الهجرة من اوروبا الجنوبيه والشرقية.

وتواجه القومية العرقية الكثير من مشاعر القوة من فكرة ان اعضاء أمة هم جزء من الاسرة الممتدة للامم التي بها اواصر الدم في نهاية المطاف. ومن المعتقد في الواقع المشترك الذاتي ان العلامات التي تميز في المجتمع تختلف من حالة إلى أخرى، وبين الحين والآخر، والطابع الذاتي لحدود الطوائف ادت الى بعض الاختلافات.

يؤكد السرد التقليدي للتاريخ الاوروبي ان النزعة القومية اساسا ليبرالية في الجزء الغربي من القارة، وانه اصبح اكثر عرقيا وغلوا حينما انتقلت الى الجزء الشرقي من اوربا. وهناك بعض الحقيقة في هذا، فعندما بدأت الدول الحديثة بالظهور كانت الحدود السياسية والحدود العرقية قد تزامنت الى حد كبير في المناطق الواقعة على طول ساحل المحيط الاطلسي في اوروبا. وكانت الليبرالية القومية أكثر عرضة للظهور في الدول التي تمتلك  درجة عالية من التجانس الاثني. وقبل فترة طويلة من القرن التاسع عشر كانت البلدان مثل انكلترا وفرنسا والبرتغال واسبانيا والسويد قد ظهرت الانظمه السياسية في هذه الدول القومية وكانت الانقسامات العرقية قد خففت من جانب اخر عبر تاريخ طويل من التجانس الثقافي والإجتماعي.

اما في وسط القارة، التي يسكنها من المتحدثين بالالمانية والايطالية، فان الهياكل السياسية كانت مجزاه الى مئات من الوحدات الصغيرة. ولكن في الستينات من القرن التاسع عشر وفي 1870  تم حل هذا التجزؤ بعد انشاء ايطاليا والمانيا، ذلك ان جل الايطاليين الذين كانوا يعيشون في السابق كاغلبيه بينما كان الالمان الذين كانوا يعيشون كاقلية حينما تم نقل مزيد منهم الى الشرق  ولكن الوضع تغير مرة اخرى ففي أواخر 1914  فمعظم بلدان وسط وشرق وجنوب شرق اوروبا تشكلت ليست من الدول القومية ولكن من تقسيم الامبراطوريات حيث كانت امبراطورية هابسبيرغ تضم الآن ما تشكل النمسا والجمهورية التشيكية ورومانيا وسلوفاكيا واجزاء من ما يعرف الآن بالبوسنة وكرواتيا وبولندا ورومانيا واوكرانيا، وأكثر من ذلك فان امبراطورية رومانوف الممتدة الى آسيا كانت تضم الان روسيا واجزاء من بولندا وأوكرانيا . واما الامبراطورية العثمانية والتي تشكل اليوم تركيا الحديثة فقد غطت أجزاء من بلغاريا واليونان ورومانيا وصربيا وتمدد من خلال جزء كبير في الشرق الاوسط وشمال افريقيا كذلك.

كل واحدة من هذه الامبراطوريات كانت مؤلفة من العديد من المجموعات العرقية، الا انها لم تكن تشعر انها متساوية مع المركز لكثير من تلك الشعوب المتعددة الهويات. و التي كانت تتألف من طبقات الحكم الملكي وهبطت الى طبقة النبلاء والتي كانت غالبا ما تختلف في اللغة والأصل العرقي عن الطبقة التجارية، وأعضاء هؤلاء بدورهم يختلفون عادة في اللغة، والاثنية والدين في كثير من الاحيان عن طبقة الفلاحين ففي امبراطوريات هابسبيرغ رومانوف على سبيل المثال فان عادة طبقة التجار الالمان كانوا من اليهود. وفي الامبراطورية العثمانية، كان التجار من الأرمن واليونانيين او اليهود. وكذلك الحال بالنسبة الى الفلاحين والاختلاف بالنسبة الى التنوع العرقي.

وحتى خلال القرن التاسع عشر كانت هذه المجتمعات الى حد كبير ما زالت مجتمعات زراعية أي ان معظم الناس كانوا من الفلاحين في الريف، وكان بعضهم يعرفون القراءة والكتابة. اما الثقافات السياسية والاجتماعية والاقتصادية فانها عادة ما كانت مترابطة مع العرق  ولم تغير تلك الشعوب من مواقفها ازاء تلك الثقافات حتى صعود القومية الحديثة حيث كانت اشكالية العالم انذاك .

واليوم يميل الناس الى ان تتشكل الدولة على اساس القومية الواحدة باعتبارها من المسلمات الطبيعية وان شكل التنظيم السياسي القديم من خلال تشكيل الامبراطوريات فانه يمكن اعتبارها حالات قديمة لاتتلائم مع الواقع السياسي والاقتصادي الجديد او انها بعض اشكال الاخطاء التاريخية وانه يجب ان يسود  الاتجاه الجديد بنشوء الدول.

 لكن الدفع من قبل تيارات الحداثة بهذا الاتجاه لن تكون اعمق من التنافس العسكري بين الدول لكي توجد مطالبات قوية لتوسيع نطاق موارد الدول، وبالتالي فان النمو الاقتصادي المتواصل بدوره لن يتوقف على محو الامية وسهولة الاتصالات فحسب ولكن بدفع السياسات الرامية الى تعزيز التعليم واللغة المشتركة الامر الذي سيؤدي بصورة مباشرة الى فرصة الصراعات المجتمعية الى سيادة أكثر من لغة في الدولة الواحدة.

لذلك فان المجتمعات الحديثة ستقوم على فكرة ان المساواة من الناحية النظرية على الاقل يمكن لأي شخص ان يطمح الى ان اي وضع اقتصادي ستكون الممارسة فيه للجميع على قدم المساواة، مع الاحتمال التصاعدي للحراك الاقتصادي، وليس لمجرد ان الافراد لهم قدرات فطرية مختلفة. لهذا فان الاقتصاديين يعتقدون بان الاسس الاقتصادية ستعتمد للنجاح بشكل اكبر على المهارات والانماط السلوكية التي تساعد الافراد والجماعات على المشاركة في التجارة .

كما ان الانتقال الى المدن والحصول على المزيد من التعليم خلال القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين، دفع الى حد كبير المجموعات العرقية ذات الخلفيات الفلاحية مثل التشيك والبولنديون والسلوفاك والاوكرانيون الى ان يتبؤوا المناصب الرئيسية فى الحكومة والاقتصاد والتي  كانت محتلة في كثير من الاحيان من قبل الأرمن والالمان واليونانيين او اليهود.

لذلك فان المتكلمين لنفس اللغة جاءتهم اللغة  لتقاسم الشعور انهم ينتمون معا الى تعريف عن انفسهم وعلى عكس المجتمعات الاخرى تاتي في نهاية المطاف الى طلب الدولة القومية الخاصة بهم، والتي ستكون المعلم الذي يسيطر على السياسة والموظفين في الخدمة المدنية والسيطرة على التجارة.

والقومية العرقية كانت الأساس النفسي وكذلك الاقتصادي الواحد  لخلق جديد ولوجود علاقة مباشرة بين الافراد والحكومة، ونشأة الدولة الحديثة اضعفت الافراد من حيث التاثير التقليدي الى كونه مؤسس لوحدات اجتماعية وسيطة، مثل الأسرة والعشيرة، والنقابة والكنيسة. وقبل دفع عقلية الحراك الاجتماعي والجغرافي والعون الذاتي، كانت نشأة سوق الاقتصادات القائمة على فعل الشيء نفسه وكانت النتيجة ان الفراغ العاطفي في كثير من الأحيان كان يشغلها اشكال جديدة من تحديد الهوية وفي كثير من الاحيان على اسس عرقية.

ان ايديولوجية العرق الواحد دعت الى قيام التطابق بين الدولة والأمة كعرقية محددة، مع شرط ان جميع القوميات الأخرى يجب ان تكون ضمن الحدود.... وبالتالي، ضمان الدرجة الدنيا من الانسانية والحضارة المهيمنة لتدعي جميع حقوق المجتمع، وتدني هي ابادة الاجناس، او تخفيضها الى العبودية، او تحريم او انها وضعت في حالة الارتهان.

في القرن التاسع عشر اعتقد الليبراليون على غرار العديد من انصار العولمة اليوم ان انتشار التجارة الدولية من شأنها ان تؤدى بالناس الى الاعتراف بالمنافع المتبادلة التي يمكن ان تأتي من السلم والتجارة، وحتى داخل الانظمة السياسية. اما الاشتراكيون فاعتقدوا ان الوئام لايأتي الا بعد وصول الاشتراكية. ومع ذلك لم يكن بطبيعة الحال ان القرن العشرين هو تاريخ التوجه المتابع العملي "بجعل الدولة والأمة متناسبة" اذ اخذت الدولة اشكالا متنوعة من الهجرة الطوعية (في الغالب بدافع التمييز الحكومي  ضد الاقليات والاثنيات) الى الترحيل القسري (التي يعرف ايضا باسم "نقل السكان") الى الابادة الجماعية. وعلى الرغم من ان مصطلح "التطهير العرقي" حديث الاستخدام والاستعمال الا انه  في دورته اللفظي ارتباط بالتشيك والفرنسين والالمان والبولنديين والكثير من تاريخ أوروبا في القرن العشرين والذي طال عملية التجزئة الاثنية.

وبدأت على حدود اوروبا ما يمكن تصنيفه بالتصفية العرقية الضخمة. للمختلطين عرقيا في البلقان, وكانت الحروب من اجل توسيع الدول القومية في بلغاريا واليونان وصربيا على حساب الامبراطورية العثمانية المريضة. وخلال حروب البلقان من 1912-1913 ترك ما يقرب من نصف مليون شخص أوطانهم التقليدية، اما طواعية او بالقوة. فالمسلمون غادروا المناطق الواقعة تحت سيطرة البلغار واليونانيين والصرب؛ والبلغار هاجروا المناطق اليونانية التي تسيطر عليها في مقدونيا واليونانيين فروا من المناطق المتنازل عنها من مقدونيا الى بلغاريا وصربيا.

وادت الحرب العالمية الاولى الى زوال الامبراطوريات الكبرى الثلاث واطلقت العنان للانفجار القومي العرقي ففي الامبراطورية العثمانية كان الترحيل الجماعي والقتل أثناء الحرب قد اودى بحياة مليون شخص من الاقلية الارمنية في محاولة مبكرة من التطهير العرقي وفي عام 1919 غزت الحكومة اليونانية تركيا لتسعى للحصول على "اليونان الكبرى" لتمتد وتسيطر على كل الطرق الى القسطنطينية. ولقاء مع النجاح المبدئي للغزو فان القوات اليونانية نهبت وأحرقت القرى، في محاولة لاخراج الاثنية التركية. ولكن في نهاية المطاف كان لاعادة تجميع القوات التركية سببا في دفع الجيش اليوناني الى الوراء والهزيمة على الارض التركية، مع انخراطهم هذه المرة  بالتطهير العرقي في بلدهم ضد اليونانيين المحليين على طول الطريق. ثم ان عملية نقل السكان اصبحت رسمية في معاهدة لوزان عام 1923 وكان على جميع الاعراق اليونانيين الذهاب الى اليونان وجميع المسلمين في اليونان الى تركيا. وفي النهاية طردت تركيا ما يقرب من 1،5 مليون نسمة وطرد اليونان ما يقرب من 400000 مسلم.

وفي جزء كبير من وسط وشرق اوروبا كان اليهود منذ زمن طويل لهم دورا هاما فى التجارة. وعندما منحت الحقوق المدنية في اواخر القرن التاسع عشر  مال اليهود إلى المهن التي تتطلب التميز في التعليم العالي، مثل الطب والقانون، وتقريبا كان اليهود او من أصل الشعب اليهودي يتكون ما يقرب من نصف الاطباء والمحامين في مدن مثل بودابست وفيينا ووارسو. وقبل الثلاثينات كان الكثير من الحكومات قد اعتمدت سياسات لمحاولة التحقق من وعكس هذالاتجاه، وحرمان اليهود والحد من وصولهم الى التعليم العالي. وبعباره أخرى فإن الوطنيين الاشتراكيين الذين جاءوا الى السلطة في ألمانيا فى عام 1933 قامت حركتهم على الجرمنة أو تغليب الجنس الالماني او الاري على حساب الاجناس العرقية الاخرى كاليهودية وسواها.

وشاركت السياسة القومية العرقية بدورها حتى اثناء الحرب العالمية الثانية. فقد حاول النظام النازي إعادة ترتيب الخريطة الاثنية في القارة بالقوة. والاكثر جذرية كانت محاولة تخليص أوروبا من اليهود قبل قتلهم جميعا فالنازيين استخدموا الاقليات العرقية الالمانية في تشيكوسلوفاكيا وبولندا واماكن اخرى لفرض الهيمنة النازية والعديد من الانظمة المتحالفة مع المانيا شاركت بحملات في بلادهم ضد اعداء العرقية الداخلية. فالنظام الروماني على سبيل المثال قتل مئات الآلاف من اليهود على ارضه من دون أوامر من المانيا وحكومة كرواتيا قتلت ليس فقط اليهود وانما مئات الآلاف من الصرب والغجر كذلك.

ولكن بعد الحرب لم يمكن للمرء ان يتوقع ويعتقد ان سياسات النظام النازي القاتل الذي سحق وهزم سيكون ايذانا بنهاية حقبة من السياسة العرقية. ولكن في الحقيقة انها مهدت الطريق لجولة اخرى ضخمة من التحول العرقي الجديد. فالتسوية السياسية في اوروبا الوسطى بعد الحرب العالمية الأولى قد تحقق في المقام الأول عن طريق تحريك الحدود لملائمتها مع السكان. وبعد الحرب العالمية الثانية كان الملايين من الناس قد طردوا من ديارهم ورسمت البلدان على الاقل بتأييد ضمني من الحلفاء المنتصرين على اساس عرقي جديد.

وينستون تشرشل وفرانكلين روزفلت وجوزيف ستالين جميعهم خلصوا الى ان طرد العرق الالماني في غير البلدان الالمانية هو شرط اساسي لاستقرار النظام بعد الحرب. كما ان تشرشل وضع في خطاب القاه امام البرلمان البريطاني في كانون الاول 1944 نظام بان "الطرد هو الطريقة التي تمكننا حتى الآن من ان نرى بشكل مرضي ودائم الاستقرار في اوربا. وان كان هناك خليط من السكان لسبب ما فسيسبب بمشاكل لانهاية لها".

واشار الى "معاهدة لوزان باعتبارها سابقة مبنية على اساس راسخ اذ انه حتى قادة الديمقراطيات الليبرالية قد خلصوا الى ان التدابير غير الليبرالية من شأنها ان تزيل اسباب التطلعات العرقية اوالعدوان على اساس عرقي ايضا".

بين عام 1944 وعام 1945 فر خمسة ملايين من ذوي الاعراق الألمانية فى الاجزاء الشرقية من الرايخ الألماني الى الغرب هربا من قهر الجيش الاحمر الذي كان يغتصب ويذبح في طريقه الى برلين. ثم بين عامي 1945 و 1947 طردت الانظمة الشيوعية الجديدة في تشيكوسلوفاكيا والمجر وبولندا ويوغوسلافيا اخر سبعة ملايين من الألمان ردا على تعاونهم مع النازيين. وهذه التدابير شكلت اكبر حركة للسكان قسرا في التاريخ الاوروبي مع مئات الالاف من الاشخاص الذين كانوا يموتون على طول الطريق.
وحفنة من اليهود الذين نجوا من الحرب عادوا الى ديارهم في شرق اوروبا واجتمع مع الكثير منهم مع المعادين للسامية بينما اختار حوالى 220000 منهم الذهاب الى البلاد الأميركية من المانيا وفي نهاية المطاف ذهب اكثرهم الى اسرائيل او الولايات المتحدة. وهكذا اختفى اليهود اساسا من اوروبا الوسطى والشرقية التي كانت مركز الحياة اليهودية منذ القرن السادس عشر. اما اللاجئين من مجموعات اثنية اخرى فقد تم اجلائهم من منازلهم واعيد توطينهم بعد الحرب. ويرجع هذا جزئيا الى ان حدود الاتحاد السوفياتي قد انتقلت غربا والى ما كان في وقت من الاوقات تسمى بولندا في حين أن حدود بولندا ايضا تحركت غربا والى ما كان في وقت من الاوقات تسمى المانيا. وجعلت السكان يتطابقون مع الحدود الجديدة فهنالك كان 1،5 مليون من البولنديين الذين يعيشون في المناطق التي اصبحوا جزءا من الاتحاد السوفياتي وكان قد تم ترحيلهم الى بولندا و 500000 من أصل أوكراني من الذين كانوا يعيشون في بولندا ارسلوا الى جمهورية اوكرانيا الاشتراكية السوفياتية. وآخر تبادل للسكان وقع بين تشيكوسلوفاكيا والمجر مع نقل السلوفاك والهنغار والمجريين ارسلوا بعيدا عن تشيكوسلوفاكيا. وعدد أصغر من المجريين انتقلوا ايضا الى المجر من يوغوسلافيا مع الصرب والكروات الذين تتحركوا فى الاتجاه المعاكس.

ونتيجة لهذه العملية العرقية الضخمة من عدم التجانس العرقي المتحرك والمثالي الى حد بعيد ادركت اوربا بالنسبة للجزء الاكبر لكل امة في اوروبا قد امتلك دولته الخاصة به وعلى كل دولة كانت تتألف بشكل حصري من القوميات العرقية واحدة. وخلال الحرب الباردة كانت هناك بضعة استثناءات لهذه القاعدة وشملت تشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا. ولكن هذه البلدان اثبتت ان مصيرهم اللاحق سيجري نحو القومية العرقية.

فبعد سقوط الشيوعية توحدت شرق وغرب المانيا وانقسمت تشيكوسلوفاكيا سلميا الى جمهوريتي التشيك والسلوفاك والاتحاد السوفياتي المكون من مجموعة متنوعة من مختلف الوحدات الوطنية تقسمت. ومنذ ذلك الحين والاقليات الاثنية الروسية في العديد من دول ما بعد الاتحاد السوفياتي هاجرت بصورة تدريجية من روسيا والمجريين في رومانيا انتقلوا الى المجر والقلة المتبقية من ذوي الاعراق الالمانية في روسيا ذهبت الى المانيا.

ووجد مليون شخص من اصل يهودي في الاتحاد السوفياتي السابق طريقهم الى اسرائيل. ويوغوسلافيا شهدت انفصال سلوفينيا وكرواتيا ومن ثم انحدرت الى الحروب العرقية في البوسنة وكوسوفو ويعتبر تفكك يوغوسلافيا مؤامرة لتجزئة الشعوب وانتصار القومية العرقية في أوروبا الحديثة وهذا الامر نادرا ما يعترف به اذ ان القصة المروية والاكثر اهمية التي تروى للراي العام هي انتشار الديمقراطية او الراسمالية والتي ما زالت اسباب توسعها مجهولة الى حد بعيد وغير مقدر.

وفي فترة بعد انتهاء الاستعمار كانت اثار القومية العرقية لا تكاد تقتصر على أوروبا. وانما على جزء كبير من العالم النامي وكان انهاء الاستعمار يعني تفصيل العرقية من خلال تبادل او طرد الاقليات المحلية ففي نهاية الحقبة البريطانية في عام 1947 أسفرت عن تقسيم شبه القارة الى الهند وباكستان جنبا الى جنب مع طقوس العنف التي احاطت مئات الآلاف من الأرواح. واصبح خمسة عشر مليون شخص لاجئين بمن فيهم المسلمون الذين ذهبوا الى باكستان والهندوس الذين ذهبوا الى الهند. ثم في 1971 اعلنت باكستان انفصال بنغلادش التي كانت متوحدة معها على اساس الدين وانقسمت الى باكستان الناطقة باللغة الاوردية وبنغلاديش الناطقة بالبنغالية.

واما الانتداب البريطاني الذي انشأ على فلسطين دولة يهودية في عام 1948 فقد دفعت الحرب التي نشات بعد اعلان تلك الدولة الى ان المناطق التي تقع تحت السيطرة العربية تم تطهيرها من السكان اليهود في حين ان العرب فروا او أجبروا على الخروج من المناطق التي وقعت تحت السيطرة اليهودية. حيث ترك 750000 من العرب مناطقهم ولجاوا في المقام الاول للبلدان العربية المجاورة واما 150000 المتبقية فكانوا لا يشكلون سوى سدس سكان الدولة العبرية الجديدة.وبعد ذلك ألهم المد القومي زيادة العنف ضد اليهود في البلدان العربية جميعها مما دفع اكثر من 500000 تقريبا من اليهود هناك على مغادرة اراضيهم الاصلية والهجرة الى اسرائيل.

ومثلها في نهاية 1962 وبعد انتهاء 132 عاما من السيطرة الفرنسية في الجزائر ادت الى الهجرة القسرية من الجزائريين من اصل اوروبي او ما يسمى (  pieds - noirs ) بمعظمهم الى ان يهاجروا الى فرنسا. وبعد ذلك بوقت قصير اجبرت الاقليات العرقية من اصل آسيوي الى الخروج من اوغندا وكان إرث الحقبة الاستعمارية لا يكاد تنتهي.

وعندما انتهت حقبة الامبراطوريات الأوروبية في الخارج كانت قد خلفت وراءهم رقع من الدول التي غالبا ما تتخطى الحدود العرقية وكانت انماط التسوية الداخلية للسكان المختلطون عرقيا مختلفة بحسب الجغرافية والثقافة والموارد الطبيعية التي كانت تمتلئ بها بلادهم.

واذا نظرنا الى التفسير الاقتصادي في نشاة الدول ورسم حدودها فاننا سنجد العكس من ذلك التفسير السابق في رسم الحدوود والذي لم يكن للدافع القومي والاثني أي دور في ذلك التقسيم كما سبق. فالاقتصاديين يرون ان كفاءات الاسواق التنافسية تميل وتتاثر بالتعددية في تلك الاسواق مع زيادة حجم الاسواق وان تفكك الامبراطورية النمساوية الهنغارية مثلا الى دول قومية اصغر كان من نتائجها تعدد الاسواق والنظم الاقتصادية الا انه في الوقت نفسه وضع الحواجز امام التجارة مما ساهمت بزيادة الآلام الاقتصادية في المنطقة في فترة الانقسام بسبب تلك الصعوبات الاقتصادية. وفي الكثير من التاريخ الاوروبي اللاحق انطوت على محاولات كثيرة للتغلب على هذا التفتت الاقتصادي الى ان بلغت ذروتها في عودتها الى الاتحاد الاوروبي في عصرنا الراهن.

كذلك فان الانفصالات الاثنية كانت لها اثار مختلفة على حيويتها الثقافية لان معظم مواطني الدول المشتركة في التراث الثقافي واللغوي المتجانس لدول أوروبا ما بعد الحرب كانت تميل الى ان تكون اكثر ثقافية من الجزر ذات الديموغرافيا المتنوعة كالولايات المتحدة الامريكية ومع قلة اليهود في أوروبا وبعض الألمان في براغ عقب الهجرات القسرية والطرد الا ان تلك الحالة صارت مكافاه للبلدان المستقبلة لهم.

 اذ ان البلدان التي تخلصت من الارمن والالمان واليونانيين واليهود والعرب وغيرهم من الاقليات الناجحة حرمت نفسها من بعض اكثر المواطنين الموهوبين واعطت بكل بساطة مهاراتهم ومعارفهم في اماكن ودول اخرى. لذلك نجد ان انتصار دعاة السياسة العرقية كان يجد قبولا لهم في التجمعات الريفية اما الاماكن الاكثر تحضرا والتي تمتلك المهارات في الدول الصناعية والمتقدمة في الاقتصاد فانها كانت الخاسرة الاكبر من تلك السياسة.

وكثيرا ما افضت القومية العرقية الى التوتر والصراع اكثر مما اثبتت ان تكون مصدرا للتماسك والاستقرار الا في حالة اعتبارها مصدرا للثقة المتبادلة والتضحية وان الديمقراطية الليبرالية والتجانس الاثني ليست متوافقة فقط بل انها قد تكون مكملة. ويمكن للمرء ان يجادل بان اوروبا كانت منسجمة منذ الحرب العالمية الثانية ليس بسبب فشل القومية العرقية ولكن بسبب نجاحها والتي أزالت بعض من أعظم مصادر الصراع داخل البلدان وفيما بينها وان حدود الدول والاعراق الآن تتوافق الى حد كبير مما يعني أن هناك عدد اقل من النزاعات حول الحدود او الجاليات والتي افضت الى تشكيل الاقليم الاكثر استقرارا في التاريخ الاوروبي وهذه الانظمة السياسية المتجانسة اثنيا اظهرت قدرا كبيرا من التضامن الداخلي اضافة الى ذلك فإن الحكومة تسهل برامج نقل المدفوعات المحلية من مختلف الأنواع.

 والاختلاط العرقي الجديد يمكن تصنيفه جنبا الى جنب مع عملية الفصل القسري الاثني على مدى القرنين الاخيرين فكما كانت هنالك عملية خلط  اثنية  احدثتها الهجرة الطوعية فان النمط العام كان واحدا من الهجرة للفقراء الى ركود المناطق الثرية والاكثر ديناميكية. ففي أوروبا وهذا يعني في المقام الاول حركة الغرب والشمال التي تؤدي قبل كل شيء الى فرنسا والمملكة المتحدة قد استمرت هذا النمط في الوقت الحاضر وكان نتيجة للهجرة الأخيرة على سبيل المثال ان هناك الآن نصف مليون من البولنديين في بريطانيا العظمى و 200000 في ايرلندا. وجزء كبير من المهاجرين لاوروبا من الذين انتقلوا من اوطانهم الى آخر انتهى الأمر بهم بأن مالوا الى البقاء هناك وتم استيعابهم على الرغم من تذمر البعض من السكان الاصليين وما افترض عليه بغزو "السباكين البولنديين" او "الزبالين الاتراك".

 ان أهم ما حدث من تحول جذري من التوازنات الاثنية الأوروبية في العقود الاخيرة قد اتى من الهجرة من البلدان الاسيوية والافريقية ودول الشرق الاوسط, و كانت النتائج مختلطة فبعض هذه الجماعات قد حققت نجاحا ملحوظا مثل الهندوس الهنود الذين قدموا الى المملكة المتحدة. ولكن في بلجيكا وفرنسا والمانيا وهولندا والسويد والمملكة المتحدة وأماكن اخرى في اوربا أحرزت قدرا محدودا من تحقيق التوازن بين التعليم والتقدم الاقتصادي للمهاجرين المسلمين وبالنسبة للغربة الثقافية كانت التحويل اكبر.

وكم هذه المشكلة يمكن ان يعزى الى عدم التمييز إلى الانماط الثقافية للمهاجرين انفسهم والى مدى سياسات الحكومات الاوروبية. ولكن هناك عدد من العوامل من التعددية الثقافية الرسمية لبرامج الرعاية الاجتماعية السخية كسهولة الاتصال مع نفس الاوطان الاثنية جعلت من الممكن استيعابها بشكل اكبر في ميادين الثقافة والاقتصاد. ونتيجة لذلك فالبعض من المخططات التقليدية للسياسة الاوروبية قد تاقلمت مع الوضع الجديد فاليسار على سبيل المثال يميل الى اعتناق الهجرة في اسم مذهب المساواة والتعددية الثقافية. ولكن اذا كان هناك في الواقع صلة بين التجانس الاثني للسكان والاستعداد لتقديم الدعم السخي لاعادة توزيع الدخل بين البرامج وتشجيع اكثر من مجتمع غير متجانس قد ينتهي الى تقويض اليسار بشكل اوسع في جدول الاعمال السياسي. اما البعض من النزعات اوروبية التحررية الثقافية فاشتبكت بالفعل من المحافظين الثقافيين مع بعض الجاليات المهاجرة الجديدة.

اما الآثار المستقبلية فان القومية العرقية هي نتيجة مباشرة للعناصر الاساسية للتحديث ومن المرجح ان تزداد حدة في المجتمعات التي تمر في هذه العملية. لذلك فليس من المستغرب انه لا تزال من بين القوى الاكثر حيوية في أنحاء كثيرة من العالم المعاصر. فالقومية العرقية هي في كل مكان في سياسة الهجرة في جميع انحاء العالم وكثير من البلدان بما فيها ارمينيا بلغاريا كرواتيا فنلندا المانيا المجر ايرلندا اسرائيل صربيا وتركيا -- توفر التلقائية او المواطنة السريعة الى الجماعات المغتربة اليها او التي تنتمي الى المجموعة العرقية المهيمنة في تلك البلاد.

 والصين تعطى الاولوية لقانون الهجرة وبخاصة من الذين هم خارج الصين ويعودون اليها اما البرتغال واسبانيا فان سياسات الهجرة هي لصالح  المتقدمين من المستعمرات السابقة في العالم الجديد. ولا تزال دول اخرى مثل اليابان وسلوفاكيا تقدم أشكال تحديد الهوية الرسمية للاعضاء الوطنيين ذوي العرقية المهيمنة وتسمح لهم بالعيش والعمل في البلاد. اما في الولايات المتحدة الامريكية فالحكومة الامريكية الرسمية مستمرة في الممارسات ذات المعاملة التفاضلية على اساس الانتماء العرقي على الا يشكل ذلك انتهاكا للمعايير العالمية وغالبا ما ينظر في هذه السياسات الاستثنائية على انها في سياق عالمي وذات معايير عالمية.

ونتيجة لتلك الحركات المجتمعية العرقية وبغض النظر عن اسبابها المتعددة سواء كانت حربية او سلمية فقد جعلت العولمة الاقتصادية لاكثر الدول في الاقتصاد العالمي اولى ثمار تلك العملية واليها يعود الفضل إلى تلك المجموعات العرقية قبل التاريخ او الثقافة للاستفادة من الفرص الجديدة للاثراء وتعميق الانشقاقات الاجتماعية من خلال تحديد المناطق التي قد يحاولون فصل انفسهم من الاكثر فقرا وأقل منها تحقيق مناطق مميزة متجانسة قد يحاولون اكتساب السيادة مما قد يثير ردود عنيفة من المدافعين عن الوضع القائم.

بطبيعة الحال هناك مجتمعات متعددة الاعراق ما زالت ضعيفة في الوعي العرقي ولديها إحساسا قويا وأكثر بان الدول المتقدمة في العرق قد تؤدي الى مطالبات سياسية قصيرة من السيادة. فاحيانا هنالك مطالب الحكم الذاتي العرقي او تقرير المصير لا يمكن مواجهته داخل دولة موجودة كمطالبات الكتلونيين في اسبانيا والفلمنكيين في بلجيكا والاسكتلنديين في المملكة المتحدة رغم ما قد تم الوفاء به بهذه الطريقة على الاقل في الوقت الحالي. لكن هذه الترتيبات لا تزال غير مستقرة وتخضع لإعادة التفاوض المتكرر. اما في العالم النامي وبناء على ذلك فان الدول الاحدث فلها حدود غالبا ما تتخطى الحدود الاثنية ومن المرجح ان المزيد من التقسيم العرقي الناتج عن النزاع الطائفي سيكون سائدا وان بمجرد العداء العرقي فانه قد تخطى عتبة معينة من العنف لذلك سيكون الحفاظ على المجموعات السياسية المتنافسة داخل الدولة الواحدة تصبح أصعب بكثير.

هذه الحقيقة ستخلق معضلات لدعاة التدخل الانساني لمثل هذه النزاعات لأن صنع السلام وحفظ الجماعات حين تسود الكراهية والخوف تتطلب تكلفة عسكرية دائمة لتكوين اساس للاستقرار وعندما يصعد العنف الطائفي والتطهير العرقي الى مستويات عالية فان عودة الاعداد الكبيرة من اللاجئين الى مواطنهم الاصلية بعد وقف اطلاق للنار قد يتم التوصل اليه في كثير من الاحيان غير عملي وغير مرغوب فيه, اذا ان وقف اطلاق النار هذا قد يمهد السبيل لاجراء جولة أخرى من الصراع .

وهكذا يمكن ان يكون التقسيم اكثر انسانية كحل دائم لهذه النزاعات الطائفية المكثفة التي ستخلق تدفق موجات جديدة من اللاجئين وانها تتعامل مع هذه المشكلة بهكذا مسالة والتحدي الذي يواجه المجتمع الدولي في مثل هذه الحالات هو الفصل بين معظم المجتمعات بطريقة انسانية ممكنة عن طريق المساعدة في النقل وضمان حقوق المواطنة في وطن جديد وتوفير مساعدات مالية لاعادة التوطين والاستيعاب الاقتصادي. وبالتاكيد فان كلفة كل هذا سيكون هائلا لكنها لن تكون اكبر من التكاليف المادية للتدخل الاجنبى والحفاظ على وجود عسكري كبير بما يكفي لتهدئة الخلافات العرقية المتناحرة او وقف المقاتلين او تكلفة عدم القيام بأي شيء.

وعلماء الإجتماع المعاصرين الذين يكتبون عن القومية يميلون الى التأكيد على ان مجموعة العناصر لوحدات الهوية ومدى الوعي الوطني الثقافي والسياسي يصنعها المذهبيون والسياسيون. ومع انه سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن القومية هي جزيئية او هشة بسبب بنائها الا ان القومية العرقية تقابل بعض النزعات الدائمة للروح البشرية والتي هي بفعل عملية انشاء الدولة الحديثة وعامل حاسم لمصدر كل التضامن والعداوة بشكل او بآخر وسيبقى لأجيال كثيرة قادمة. ولا يسع المرء الربح فيها الا ان من مواجهتها مباشرة.

وبعد عقود من المكاسب التاريخية فإن العالم قد انحدر الى الركود بالنسبة إلى الدولة الديمقراطية. والدولة التوسعية اخذه في الارتفاع وتهدد كل من الديمقراطيات الراسخة والناشئة في جميع انحاء العالم. ولكن هذا الاتجاه يمكن عكسه مع اقامة الحكم الرشيد والمساءلة الصارمة وبمساعدة من المساعدات المشروطة من الغرب.

فمنذ عام 1974 تحولت اكثر من 90 بلدا الى الديمقراطية  وقبل نهاية هذا القرن كان هنالك حوالى 60 % من الدول المستقلة في العالم هي دول ديمقراطية. فالديمقراطيات في المكسيك واندونيسيا فى اواخر التسعينات والاحدث عهدا في "الثورات الملونة" في جورجيا وأوكرانيا شكلت قمة من موجة المد والجزر من التحول الى الديمقراطية . حتى في العالم العربي اصبح الاتجاه واضحا ففي عام 2005 كانت القوى الديمقراطية في لبنان قد ارتفعت بسبب الاغتيال السياسي والعراقيين صوتوا في انتخابات برلمانية متعددة الاحزاب بعد غزو واحتلال مستمر نتج عنه اكثر من مليون قتيل بسبب التطهير الطائفي والعرقي والعمليات العسكرية ولاول مرة منذ ما يقرب من نصف قرن.

ولكن الاحتفالات بانتصار الديمقراطية  سابقة لاوانها. وخلال سنوات قليلة فإن الموجة الديمقراطية قد تتباطا من جانب قوى التيار الديكتاتوري الرشيد وقد ينحدر العالم الى ركود الدولة الديمقراطية. فالديمقراطية في الاونة الاخيرة اطيح بها أو خنقت تدريجيا في عدد من الدول الرئيسية بما فيها نيجيريا وروسيا وتايلند وفنزويلا وكان آخرها بنغلاديش والفلبين. وفي كانون الاول 2007 تم تزوير الانتخابات في كينيا ولقيت الديمقراطية آخر نكسة مفاجئة وعنيفة.

في الوقت نفسه فإن معظم القادمين الجدد الى النادي الديمقراطي وبعض أعضاء ذات التاريخ الديمقراطي الطويل الأم كان الاداء سيئا. وحتى في العديد من البلدان التي ينظر الى قصص النجاح فيها مثل شيلي وغانا وبولندا وجنوب افريقيا فان هناك مشاكل خطيرة في الحكم وجيوب عميقة من عدم الرضا. وفي جنوب آسيا حيث سادت الديموقراطية للمرة الاولى فيها في الهند فهي الآن محاصرة بدول غير مستقرة سياسيا ودول غير ديمقراطية. وتطلعات التقدم الديمقراطي احبطت كل مكان في العالم العربي باستثناء المغرب سواء عن طريق الاحتلال وما نتج عنه من مواجهة اسهمت ببروز التطرف والعنف السياسي والديني (كما في العراق) وخارجيا بالتلاعب بالانقسامات المجتمعية (كما هو الحال في لبنان) او نظم الحكم الاستبدادية للمشيخيات والملكيات (كما هو الحال في مصر الاردن وبعض من دول الخليج العربي).

قبل ان يمكن ان تنتشر الديمقراطية يجب عليها ان تتخذ جذور لها بشكل اعمق وهو المبدأ الأساسي من أي حملة عسكرية او الجيو- سياسية وانها في مرحلة ما عليها ان تقدم القوة لترسيخ المكاسب قبل ان تحرز على مزيد من الاراضي. والديمقراطيات الناشئة يجب ان تثبت أنها قادرة على حل المشاكل على الحكم والوفاء بالتزاماتها نحو توقعات المواطنين من اجل الحرية والعدالة والحياة ألافضل والمجتمع ألاكثر عدلا.

واذا كانت الديمقراطيات لا تحتوي على انظمة اكثر فعالية ضد الجريمة والفساد او توليد النمو الاقتصادي والتخفيف من التفاوت الاقتصادي اوتأمين الحرية وسيادة القانون وبالتالي فان الناس في نهاية المطاف سوف يفقدون الثقة وسينتقلون الى بدائل سلطوية. وعلى الديمقراطيات ان تناضل ويجب ان تكون متوحدة حتى يتسنى لجميع شرائح المجتمع بشكل دائمى ان تصبح ملتزمة بالديمقراطية بوصفها أفضل شكل للحكومة والى القواعد الدستورية والقيود لبلدهم. ويمكن لواضعي السياسات الغربية ان يساعدوا في هذه العملية حيث يتطلب الامر اكثر من السطحية الانتخابية للديمقراطية. ومن جانب اخر يمكن جعل المعونة الاجنبية للحكم الرشيد ان يساعد الجهات المانحة على عكس الركود الديمقراطي . الا ان واضعي السياسات الغربية والمحللين اليوم لم يعترفوا بنطاق الركود الديمقراطي لاسباب عديدة منها  ان التقييمات العالمية للديمقراطية من قبل إدارة بوش تعتمد على تقييمات من قبل منظمات مستقلة مثل دار الحرية التي تميل الى ان تستشهد بالعدد الاجمالي للديمقراطيات ومجموع الاتجاهات في تقييمها لحال الديمقراطية العالمية بينما تهمل الحجم والاهمية الاستراتيجية للبلدان المعنية.... ..

فالمناخ من الخوف والشعور بالعجز الناجم عن التهديدات الخارجية الناجمة عن التدخل الاحمق في العراق قوضت المثل الاميركية وانضجت السياسية الغوغائية.

فخلال الحرب الباردة فإن التهديد الذي كانت تمثله الاسلحة النووية وضعت مصير العالم في ايدي قلة قليلة. ولكن عندما يتعلق الامر بادارة مخاطر القرن الحادي والعشرين والسياسة الطائشة المتبعة فان الاستجابة لتحديات اليوم وتهديدات التطرف والكوارث الطبيعية يتطلب مشاركة واسعة من المجتمع المدني. فالمتطرفين والادارة الامريكية اختاروا ساحات القتال ومن المرجح ان يكون المدنيين وليس الجنود هم خسائر المعارك لكلا الطرفين.

 فموت الابرياء سيولد مناخ من الخوف والشعور بالعجز في مواجهة الشدائد وتقويض الايمان والمثل الاميركية ستنضج السياسية الغوغائية للسياسة الامريكية. وسيتوقف في نهاية المطاف ادامة الولايات المتحدة "للقيادة العالمية والقدرة على المنافسة الاقتصادية وعلى تدعيم صمود مجتمعها".

فالمرونة ظلت تاريخيا واحدة من القوى الوطنية الكبرى لسياسة الولايات المتحدة. وكانت هذه النوعية من السياسات هي التي ساعدت في السيطرة العالمية وسمح للبلد على مواجهة التحديات غير العادية التي واجهت التجربة الاميركية.

هذه الاتجاهات النزولية بدات بعد قيادة واشنطن في الاتجاه المعاكس. فمنذ 11 أيلول 2001 والبيت الابيض لم يوجه على على العمل التطوعي والابداع في مواجهة الشدائد. وبدلا من ذلك ارسل رسائل مختلطة بان التطرف بوصفه خطرا واضحا وماثلا   وخلافا لما جرى خلال الحرب العالمية الثانية عندما كان سكان الولايات المتحدة بأكملها قد تم تعبئتهم وبعد عقود من مكافحة التجسس السوفياتي خلال الحرب الباردة فان جهاز الامن الاتحادي جعل الخوف من كشف معلومات اهم سمات هذه المرحلة ووصلت النتائج الى ما وصلت اليه.

والمرونة تعني وجود وسائل جديدة لاستيعاب الدروس التي يمكن استخلاصها من الكارثة. فمن الحماقة ان تذهب الى مجتمع يعود الى العمل كالمعتاد في اقرب وقت بعد يمسح الغبار جراء عملية عسكرية ما فالناس يجب ان يكونوا على استعداد تام لجعل عملية التغييرات تاتي بعد اصلاح الاسباب بشكل جذري وليس دفع تعويضات منازلهم واعمالهم من جيوبهم لدفع التكاليف فالمجتمعات المحلية بحاجة الى تحسين اوضاعهم بالقوة وسعة الحيلة والقدرة على استعادة امكانياتهم قبل الازمة المقبلة والعنصر الاخر هو الصمود والذي هو القدرة على استعادة الامور الى طبيعتها في اسرع وقت ممكن بعد وقوع الكارثة.

ونحن اليوم في باب شان اصلاح المجتمع والامة بعد هذه المقدمة التاريخية والسياسية للسياسات العرقية والاثنية التي ولدت الماسي من القتل والتهجير والسياسات الخاطئة التي اتبعت لتزيد الازمات ولا تجعلها في طريق الاصلاح تجعلنا اليوم من تقديم النظرة الاسلامية الجديدة والرؤية الاخرى لما يجري وسيجري على ارض امتنا.

ولئن كنا نتحدث عن انقسام العالم إلى أهل حقٍّ وأهل باطل فإنه لابد من الحديث عن تقابلٍ يُظهر خلفية كلٍّ من الفريقين، وهو التقابل بين الكفر والإيمان.

ولا ينبغي أن يروِّعنا استخدام الآخرين لبعض المصطلحات التي يستعيرونها من القرآن ثم يغيِّرون وجهتها، فالقرآن جاء فيه: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[الأنفال:60] ودلَّ بكلمة "الإرهاب" على بناءٍ حضاريٍّ إيجابيٍّ يخيف العدو فلا تمتد يده لسرقة الأمة والعدوان عليها.

وأصبحنا اليوم نحتاط - لكثرة ما مارسه الإعلام وما هم وراءه - من ترديد كلمة "الإرهاب" على أنها مرادفة للتطرف، بينما الإرهاب لا يكون في التطرُّف بل يكون في الوسطية، لأنه بناء حضاريّ.

المصطلح الآخر هو "التكفير" الذي يطلقونه أيضًا في هذه الأيام على من انحرف فكرُه وشذَّ عن الصراط المستقيم. ولئن كان مصطلح "الإرهاب" مرَّ في كتاب الله سبحانه مرة، فإن مصطلح "التكفير" يُذكر مئات المرات في القرآن.

فما الذي يشهده العالم اليوم؟ وما سر هذه الفوضى المحلية والعالمية؟ وكيف نفسر من المنظور القراني لما يجري على أرض العراق من احتلال وحرب وتدمير؟

ربما تكون المصلحة والمسالمة والمواطَنة من البواعث التي تحدُّ من السلوك الشرير، لكن الإيمان يبقى خيرَ باعث، وفي المقابل نجد أن القرآن الكريم يسلط الضوء على مصطلح الكفر، والذي يقع في الكفر ينطلق من العمى، لأن الكفر هو الستر، وانه ينطلق من الغطاء لا من البصيرة ومن العمى لا من الإبصار .

ومن هنا فإن القرآن صرح تصريحًا لا مجال للّبس فيه، حين تتبع بعض العلماء المعاصرين كلمة "الذين كفروا" منطلقًا من قوله سبحانه: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} فكانوا يتتبعونها في مواضع ورودها في القرآن ليبين كيف تعامل القرآن مع هذا المصطلح، وكيف تعامل معه تعاملاً موضوعيًّا من خلال القرآن كله؟

1- خاطب الذين كفروا بخطابٍ علميٍّ حكيم: حيث وجّه الألباب ونبّه العقول، فما كان هذا القرآن العظيم في خطابه للذين كفروا دائمًا يخاطبهم على وجه التهديد بنار جهنم، بل نبّه عقولهم أولاً، ومارس دور تنبيه العقول وتوجيه أذهان البشرية.

فعلى سبيل المثال نقرأ قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ، وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ، وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 31-32].

وهكذا كان يخاطب الذين كفروا بهذا الخطاب المغري للآيات، والمغري بعجائب الصنعة، لعلّه إن تأمل في عجائب الصنعة تسوقه تأملاته إلى صانعها سبحانه.

2- وبعدها نبّه القرآن إلى أخطاء الذين كفروا: ونقرأ مستوياتٍ ثلاثةً في القرآن الكريم:

* فقد نبّه إلى أخطاء عَقَائديةٍ تمس العقيدة، فوقعوا بسبب العمى والكفر (الستر والغطاء) في الخطأ العَقَائدي.

1- تعظيم غير الله بقلبوهم: ومن ذلك قولُه تعالى وهو يعالج القضية ويشرحها: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1] أي يجعلون له عدلاً ومكافئًا ومساويًا، فقد تكون المصلحة إلههم، وقد يكون المال إلههم، وقد تكون النفس إلههم، وقد تكون الغريزة إلههم... إنه خطأ عَقَديٌّ من خلال تعظيم غير الله بقلوبهم.

2- استهزاؤهم برسل الله عليهم الصلاة والسلام: وهو خطأ له صلة بالعقيدة والسلوك، فقال:

{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} أي للذين كفروا فاستهزؤوا بهؤلاء الرسل الكرام، {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [الرعد: 32] وهذه الآية دالَّةٌ على أن الله سبحانه وتعالى لا يُنـزل بعد الاستهزاء بالرسل عقابًا مباشرًا إنما يملي لهم يزيدهم طغيانًا حتى يحق عليهم القول.

3- إنكارُ اليوم الآخر: قال سبحانه: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا} وهذا ما عليه المادية والعلمانية الملحدة التي تتحرك بقوة على أرض أوربا المادية وعلى أرض أمريكا في الغرب، وحتى في اليابان وفي الصين وفي الدول التي بدأت تتفرنج كما يقولون، {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7].

ب- ومن الأخطاء السلوكية العملية التي نبه القرآن إليها: الرغبة في القتل، والرغبة في الإخراج، والرغبة في سجن أهل الحق... وإن كان الخطاب قد توجه بالمفرد وكان يشير إلى رغبة الكفر في أن يكون ذلك حالاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمثل إمامة أهل الإيمان.

* يقول سبحانه وتعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} ولاحظوا كيف يعطي الوصف الذي هو الباعث، {لِيُثْبِتُوكَ} أي ليسجنوك، {أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} فكان هذا الكفر باعثًا على الرغبة في حبس أهل الإيمان أو قتلِهم أو إخراجِهم، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].

* وقال سبحانه منبهًا هذه الأمة: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} [البقرة: 217] فلا توقف لهذا الأمر أبدًا.

* وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ} [الأنفال: 36] أي ليكون هذا المالُ سببَ قطعِ طريقِ الإنسان حين يريد التوجه إلى رشاده وتوازنه.

وسبيل الله هو الصراط المستقيم، وهو الوسطية والعلم والحضارة... ولا تنظروا إلى واقعنا، فواقعنا لا يعبِّر عن صراط الله المستقيم، فنحن نقترب في سلوكنا لكن واقعنا وتفاعلنا مع دين الله وصراطه إنما هو تفاعلٌ هامشيٌّ لا يعبر عن هذا الدين العظيم الذي تَفَاعَلَ أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم معه فكانوا سادة العالم، ولو تفاعلنا مع هذا الدين نكون سادة العالم، لأنها معادلة: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ} [النور: 55].

وانظروا إلى هذه الأخطاء السلوكية التي يقع فيها الذين كفروا... هكذا المصطلح القرآنيّ.

- ثم قال: {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} و"ثم" للتراخي، ولم يأتِ بـ "فاء العاقبة" التي تفيد السرعة إنما قال: "ثم" حتى نتعلم الصبر، ونتعلم سنن الله، {ثُمَّ يُغْلَبُونَ} وما قال: فيغلبون، {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ، لِيَمِيزَ اللّهُ} في مثل هذه الحالة {الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ..} إنها حالة اختبار لنا نحن فيها المختبَرون، فهو اختبارٌ توجَّهَ إلينا حتى يتم فرز أصحاب الصدق والثبات.

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] أين هؤلاء الذين تحدث القرآن عن صدقهم؟ وليس هذا الصدق بالصراخ، إنما يترجم الصدق بحركةٍ وسلوكٍ وبناءٍ وعمل، ويترجم بتعمير البواطن ثم بملاحظة استقامة الظواهر، وبالتفاعل عملاً وسلوكًا مع القرآن بكل ما في هذا القرآن...

- ثم قال: {ويَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ} ففينا من ينجذب إلى الخبيث، فهو يزعم الإسلام ويدعيه، لكن باطنه ينجذب إلى الكفر وأهله، وهكذا يلتحق بعد الاختبار كلُّ خبيث بخبيث ويبقى الطيب مع الطيب.- ثم قال: {فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا} ليجتمع في صفٍّ واحد، {فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأنفال: 36-37].

ج- ومن الأخطاء الخُلُقية التي نبّه القرآن إليها والتي وقع فيها الذين كفروا: وهي تمثل توصيفًا للسلوك مع ذكر الباعث، فالباعث كان الكفر لأنه حالةُ تيهٍ وحيرة، وبعد ذلك يظهر الاعوجاج الخلقيّ:

* {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [ص: 1-2] إنه الاستكبار والرغبة في الاختلاف، والرغبة في الخصومة، والرغبة في المنازعة...

* ومما يعين على عدم الوصول إلى الهداية ما يُرى من الإباحية والفسوق على أرض الغرب، وقد سرى هذا الأمر مع الأسف إلى بلاد الإسلام، وبدأ ينتشر فيها انتشارًا شديدًا، فالذي يعرف ما يجري على أرض بلدنا والبلاد الإسلامية المحيطة بنا مما يَندى له الجبين من الأمور المخلة بالأخلاق يعلم إلى أين وصلنا.

قال تعالى: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 33] فنبَّه أن الفسق حاجب آخر إذا أضيف إلى الكفر، فإنه يغلق البصيرة إغلاقًا تامًّا، فلا يصل الإنسان إلى الإيمان أبدًا.

على أن القرآن عرّفنا ببصيرة الإيمان، وأشهدنا ببصيرة التصديق حال أهل الكفر، وأشهدنا ما هم عليه في الحقيقة لأنهم في عمى، والأعمى لا يبصر، لكنه سبحانه أشهدنا حقائقهم.

واسمعوا إلى القرآن وهو يكشف الغطاء عن هذه الحقيقة:

- {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} فهم في حالة الانبهار بالمادة، {وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة: 212].

- ويقول سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ} [محمد: 12] فهذه هي صورتهم.

- وقال: {الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ، رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ، ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 1-3].

- وقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ} [آل عمران: 10] هذا مشهد الذين كفروا ببصيرة أهل الإيمان من خلال تصديق القرآن.

- وقال أيضًا:{وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [آل عمران: 179].

- وقال: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196-197].

- وقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور: 39] وهذه صورة قرآنية عجيبة، لو أن أهل الإيمان أدركوا أبعادها لقادتهم إلى الثبات. فمهما رأينا - ونحن في مدة الاختبار - من غطرسة، ومهما رأينا من علوٍّ وطغيان، ومهما رأينا من إملاءٍ أملاه الحق سبحانه لهم، ومهما رأينا من تفوُّق... لكن علينا أن نعلم أن الصورة هي صورة سراب.

فمكرهم بالإسلام مهما كان قويًّا هو في النتيجة كسراب، ورغبتهم في إلغاء الإسلام مهما كان تدبيرها يستند إلى القواعد فإنها بائدة كسراب، مهما أرادوا أن يطفئوا نور الله... يريدون إلغاء المقاومة، ويريدون إلغاء فكرة الجهاد، وقد ألغي الجهاد الآن من الخليج، حيث ألغي تشريع الجهاد من الكتب، فالمناهج صدرت في دول الخليج وألغي فيها ذكر الجهاد إلغاء تامًّا.

إذًا: هم في خطواتٍ عملية في تزوير المصطلح، فالإرهاب الذي هو بناءٌ حضاريٌّ صار في أذهاننا يعني التطرف، والتكفير مخيف، والجهاد ينبغي أن يُنسى، وهم يدعون إلى وحدة الأديان ويقولون: الإسلام يساوي اليهودية، ويقولون: ينبغي أن يدخل الإسلام إلى المسجد، ويمكرون ويمكر الله، لكن إذا لم يكن لدينا أن "أعمالهم كسراب" فإننا سنتأثر وسوف ننحرف عن طريقنا.

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ} [النور: 39] عند مكرهم تجد الله يدبِّر ثم يدمِّر: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [النور: 57]

وفي النتيجة ينبغي أن نقرأ التوجيه القرآنيَّ إلينا وهو سبحانه يخاطب أحب الدعاة إليه حين قال لحبيبه: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف‏: 35]

ويومًا من الأيام وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وحوله ما يزيد على مائة ألف من أصحابه ونـزل قوله تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ} [المائدة: 3].

يومًا من الأيام سنقرأ هذه الآية حينما نجد الله عند هذا السراب الذي هو أعمالهم ومكرهم وتدبيرهم...

يومًا من الأيام سيظهر الإسلام..

يومًا من الأيام سيكون الإسلام سيد الأرض رغمًا عن أنوفهم..

يومًا من الأيام سيتفوق عدل الإسلام على ظلم المادية، وسيتفوق خُلُقُ الإسلام على اللاخلقية، وستتفوق أمانة الإسلام على غشهم وسرقتهم وأكاذيبهم وخداعهم... يومًا من الأيام سوف تتفوق طهارة الإسلام على تلوثهم، وعلى دنسهم، وعلى انحلالهم... يومًا من الأيام سيتفوق تواضع المسلم على تكبُّر الكافر.. يومًا من الأيام سيتفوق ما في المسلم من إيمان على ما في المادية الملحدة من الكفر... وعندها نتلو قوله تعالى كما تلاه رسول الله: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ}.

قال تعالى: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139] ولا ينحصر معناها في السيادة السياسية, إنما أنت الأعلى حين تستطيع أن تتجاوز الفتنة, فأنت الأعلى فوق الفتنة, لأن الفتنة لا يمكن أن تكون جاذبة لك. فكان كبار أهل المعرفة يقولون: أَغْلِ ثمنَك أيها الإنسان, حتى لا يقدر على شرائك غير الله:

{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 111]

فإذا كان الله يشتري فلا يمكن أن تُقدّم نفسك لغيره, وغيرُه لا يستطيع أن يدفع الثمن الذي يدفعه الله, ولا يستطيع أن يكون منافسًا في الشراء لله, فأَغْلِ نفسك ليكون كلُّ ما سوى الله عاجزًا عن شرائك.

For more question or explanation stay with  the web site, www.nasr-i.org

Or call:  Info@nasr-i.org    

Copyright © 2006 . All rights reserved to N A S R , Nothing in this publication may be reproduced without the permission of the publisher.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.