14 Jul
14Jul

عادة ما تكون العديد من القضايا الأكثر إثارة للجدل في السياسة الدولية هي تلك التي لا تسمع ابدأ في وسائل الإعلام العامة. في حين يمكن أن تستند وتعزى الصراعات الإقليمية أو النزاعات بين بلدين بسبب قرون من العداء، وقد يكون خلق إحساس بسوء النية قد يتجاوز أي تفسير منطقي. كما قد يؤدي إلى نتائج عكسية كما يمكن أن تكون هذه النزاعات الإقليمية، ليست ذات تأثير مباشر على الأوضاع العالمية. لكن في بعض الأحيان ولا سيما عندما تكون البلدان المعنية بارزة كإحدى الدول الحليفة للقوى العالمية فان كل بلد سيمتلك دلالة عالمية عميقة أكبر بكثير مما قد توحي به حجمها وحدها. تاريخيا، وجغرافيا وسياسيا.

من الصعب أن تقول الولايات المتحدة الأمريكية وداعا للعراق ولماذا يجب عليها أن تنسحب في كانون الأول 2011؟.

تم الضغط من البيت الأبيض من اجل دعوة المالكي للقوات الأمريكية بالبقاء في العراق بعد الموعد النهائي للانسحاب المرتقب. بعد تأكيد أوباما على جميع قوات الولايات المتحدة بالانسحاب من جميع الأراضي العراقية في موعد أقصاه 31 كانون الأول 2011. لكنه أمر صعب بالنسبة للجيش الأمريكي ليقول وداعا للعراق، فبعد 21 عاما، وبما ما يقرب من 4000 يوما من فرض مناطق حظر الطيران و3000 يوما من عمليات تحقيق الاستقرار منذ حرب الخليج الأولى. بدأ المسئولون بوزارة الدفاع الأمريكية مؤخرا عمليات التسول والخداع لإجبار الحكومة العراقية أن تطلب من الولايات المتحدة البقاء.  في نيسان 2011 قدم الأميرال مايكل مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، للمالكي إنذارا نهائيا حين صرح " في رغبة الحكومة العراقية لمناقشة الإمكانيات الكامنة لبعض القوات الأمريكية بالبقاء"، كما حذر من "أنه يجب أن تبدأ هذه الرغبة بالظهور قريبا وقريبا جدا حيث انه ينبغي أن تكون هناك فرصة لتجنب العوائق اللوجستية لضمان نجاح القرارات التنفيذية ".  وبينما بغداد حتى الآن تبدو أنها غير قادرة على حزم رأيها. فهناك بعض الزعماء السياسيين محسوبين على اللوبي الخاص للقوات الأمريكية يريدون بقاء القوات، وفقط في مجال التدريب وتقديم المشورة. بينما لا يزال معظم العراقيين والعديد من الأعضاء في البرلمان العراقي قد سئموا من استمرار الوجود العسكري الأميركي، الذي يعتبر مشكلة منذ أن أصر المسئولون الأمريكيون على أن تكون الموافقة على SOFA مرتبطة بموافقة البرلمان. في حين يستعد البيت الأبيض لإبقاء 10000 من القوات البرية في العراق بعد نهاية هذا العام. لسببين كما سيعلن. الأول هو منع إيران من تزويد العبوات الناسفة والصواريخ إلى الميليشيات الشيعية في العراق التي استخدمت هذه الأسلحة لقتل الجنود الأمريكيين. حيث وفقا لمسئولين أمريكيين، قتل تسعة من الجنود الأميركيين أل 15 في العراق في حزيران 2011 من مثل هذه الهجمات. والثاني هو أن مجرد وجود القوات الأمريكية بهذا العدد 10000 سوف يخفف من التأثير الإيراني على المدى الطويل في العراق، والذي كان ساحة معركة بالوكالة بين واشنطن وطهران منذ ثلاثة عقود.

لكن هناك بعض الملاحظات مع هذا المنطق. حيث لا معنى للولايات المتحدة للحفاظ على الجنود في العراق لمنع الإيرانيين من توفير الأسلحة للشيعة العراقيين لقتل الجنود الأمريكيين في العراق. خاصة بعدما نشرت وزارة الدفاع الأمريكية في تقرير لها صدرا أخيرا "قياس الأمن والاستقرار في العراق" بأنه "سوف تستمر إيران بتزويد وكلائها من الجماعات الشيعية في العراق بالتمويل والمساعدات الفتاكة، معتمدة على معايير عدة، بما في ذلك تقييم إيران لموقف القوة الأميركية خلال إعادة الانتشار ". وبعبارة أخرى، سوف تستمر إيران بسلوكها باستهداف القوات الأمريكية طالما هناك جندي أمريكي في العراق، مما يوحي بأن الطريقة ألأضمن وألاسرع في منع إراقة المزيد من الدماء هو سحب ما تبقى من الجنود الأمريكيين في الموعد المحدد. علاوة على ذلك، وبغض النظر عما تفعله الولايات المتحدة، سوف تستمر إيران في محاولة للتأثير على العراق. فطهران لديها مصلحة إستراتيجية في التركيبة السياسية لجارتها، وسوف تستخدم مجموعة من المبادرات بما في ذلك -- القوة الناعمة -- للوصول إلى المتعاطفين مع الأحزاب السياسية، مثل حزب الدعوة الإسلامي، حزب المالكي لتوفير الأسلحة إلى الجماعات المتطرفة الشيعية لاستهداف القوات الأمريكية اليد العليا في المنطقة.

ومواجهة هذه المحاولات لن يكون في المقام الأول وظيفة وجود الولايات المتحدة المقلصة والمقيدة عسكريا؛ فالدبلوماسيين هم أكثر ملائمة لمثل هذه المهمة، والانتقال إلى البعثة المدنية التي تقودها الولايات المتحدة في العراق هي جارية بالفعل. فبعد عام 2011، سيكون وجود الولايات المتحدة المدني في العراق واسع النطاق. حيث سوف تنشر وزارة الخارجية الأمريكية في نهاية المطاف 17000 موظفا في 15 موقعا في أنحاء البلاد، من إضافة إلى 5100 من المتعاقدين الأمنيين.

وإذا كان 46000 جندي أمريكي في العراق الآن وقبلهم (166000 من القوات الأمريكية المنتشرة خلال 2007) لم يكونوا قادرين على إغلاق تدفق الأسلحة الإيرانية، فليس هناك من سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه القوات 10000 التي تريد إدارة أوباما إبقاؤها يمكن أن تفعل ذلك. وحتى لو واصلت إيران تدفق الأسلحة إلى العراق بعد عام 2011، فإن الولايات المتحدة لديها خيارات عسكرية قليلة لمعالجة المشكلة على طول الحدود بين إيران والعراق والبالغة 900 كيلومتر.

يمكن للولايات المتحدة استهداف العناصر الأصولية خارج العراق والتي ترتبط بالحرس الثوري الإيراني. ولكن ذلك لن يكون من الحكمة أيضا. وسوف ينظر إلى مثل هذا التحرك ضد إيران على انه هجوم على الدولة، وسيصدر بأعمال انتقامية من شأنه أن يضع الأميركيين في العراق في خطر فوري.

تعتقد إدارة أوباما أن عدم مغادرة القوات الأمريكية للعراق سيمنع الانطباع بأن إيران هي التي "تقود المعركة الأمريكية" كما قال مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأمريكية ولذلك تفكر واشنطون بإعادة في سحب القوات إلى أجل غير مسمى وان إبقاء الولايات المتحدة لا ينبغي أن يقتصر على عشرة آلاف جندي في العراق وان لا يعتمد الوجود الأمريكي  على تغيير مزاج الأسباب النفسية للنظام الإيراني، او يعتمد على محاولة تغيير تفكير هيكل القيادة السياسية في طهران. وعلاوة على ذلك، ينبغي إلا تقوم إستراتيجية الولايات المتحدة في العراق على ما قد تقوله طهران عن ذلك.

بدلاً من ذلك، على الولايات المتحدة أن تبني إستراتيجيتها في العراق على تقييم متبصرا لمصالحها، مما يعني إنهاء الوجود العسكري الأمريكي، لكي يحد من العبء المالي للعملية على دافعي الضرائب في الولايات المتحدة، وان تقوم بتقديم المساعدة إلى العراق ليتمكن من الدفاع عن حدوده عاجلاً أم أجلاً.

 (وربما قبل ذلك) يجب على العراق أن يكون قادرا على حماية أراضيه السيادية. في إدارة موارده وان ينجح في تجاوز لعنة جحيم الموارد.  فالمسالة أساسا هي مسألة بغداد السياسية، والتي كانت مفتقرة عندما كانت القوات الأمريكية 166,000 وهي تقاتل المقاومة السنية بتكلفة 12 بليون دولار في الشهر في عام 2007، وما زالت تفتقرها إلى اليوم.  وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تواصل الولايات المتحدة المساعدة في بناء القدرات العسكرية للعراق. كما هو الحال في بلدان أخرى، وهذا الجهد ينبغي أن تقوده وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن والسفارة الأمريكية ومكتب التعاون الأمني في بغداد. وينبغي أن تشمل جهود التدريب وزارة الداخلية الشرطة وقوات الحدود العراقية وتعليم الضباط العراقيين في الولايات المتحدة في الكليات والأكاديميات الحربية وإجراء التبادلات العسكرية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية. والولايات المتحدة يمكن أن تساعد أيضا ببيع العراق الأسلحة التقليدية المتقدمة؛ حيث أن العراق مهتم بشراء 36 طائرة مقاتلة و 16 من شركة لوكهيد مارتن. وإذا استطاعت إدارة أوباما من إقناع المالكي بطلب من القوات الأمريكية البقاء، فيجب أن يوضح ما هي القيود التشغيلية، وتقديم جدول زمني جديد للانسحاب. وعلاوة على ذلك، فهناك معارضة من ثلثي مواطني الولايات المتحدة للحرب والتي أسفرت عن مصرع آلاف من الجنود ألأمريكيين، لذلك ينبغي الضغط على أوباما أن يقدم سببا واضحا ومقنعا حول تركه عشرة آلاف جندي في العراق من اجل المصلحة الوطنية للولايات المتحدة، وعلى وجه التحديد، كيف أنه سيمكنهم من تخفيف النفوذ الإيراني. وعلى الرغم من إتقانه للخطابة والبلاغة، فهناك احتمالات من أنه سوف لن يكون قادراً، والسبب أن على الولايات المتحدة تنفيذ معاهدة 2008 الآن وإنهاء وجودها العسكري في العراق.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.