تحالفات عابرة
د. مهند يوسف
زيارة البابا فرانسيس الى العراق في بداية اذار 2021 والتساؤلات والاهداف والامال التي عقدت على هذه الزيارة فتحت الباب على المعرفة التاريخية الصليبية اليسوعية الكاثوليكية حماة المعبد وفرسان الصليب مع الباطنيين الشيعة حماة الامام المنتظر منذ القرن العاشر الميلادي وحتى اليوم.
كلنا يقرأ ويبحث عن أثر الدافع الديني في توجه القوى الغربية للمشرق الاسلامي سواء كان حربا وابادة على السنة او تحالف وتعاونا مع الشيعة, فالدين يمثل دائماً قوة رئيسية في السياسة النصرانية الكاثوليكية فهو يمثل، سياسة، وهوية، وثقافة.
وربما لا نغالي ان اكدنا ان الدينُ يُشكّلُ شخصَية الأمة الكاثوليكية، ويُساعدُ على تَشكيل أفكارِهم حول العالمِ، ويُؤثّرُ على طرقَهم في َرْدُّهم على الاحداثِ التي تحدث خارج حدودِهم. ويُوضّحُ الدينُ إحساسهم بأنفسهم وإعتقادَهم الذي يوجب عليهم نشر قِيَمِهم ودينهم في كافة أنحاء العالم بداعي الهداية البشرية كما يسمونها, واليسوعيون على مدى تاريخهم كانوا من اكبر المخلصين الكاثوليك في حمل تلك الرسائل والمهام التي وقعت على عاتقهم التاريخي من خلال البعثات والتبشيرية او الحملات الصليبية. فالفرسان الصليبيين اعتبروا هذا اللقاء خطوة باتجاه إحياء وإنعاش المنظمة الكاثوليكية الاصولية ذات الجذور الصليبية.
بالمقابل توافقت المذاهب الشيعية وخاصة الاصولية منها كالاثني عشرية الذين يعدون الاكثر اخلاصا واصولية من المدارس الشيعية الاخبارية الاخرى في تعزيز فكرة الامام المنتظر صاحب الزمان. ومع هذه المبادىء ووجدت عند الكاثوليك الحليف والمعين والصديق على مدى تاريخ امتد اكثر الف سنة.
فالدين مهمُ جداً بالنسبة إلى الحياةِ لهؤلاء والذي يخفي ورائه مزيجِ من التطلعات والسياسات والامال. فالمحاربون وعلى كُلّ الجوانب المهمةِ من افعالهم يتطلعون الى المبادئَ الدينيةَ بإنتظام لدَعْم وجهاتِ نظرهم، رغم ان البلاد الاسلامية متنوّعة دينياً بشكل واسع بِحيث تدعم تقريباً أيّ سياسة خارجية معقولة يُمْكِنُ أَنْ تُوْجَدَ في اي مكان في العالم.
ورغم ذلك فميزان القوى بين العقائد الدينيةِ المختلفةِ تتغير بمرور الوقت؛ الا انه في الجيلِ الأخيرِ، إنتقلَ هذا الميزانِ بشكل ملحوظ، وبنتائجِه المثيرةِ. الى الإتجاهات الأكثر محافظةً ضمن الكاثوليكية والشيعية وكَسبتْ الأتباعَ بشكل كبير،على حساب الاكثريات التي سيطرتْ على المنطقة سَنَواتِ طويلة والتي أضعفتْ بشكل واضح في هذا الوقت والتي ادت الى هذا التغييرِ للوسائل العميقةِ في السياسة الخارجية.
فالتغييرات الجديدة في الكاثوليكيةِ والتي تعد الطائفةِ الأكبر للإيمانِ والدين في العالم, وكانت لها صورة امتدت لقرون على انها الأقلِ إخْتِلاطاً بنتائجِ السياسة الخارجيةِ. نجد ان هذه التغييراتِ لَمْ تُفْهَمُ لحدّ الآن على نحو واسع، او ربما حتى جزئياً لأن أكثر طلابِ السياسة الخارجيةِ غير متعودين على السياسة المحافظة للكاثوليك وللشيعة.
ولهذا لم تفهم معاني هذا الاتفاق بين السيستاني وفرانسيس وبشكل علني ولاول مرة في التاريخ ليظهر بهذا الشكل لهذا التحالف التاريخي الممتد لاكثر من عشرة قرون.
ان الإختلافاتَ او التوافقات اللاهوتيةَ والثقافيةَ الكتومة يُمْكِنُ أَنْ يكون لَها نتائجُ سياسيةُ مهمةُ. وترجمة تأثيرِ هذه التغييراتِ الدينيةِ في الشرق الاوسط عامة على السياسة الخارجية تَتطلّبُ القاء نظرة أقرب إلى "خيمةِ الانبعاث" الجديدة والكبيرةِ للكاثوليكية الشيعية الجديدة.
لقد شكّلتْ الاصولية الاثني عشرية مُعظم هويةِ العراق اليوم, ولفَهْم هكذا تغييراتِ مُعاصرةِ وبداية تَأثيرها على السياسة الخارجية، لابد من فَهْم الدورِ الذي لَعبهَ الدينِ من الناحية التاريخية في حياةِ البلادَ العامّةَ.
فالتقليد الديني الشيعي، الذي نَتجَ عنْ الثورة الايرانية 1979 ، تَضمّنَ العديد مِنْ العقائدِ ووجهات النظر المتباعدةِ وبمرور الوقت اصبح كَانَ هناك ثلاثة تقاليد او متبوعية او مرجعية دينية، كانت مؤثرةُ جداً على مسيرة هذا التقليد الديني: فهناك التقليد الصارم الذي يُمْكِنُ أَنْ يُدْعَى أصولي, وتقليد تقدمّي وأخلاقي وهو المعروف بالحركات الشعبية التحرّريةِ، وهناك تقليد أوسع من غير ألاصوليين، وهم الاخباريون.
وربما سيكون أمراً خاطئاً قِراءة هذه الامور اكثر من حجمها الطبيعي فان عدنا الى التاريخ القريب نجد ان الباب العالي اعترف بموجب فرمانات كان يصدرها بالطوائف الكاثوليكية والارثوذكس القائمة في دولته. لقد أتاح هذا النظام ونظام الامتيازات التي كانت تتمتع به فرنسا ودول أوربية أخرى فرصة للتدخل في شؤون الدولة العثمانية تارة بدافع سياسي وطورا بحجة حماية الاقليات غير الإسلامية واصبح لفرنسا الحق في إيفاد المرسلين الكاثوليك للتبشير بين مسيحي الدولة بينما انتهجت السلطات العثمانية سياسة عرقلة نشاط الإرساليات البروتستانتية، واخذت الدولة العثمانية تغمض عينيها عن النشاط الكاثوليكي. وإذا كانت فرنسا قد دعمت الكنائس الشرقية الكاثوليكية وشجعت روسيا الكنائس الارثودكس فأن إنجلترا كان لها دور في التسابق الدولي ورعت الطوائف البروتستانتية ورعت المبشرين الى جانب رعايتها للاصولية الشيعية.
اليوم يلعب الدين دورا متزايدا فى الشؤون الانسانية، فثورة ايران الشيعية في 1979 ، ودور الكنيسة الكاثوليكية في "الموجة الثالثة" من الديمقراطية, وهجمات 9 / 11 وحرب 2003 يوضح بشكل لا لبس فيه مدى أهمية الدين كقوة عالمية.