الذكاء الصناعي وحتمية الحرب بين الولايات المتحدة وايران د. مهند يوسف 27-6-2019
قبل ايام اسقطت ايران طائرة درونز امريكية كانت تحلق فوق مياه الخليج العربي، ومر الخبر سريعا في وسائل الاعلام، واهتم به الناس به لكون اسقاط الطائرة هي الشرارة التي ستطلق الحرب بين الولايات المتحدة وايران، في ظل الخلاف الدائر بينهما على برامج ايران النووية والصاروخية والارهابية، وللسبب نفسه قامت الولايات المتحدة بضربة الكترونية ضد مليشيا حزب الله في العراق عطلت فيها جميع انشطتها الصاروخية. لكن هذه الحرب ستندلع بصورة حتمية بصورة او بأخرى، وان اختلفت الشرارات هنا وهناك، ومهما حاولت الاطراف الدولية والاقليمية والمحلية فض هذا النزاع، وحتى لو تراجعت ايران عن طموحاتها النووية، او حتى لو اوقفت الولايات المتحدة عقوباتها، فان الحرب بينهما ستندلع، ليس بسبب الظروف السياسية والعسكرية والنووية فحسب، وانما بسبب شيء جديد اخر بدأ اليوم بالظهور والتفوق، وسيغير وجه العالم من جديد وهو الذكاء الصناعي. معرفة العصر الذي نعيشه اليوم، يجعلنا نؤكد على هذا الامر، والعصر الذي نعيشه هو عصر الذكاء الصناعي، ولعل قائل يقول، وما هي علاقة بين الذكاء الصناعي والآلات وبين الحرب الايرانية الامريكية المرتقبة، بل وما هو المنطقي في الجبهة الرقمية اليوم حتى يجعل فرص الحرب اكثر من فرص السلام. عرفت البشرية الصناعة منذ امد بعيد، وغيرت الثورة الصناعية شكل العالم الى الابد في القرنين الماضيين، واصبح التصنيع يعني التغيير التقني والمجتمعي، وبالتالي فان الصناعة هي التي تحكمت وستتحكم في مستقبلنا القادم. وتأثير الصناعة على الانسان واضح بشكل ظاهر على المستويات المعيشية والفكرية بشكل اساسي، وعلى موضوع الحرب والسلام ايضا، ففي بداية القرن الماضي حينما تحققت الثورة الصناعية الاولى، والتي بدأت بالبخار والمكائن التي تعمل بالوقود الاحفوري، وتم انتاج الحديد والصلب، تغير وجه العالم وبدأ الانسان ببناء ناطحات السحاب وتغير شكل المدن وحياة الناس، بحيث ادت ضرائب واردات الصلب الى ان تكون السبب الاساسي الذي جعل الولايات المتحدة الامريكية تدخل الحرب العالمية الاولى تحت ذريعة تطبيق مبادئ ويلسون في السلام وتطبيق سياسة الباب المفتوح . بعد ذلك بسنوات وحينما انتقلت الثورة الصناعية الى مرحلة متقدمة اخرى، وبدأ انتشار واستخدام الكهرباء في المعامل، وتم تأسيس خطوط الانتاج الوفير في المصانع، تغير شكل العالم من جديد واصبح هناك وفرة في الانتاج والطعام، وحينذاك دخلت الولايات المتحدة الامريكية الحرب العالمية الثانية من جديد، وان تظاهرت لأسباب سياسية وعرقية آنذاك. ثم جاء عصر الاتصالات والتواصل وبداية الثورة الصناعية الرقمية، وظهرت الكومبيوترات الشخصية والمعالجات والاتصالات الخليوية، تبدل وجه العالم مرة اخرى حيث انشئ لأول مرة العالم الافتراضي، ووسائل التواصل الاجتماعي، وانخرطت الولايات المتحدة في حرب العراق عام 2003 تحت ذريعة نشر الحرية والديمقراطية، وازدهر عصر التواصل الاجتماعي والصناعي التقني. اليوم هنالك ثورة يشهدها العالم هي ثورة صناعية مختلفة وجديدة هي ثورة الذكاء الصناعي وعصر الآلات الذكية، وهو ما سيعجل باندلاع الحرب الجديدة مع ايران، حيث تتجه التكنلوجيا الى اشياء جديدة لم يكن دخولها متخيلا من قبل، وافضل ميدان لتجربتها هي ميادين الحروب حيث يتميز الاتقان عن المألوف والسائد. لقد عملت البشرية اليوم على صناعة واختراع اشياء ستتفوق على اعمال الانسان، فاليوم اختفت العوائق وازدادت العوامل المساعدة لانطلاق الذكاء الصناعي بجيله الجديد، وبدأت مرحلة جديدة وهي مرحلة تفرد الالة . في السابق كانت الكومبيوترات تحلل المعلومات التي تصل اليها بقدر ما يريده الانسان، اما اليوم فقد اصبحت الآلات وبفضل البيانات المتعددة المخزونة طيلة العقود الماضية، قادرة على التعلم، اي اصبح عقلها هيولانيا يشبه عقل الانسان، وان اختلف التقنيون في اي مرحلة قد وصل اليها، فبعضهم يقول ان الذكاء الصناعي لازال في طور الطفولة، ولكن كثير منهم آخر يقول ان الذكاء الصناعي قد وصل اليوم الى مرحلة البلوغ والرشد، وبالتالي اصبح قادرا لان يصدر التقارير والمناهج والاوامر لعمل الانسان نفسه مع مراعاة الوقت والمال. وبفضل منظومات الانسان التعليمية هذه اصبحت الآلات مختلفة تماما عن السابق، واصبحت الآلات الذكية متفوقة على الانسان كميا وقابلة لإدارة كل شيء، لان الهدف منها هو حل جميع مشاكل الانسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية بأعلى كفاءة ممكنة، واصبح الذكاء الصناعي اليوم يندمج مع الذكاء البشري الفردي لدرجة انه قد لا توجد اية فروق بينهما. وهنا يظهر مبدأ التنافس البشري مع الآلات والذكاء الصناعي، فمن حيث الاداء سوف تتفوق الالة على الانسان، فالتقنية الذكية هي التي تحدد الانماط والاولويات ولذلك لا تحتاج الى الانسان، لكننا لا نعرف حتى اليوم مدى العلاقة التي يجب ان يصل اليها الذكاء الاصطناعي مع المجتمع، والمدى الذي ستصل اليه التكنلوجيا في حياة الشعوب في المستقبل. الحواسيب والأنظمة الرقمية والمعلومات لا تغير طريقة عيش الانسان فحسب بل تغير الناس انفسهم، والعلاقة بين الناس والآلات، كانت في الماضي وسيلة للتواصل ولتقريب بعضهم ببعض، لكن اليوم اصبحت التكنلوجيا شريكا لنا، اليوم اصبح الكثير منا يخلط بين العالم الافتراضي والعالم الحقيقي، واليوم تبرز اسئلة في غاية الاهمية، كتحديد السلطة بين الانسان والالة، ومنْ يسيطر على منْ، الانسان ام الالة، ومسالة المراقبة بين الانسان والالة، ومن هم الفائزون ومن هم الخاسرون في هذه المواجهة او المنافسة، ومن له الحق في امتلاك البيانات والمعلومات.. او ان هذا موضوع مشترك بينهما. والانسان اعلى مستوى للقيمة بشكل عام، رغم ان هذه القيمة مختلف عليها، حيث تختلف هذه القيمة بين نظر المهندسين والفلاسفة، فالمهندس يرى ان قيمة الالة الكاملة المنجزة للأعمال بصورة تصل الى الكمال هي اعلى من الانسان الذي قد يخطئ في عمله في وقت ما، بينما الفيلسوف يرى ان الانسان أيا كانت حالته هو اعلى قيمة من اية آلة يصنعها. الرقمية اليوم تدمر كل شيء لدينا اليوم، فالصراعات الاجتماعية اصبحت مرتبطة بالتطور التكنلوجي، فمثلا الوظيفة اصبحت مرتبطة بالعيش واختفاء الوظائف تعني البطالة. لقد اصبح العمال اليوم اقل عددا واقل قيمة في المجتمع الانتاجي الصناعي، اي ان الاتحادات النقابية العمالية لا تتمتع بالقوة نفسها التي كانت عليها في القرن الماضي، واليوم صار التأثير على الطبقة الوسطى اكبر خاصة على الذين يمتلكون تعليما جيدا لكنهم سيبدأون بترك وظائفهم بسبب الآلات الذكية، وهذا ما سيهدد الوظائف والاستقرار الاجتماعي، ويزيد من الظلم الاجتماعي والفساد والهدر والاستثمارات وتبييض الاموال. لكن العمل والوظيفة مسالة في غاية الاهمية لدى بعض الشعوب الحية، ففي بعض تلك البلاد، يكون من المشرف للإنسان ان يكون له وظيفة، اذا ان الانسان اذا لم يساهم في المجتمع فلن يكون جزء منه، وان الشعوب هي التي تنتج ثروتها وقيمتها، وهذا يوجب تحرك وعمل الشعوب، وبالتالي اصبحنا نحمل معنا اعمالنا اينما نسافر هذا اليوم. وهنا سيصبح الانسان بلا فائدة اذا تخلى عن عمله وابداعه وحسه وثقافته البشرية وحرية التعبير، وهذه الاسس هي التي ستجعل الانسان يتفوق في صراعه مع الذكاء الاصطناعي، فنحن اليوم نعيش بمرحلة الاستفادة من كل شيء بقوة الاقتصاد، وهذه عملية تحول مؤلمة. كل ثورة تحدث صراعا، وثورة الذكاء الصناعي ستحدث صراعا مهولا هذه المرة، فالآلات هي الجنود وهي القيادة وهي التي ستختار الاسلحة، وهي التي ستختار الاهداف، وهي التي ستحسم المعارك، والذي سيرسم الذكاء الاصطناعي دورها في ادارة الحرب القادمة. وستقوم الآلات الذكية بالمراقبة والسيطرة والحرب الالكترونية والتشويش وصد الهجمات المعادية بطريقة ذكية ودون خسائر بشرية تذكر. في الحرب الامريكية الايرانية المتوقعة القادمة، ستكون الآلات الامريكية بمواجهة المليشيات الشيعية والتي لا تمتلك سوى عقائدها بالموت في سبيل قادتها، حيث ستقوم الآلات الذكية كطائرات الدرونز والصواريخ باختيار الاهداف، وهي التي ستحدد نوع الضربة، وكمية العتاد، ونوع الذخيرة المستخدمة، وستقوم الآلات الذكية بالمراقبة، والتحقق على تنفيذ الاهداف، وستقوم باختيار سير المعركة ومكان وزمان القتال، وسيتم تقليص استخدام الجنود البشريين الى اقصى حد ممكن، وبذلك تكون التكلفة البشرية اقرب الى المعدوم، لان المليشيا الايرانية بالتأكيد ستبحث عن اهداف بشرية ولن تجدها في ساحة القتال. لكن التحدي الاكبر الذي يواجه العالم اليوم، لن يقتصر على علاقة الذكاء الصناعي مع انترنت الاشياء، والذي ستكون نتيجته الرقمية واضحة في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والبورصة وعالم الاعمال والمصارف فحسب، وانما يتعدى لما هو اخطر من ذلك، فاليوم تقوم شركة غوغل بتجميع مواد وبيانات التقاليد الدينية والطقوس واحكام العبادات للأديان الكبرى ومنها الاسلام، اذ بدأت تفكر بكيفية الاستفادة من بيانات الاديان الكبيرة السائدة في العالم اليوم، لكي تصبح الاحكام الدينية تابعة للذكاء الصناعي، لتحويلها الى ما يشبه اية سلعة قابلة للمساومة والبيع والشراء، بمعنى اتمتة الافكار والعقائد، لإيجاد ما يناسب الانسان منها في مكانه وزمانه، وهذا سيكون التحدي القادم الذي ستواجه البشرية عن قريب.