الغيمة الطائفية الجديدة العاصفة بالعراق
بعد سبع سنوات من الغزو الامريكي للعراق الذي أطاح بنظام صدام حسين، ودمر الدولة العراقية، وبعد توجه الناخبون الى صناديق الاقتراع يوم 7 آذار2010 للانتخابات التي أمل معظم العراقيون بأنها سوف تجلب التقدم لبلادهم الى جانب الاستقرار السياسي. والتي تزامنت مع تهديد أزمة جديدة، ناجمة عن عملية التطهير المناهضة للبعث في منتصف كانون الثاني 2010 من قبل حلفاء طهران في العراق، والتي أدت الى اتفاق خلف الكواليس في آخر لحظة أمكن استعادة بعض مظاهر الحياة الطبيعية إلى الانتخابات، والتي ربما كانت ستؤدي في أسوأ الأحوال، الى إشعال فتيل النزاع الطائفي مثل تلك التي دفعت العراق الى شفا حرب أهلية شاملة في عام 2006. وقد غير عدم الاستقرار في العراق نظرة أوباما في العودة إلى الحرب، وجعل الابتسامة ترتسم في وجوه المحافظين الجدد حينما جعل السياسة الخارجية الأميركية، والوجود العسكري في الخارج من أولوياته.
في خطابه، تعهد أوباما بسحب ما تبقى من القوات الأمريكية من العراق في عام 2011. لكن العراق ما زال غير مستقر ومتفجر سياسيا، وعلى نحو متزايد حول مدار ايران، وليس في أميركا مما قد يسبب بإعادة النظر في خطط الانسحاب. قوام القوات الأمريكية في العراق آخذ في الانخفاض، وهذا لا يعني أن نفوذ الولايات المتحدة آخذة في الانخفاض أيضا. لكن تحتاج الولايات المتحدة الى تفاهم مع ايران حول العراق حول حفظه بالكامل وعلى مستوى معقول من العنف.
في البيت الأبيض، في القيادة المركزية للجيش الامريكي وفي السفارة الأميركية في بغداد المسؤولين يشعرون بالقلق. القيادة العسكرية تعتقد أن أوباما قد يضطر إلى إعادة النظر في جدول زمني للانسحاب الولايات المتحدة. منذ عام واحد فقط، على ما يبدو كما لو كان العراق قد خرج من النفق المظلم وعززت انتخابات المحافظات 2009 يناير التي ينظر إليها على نطاق واسع أنها كانت السبيل لحكومة وطنية جديدة، وثروات العلمانية والأحزاب القومية ورأى محللون كثيرون أنها ضربة قاضية للأحزاب الدينية والعمائم، وخصوصا المدعومة من ايران كالمجلس الأعلى الاسلامي في العراق. وفاز نوري المالكي، زعيم لحزب الدعوة الشيعي السري، وتلقى دعما قويا في العام الماضي حين ولد من جديد على رأس ائتلاف جديد الذي وصفه بدولة القانون. بعد انتخابات مجالس المحافظات، بدأ المالكي يبحث بإمكانية التحالف مع ممثلين لأحزاب المعارضة العلمانية التي تقطنها أغلبية سنية.
بدأ في الربيع الماضي، بناء على طلب من كبار المسؤولين في إيران -- بما في ذلك علي لاريجاني، المحافظ، ورئيس البرلمان الإيراني العراقي المولد والجنرال قاسم سليماني قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني ومجموعة من زعماء الطوائف الدينية الشيعية بإصلاح خلافات الشيعة لتأسيس التحالف الوطني العراقي والربط بين المجلس الأعلى مع رجل الدين مقتدى الصدر، وإبراهيم الجعفري وأحمد الجلبي، محبوب المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، والذي يصر على إقامة منذ فترة طويلة علاقات وثيقة مع المتشددين في ايران.
ينظر على نطاق واسع إنشاء هذا التحالف داخل العراق وخارجه، باعتباره المشروع الإيراني. والجهود لإعادة بناء الائتلاف الشيعي الطائفي بدأ في الربيع الماضي، بعد زيارة قام بها الى بغداد لاريجاني. بعدها قدم تيار من المسؤولين العراقيين للحج الى طهران، حيث تم التوصل الى اتفاق بين عائلة الحكيم (مؤسسي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى)، والصدر في ايران. كجزء من الإستراتيجية الإيرانية التي تم وضعها في العراق ومرة أخرى على المسار الطائفي.
حيث جاء قرار المساءلة والعدالة، وهي هيئة غير منتخبة يسيطر عليها الجلبي وواحدا من رفاقه، علي اللامي، وكان عمل اللجنة كانفجار قنبلة ألقيت في مركز السياسة العراقية، وأثار الحديث عن المقاطعة، وحتى حركة التمرد المناهضة للحكومة الجديدة. واللامي، مهندس عملية التطهير، له ماض ظليل. ففي آب 2008 تم اعتقاله من قبل القوات الأمريكية في العراق واحتجز لأكثر من عام بسبب تورطه مع حركات شيعية والتي يعتقد أنها مدعومة بسرية من قوة القدس الإيرانية، المسؤولة عن سلسلة من عمليات قتل شخصيات بارزة وعمليات الخطف. كذلك تم الإفراج عن المؤسس قيس الخزعلي وشقيقه ليث، كما تم الإفراج من السجن، عن جميع الشيعة المتهمين بالإرهاب والقتل الطائفي.
وهذا سيضع العراق في مربع الطائفية والطريق إلى الحرب الأهلية.
ان العراق مرة أخرى على حافة الحرب الأهلية وهي إرث من الخلافات التي لم تحل وسوف تبقى في هدوء تشوب بالحذر الذي ساد منذ أواخر عام 2007. ومن بين تلك الصراعات هي الخلاف حول حدود المنطقة الكردية شبه المستقلة في شمال العراق، ووضع كركوك والصناعة النفطية، التي يطالب بها الأكراد والحكومة المركزية، والنزاعات الدستورية القانونية حول السلطات الاتحادية مقابل المقاطعة، بما في ذلك كيفية تقسيم عائدات العراق من تصدير النفط. ولكن ربما كانت مرارة النزاع من ذلك كله هو مجموعة متشابكة من القضايا التي تنطوي على الأقلية السنية العربية المحرومة من حقوقها، والتوترات بين الزعماء السنة والشيعة، ومشكلة كيفية إعادة دمج هؤلاء الذين كانوا جزءا من ماضي العراق البعثي. إنها القضية الأخيرة التي تم أحداثه بحظر الجلبي. مشكلة المالكي الآن انه حتى بعد تمكنه من تحقيق نتائج طيبة في الانتخابات من خلال الاستفادة من قدرته على استخدام أموال الدولة ووسائل الإعلام وحتى القوات المسلحة العراقية نيابة عنه لكنه غير قادر على ادعاء الشرعية إذا شابت التصويت الحظر، وعمليات التطهير ومقاطعة السنة.
ومثله كمثل أحمدي نجاد في ايران والرئيس قرضاي في أفغانستان، على حد سواء فبعد الانتخابات معاناة الاحتيال الملطخة، وحكم تحالف المالكي واع للأكراد والعراق سيكون مرة أخرى غير مستقر في أفضل الأحوال.
ليس لدي أي شك في أنه إذا كان المالكي هو على استعداد للتقبيل والقيام بصفقة مع الشيطان للأكراد، لكن سيكون غير مستقر لأنه لم يفعل شيئا لرأب الصدع بين الأحزاب الدينية الشيعية والسنية والجماعات الشيعية العلمانية. وإذا كان تأليب السنة والمعارضين والبعثيين، وحتى إحياء تنظيم القاعدة في العراق ضد الحكومة، واستخلاص العنف ضد البلد من ايران والسعودية وتركيا وغيرهم في القتال. بعد كل شيء، ان ايران ليست البلد الوحيد الذي دعم الحلفاء في السياسة العراقية فالسعودية والأردن ودول الخليج، كانوا على نطاق أصغر في دعم علاوي ومختلف المرشحين السنة، فالسعوديون لا يعملون بشكل مباشر فهم يعملون من خلال مسار القدرة على الإنكار، وذلك باستخدام رجال أعمال لبنانيين، والجمعيات الخيرية البيئية، ومجموعة متنوعة من الأمراء وغير ذلك.
والأزمة في العراق في جوهرها، هي أيضا صراع بين ايران والولايات المتحدة على النفوذ في العراق وعبر الخليج العربي الغني بالنفط. فما أن تسحب الولايات المتحدة قواتها، ستبني إيران النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي، وسوف يتم سحب العراق الى المدار ايران. وباستثناء اندلاع الحرب الأهلية، فإن النتيجة الأكثر ترجيحا للانتخابات في العراق ستكون مثل التحالف الذي يحكم العراق اليوم، ولكنه سيكون أكثر اتساقا مع طهران. وسنرى نظام استبدادي على نحو متزايد مع علاقات وثيقة مع ايران.
ونتيجة لذلك فان العديد من السياسيين العراقيين المعارضين للتحالف الشيعي الإيراني في العراق يريدون من الولايات المتحدة وقف انسحابها ورمي ثقلها وراءها، لوقف النفوذ الإيراني. وحتى الآن، لا توجد علامات تذكر على ذلك. وخلال زيارة علاوي الأخيرة لواشنطن، حاول بعض أصدقاء علاوي وبصلات طيبة للحصول على موعد معه في البيت الأبيض مع دينيس ماكدونو، أحد كبار مستشاري أوباما في مجلس الأمن القومي، لكن البيت الأبيض رفض علاوي.
المشهد السياسي اليوم في العراق سيسير مع الولايات المتحدة على النحو الآتي من خلال مجموعة من العوامل التي لم تسلط عليها إعلاميا مثل التي كانت قد سبقت وابرز تلك العوامل صاحبة التأثير المباشر على مسار تلك العلاقات هي عودة الدبلوماسي الأمريكي السابق، بول بريمر والذي كان الحاكم الفعلي للعراق، وبعد القبض على الزعيم العراقي الراحل، صدام حسين، قال كلمته الشهيرة "سيداتي سادتي.. لقد قبضنا عليه!"
حاليا تمت تسميه بريمر لرئاسة المجلس الاستشاري لشركة "الأمن العالمية"، وهي شركة توفر المنتجات المتكاملة وخدمات صناعة الأمن الداخلي. ونشر كتاباً بعنوان "سنواتي في العراق: الصراع لبناء مستقبل الأمل" وقد حصل على عقود جديدة للعمل مع وزارة الخارجية الأمريكية في العراق. بعد فضيحة شركة اريك برنس والشركات تابعة له بالاحتيال على وزارتي الخارجية والداخلية الأميركيتين وبعدما أثيرت ضجة حول بلاك ووتر التي غيرت اسمها إلى اكس إي العام الماضي عندما اتهم القضاء الأميركي خمسة من موظفيها بإطلاق النار على مدنيين عراقيين أودى بحياة 17 شخصاً في 16 أيلول 2007 في بغداد فيما تخلى القضاء عن ملاحقة الشركة في نهاية 2009.
وكان برنس العضو السابق في القوات الخاصة للبحرية الأميركية والمقرب من الحزب الجمهوري أسس شركته عام 1997 والتي أصبحت أكبر شركة خاصة للخدمات الأمنية تتعاقد معها الولايات المتحدة في العراق وقال العام الماضي إن السلطات الأميركية تخلت عنه بعد أن قدم لها خدمات في حربها على الإرهاب. الى جانب شركائها بلاك ووتر سيكيوتريت كونسلتنغ، وأكس إي سرفيسز، والمركز الأميركي للتدريب، وغري ستون لمتد، ومجموعة برنس غروب، وفق نسخة من الشكوى المقدمة في 26 تموز.
من جهتها أعلنت وزارة الخارجية الأميركية ان شركة الأمن اكس اي، المعروفة باسمها السابق بلاك ووتر، وافقت على دفع غرامة بقيمة 42 مليون دولار لانتهاكها قوانين تصدير الأسلحة. وقالت الخارجية الأميركية في بيان ان الشركة وافقت على دفع الغرامة بسبب تصديرها، في انتهاك للقوانين المرعية الإجراء، "لوازم دفاعية وخدمات أمنية الى عملاء أجانب" في عدد من الدول بين عامي 2003 و2009. وأشارت الى انه بالنظر الى موافقة الشركة على تصحيح الخلل الحاصل بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها، فإنها ستستطيع الاستمرار في الحصول على عقود مع الدولة الأميركية.
الوجه الآخر للتأثير على الوضع المستقبلي في العراق هي شركة كانت وما زالت تقوم بدورها التخريبي في العراق دون تسليط الضوء على ما قامت او بما ستقوم به وهي شركة "أجيليتي" الكويتية فوكالة الدفاع اللوجستية التابعة للبنتاغون في الولايات المتحدة قامت بمنحها ستة أشهر إضافية تبدأ في أيلول لعقد خدمات التخزين والتوزيع في مجمع مستودعات التوزيع الدفاعي في الكويت.
حيث قالت الشركة إن العقد بقيمة 6 مليار دولار، وستلتزم فيه بتقديم الحلول اللوجستية المتكاملة من خلال مرافقها المتواجدة في الكويت، دون أن تذكر التأثير القانوني لهذه الخطوة الأمريكية على النزاع الدائر حول عقود خدمات القوات الأمريكية بالشرق الأوسط، أو على قرار حظر مشاركة "أجيليتي" بالعقود الخاصة بالقوات الأمريكية منذ اتهامها بالتلاعب ببعض الصفقات. وكانت "أجيليتي قد تعرضت لمشاكل قانونية في الولايات المتحدة منذ 16 تشرين الثاني، عندما جرى اتهامها التآمر والاحتيال والمبالغة في تحديد الأسعار المتعلقة بعقود إمداد الغذاء للقوات الأمريكية بعدة دول بالشرق الأوسط، وأدى ذلك إلى خسارتها صفقات بقيمة 8.5 مليارات دولار.
وفي العاشر من نيسان أعلنت شركة "أنعام" التي تتخذ من إمارة دبي مقراً لها أنها فازت بعقد تزويد الجيش الأمريكي بالأغذية في الصفقة التي انتزعتها في واشنطن من شركة "أجيليتي."وتتوزع حصص "أنعام" بين ثلاث شركات هي "أسترا" السعودية، المملوكة لرجل الأعمال الفلسطيني الأصل صبيح المصري، إحدى أكبر الشركات ذات الاستثمارات المتنوعة في المملكة، ومجموعة شركات رجل الأعمال الأردني الارمني، منير سختيان. أما الشريك فهي شركة "هاي فايننس،" التي يرأسها رجل الأعمال الأردني الأصل، عبد الهدى الفاروقي، الذي سبق أن أثار الجدل بسبب دخول إحدى شركاته "نور أمريكا" في مشروع مشترك مع شركة "إيرني" للمهام الأمنية، وقيل آنذاك أنه فاز بالعقد بسبب علاقاته مع الشخصية العراقية المعروفة، أحمد الجلبي.
إلا أن ملف هذه العقود فتح مجدداً نهاية تموز، عندما أعلنت شركة "رابطة الكويت والخليج للنقل" إنها تسلمت رسالة من وزارة الدفاع الأمريكية تشير إلى أنها ستعيد ترسية العقد على جهة جديدة، بعدما تقدمت الرابطة بطعن في نيل "أنعام" للعقد، وبعد يومين على إعلان الأخيرة طي صفحة النزاع وفوزها النهائي بالعقد الذي قد تصل قيمته لأكثر من ستة مليارات دولار. وفي تلك الفترة، برز تطور آخر يتمثل في إسقاط الإدعاء الأمريكي التهم الموجهة للشركة القابضة (اجيليتي هولدينغز) التابعة لـ"أجيليتي".
وكانت "أنعام" قد أشارت في بيان لها قبل يومين إلى أن مكتب المحاسبة الأمريكي رفض الطعن المقدم في العقد الذي فازت به لإمداد الجيش الأمريكي بالمؤن والخدمات في العراق والأردن والكويت.وقالت الشركة، التي تتخذ من إمارة دبي مقراً لها في بيان أصدرته بالمناسبة، إن وكالة الخدمات اللوجستية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية أعلنت عن منحها العقد الذي تتراوح قيمته بين 2.16 و6.47 مليار دولار. ويشير موقع الشركة الإلكتروني إلى أنها تدير مجموعة من المشاريع مع القوات الأمريكية في العراق، بينها عقود بقيمة 650 مليون دولار لبناء مواقع لوجستي في التاجي وأبو غريب وأم قصر، وأخرى بقيمة 400 مليون دولار لتوصيل وصيانة آليات عسكرية، وعقد لحامية منشآت نفطية بـ120 مليون دولار. وعلقت الشركة بالقول: "نشعر بالامتنان ونرحب بتمديد خدماتنا لتشمل الجنود الذين يخدمون في الشرق الأوسط، ونحن نتمتع بتاريخ مشرف من الالتزام بالعقود الخاصة بزبائننا في الحكومة الأمريكية." وتابعت بالقول: "سيحرص فريقنا على مواصلة تعزيز إرثه القائم على توفير أفضل الخدمات للمكلفين الأمريكيين وللحكومة الأمريكية، ونتطلع لمواصلة التعاون مع وزارة الدفاع" في واشنطن.
لقد أثار إنهاء المهام القتالية الأمريكية بعد حرب مكلفة دامت سبعة أعوام ونصف العام تساؤلات ستفرز جدلا لفترة طويلة قادمة: هل كان ما انفق مستحق؟ ومن المنتصر؟ إذا كان هناك من منتصر؟
من السابق لأوانه الإجابة حسبما صرح وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس وهو رجل صاحب حكم حين قال "يستلزم الأمر حقا رؤية مؤرخ ليبين ما حدث هنا على المدى الطويل ... الزمن وحده سيحدد الحكم على الأمور".لكن إذا كنا نريد ان نعرف من فاز بالحرب في العراق.. فستكون ايران بكل تأكيد. فقد أطاحت الولايات المتحدة بعدو ايران اللدود صدام حسين من السلطة. ثم ساعدت واشنطن في تنصيب حكومة شيعية لأول مرة في تاريخ العراق الحديث. وفيما انزلقت القوات الأمريكية في قتال ضد تمرد واحتواء حرب أهلية وسعت ايران نطاق نفوذها ليمتد لجميع الفصائل الشيعية في العراق.
ونتيجة لذلك تراجع النفوذ الامريكي فيما تنامي النفوذ الإيراني وثمة توقعات بان تملا ايران الفراغ الذي خلفه خفض عدد القوات الأمريكية الى 50 الف جندي وحين أعلن اوباما استكمال خفض القوات في كلمة في 31 آب لم يشر الى ايران وهو استبعاد يثير الفضول. ولكنه قال "ينبغي ان نحقق النصر من خلال نجاح شركائنا". وفي حالة العراق وحدهم المتفائلون يجدون سهولة في رؤية نجاح مدو. فبعد ستة أشهر من الانتخابات البرلمانية لم تشكل حكومة عراقية فيما فشل السنة والشيعة والأكراد في الاتفاق على كيفية اقتسام السلطة وبنفس القدر من الأهمية ثروة البلاد الضخمة من النفط. وتشكيل برلمان يعتريه الجمود والصراعات ليس بنتيجة مرضية تبذل من اجلها أرواح أكثر مليون عراقي فضلا عن إنفاق تريليون دولار على الحرب. وتوقع سلف اوباما بوش والمحافظون الجدد من مؤيدي الحرب ان يصبح العراق نموذجا للديمقراطية يلهم بقية العالم العربي الذي يخضع معظمه لأنظمة شمولية ليحذو نفس الحذو. وثبت ان ذلك ضرب من الوهم. وتحول العراق لساحة لتسوية الصراعات الأجنبية.
ولا يزال اوباما يعمل على تحديد أسلوب للتعامل مع النفوذ الإيراني في العراق وأماكن أخرى في المنطقة. وتتراوح القضايا من البرنامج النووي للحكومة الإيرانية ومساندة ايران لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة وحزب الله اللبناني الذي حاولت إسرائيل القضاء عليه في حربها على لبنان عام 2006 (ولكنها فشلت).
وفي بداية ولايته حين كانت مكانته في الداخل والعالم الاسلامي أعلى كثيرا مما هي عليه الآن ربما أتيحت الفرصة لاوباما للتعامل مع ايران بنفس الأسلوب الذي تعامل به الرئيس الامريكي الأسبق ريتشارد نيكسون مع الصين كي يبرم صفقة ضخمة بطرح جميع الخلافات بين البلدين على مائدة التفاوض وحلها كحزمة واحدة. ولكن هذه الإمكانية تلاشت على الأرجح. لقد طبقت الولايات المتحدة حلولا لواضعي السياسات تاريخيا لمشاكل اليوم في الشرق الأوسط. ولكن في الشرق الأوسط ليس ما كان عليه قبل خمس سنوات، ويتعين على أوباما إدراك أن ليس هناك انقسام بين المعسكر المعتدل الموالي للولايات المتحدة والمتطرف محور المقاومة وان يأخذ في الاعتبار الديناميكيات المتغيرة بسرعة في المنطقة. فمنطقة الشرق الأوسط تتطور بشكل أسرع وأقل متوقعا من تصور صانعي القرار في الغرب. وكقاعدة عامة، الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية فهموا في نهاية المطاف الأخطاء ولكن هذا الإدراك يحدث عادة في وقت متأخر وإن التعديلات التي تلت ذلك في مجال السياسة في نهاية الأمر عفا عليها الزمن وغير فعالة.
في أعقاب الحقبة الاستعمارية، نشأت واستولت الحركات القومية العربية على السلطة في منطقة الشرق الأوسط وتجاهلت أوروبا هذا التحدي الذي تطرحه أو كانت تعامل معه على أنها مستوحاة من المهيجات السوفيتية. وبحلول الوقت فهم الغرب أهمية وشعبية هذه الحركات، والطاقة التي تمتلكها وكانت قد تلاشت في أوروبا منذ فترة طويلة، والتي لها سمعة في المنطقة أصبحت ملوثة بشكل لا يمكن إصلاحه عن طريق وصمة الاستعمار الجديد. وبالمثل، فإن الولايات المتحدة أصبحت تعي تماما التهديد الجهادي في أعقاب 11 / 9، فواشنطن غذت ارتفاعه من خلال دعم الجماعات الإسلامية المتشددة في أفغانستان خلال 1980. وأيدت واشنطن فكرة إقامة دولة فلسطينية في 2000، ونتيجة للتطورات على أرض الواقع والإسرائيلي على حد سواء، والأنظمة السياسية الحاكمة في فلسطين، أصبح تحقيق حل الدولتين بعيد المنال على نحو متزايد.
اتجاه الغرب لاعتماد سياسات في الشرق الأوسط لم تعد بالفعل حياة السياسة المحلية التي تحدث مرة أخرى اليوم على الرغم من محاولتها الجديرة بالثناء لتصحيح أخطاء ادارة بوش، فإدارة أوباما تعاني من الافتراضات الخاطئة حول ميزان القوى الإقليمي. وترى واشنطن منطقة الشرق الأوسط لا تزال كما قسمت بين معسكرين: معتدل، المعسكر المؤيد للولايات المتحدة التي يجب أن تعزيزه، ونشط موالي لإيران يجب احتواؤه. واستنادا إلى المواد والمعلومات التي حصلت عليها قوات التحالف عندما دخلت العراق في عام 2003، حول رؤية فريدة لمفاهيم صدام حسين والخطط الإستراتيجية، بما في ذلك الانشغال المستمر مع إسرائيل، والتقليل من قوة الولايات المتحدة، ووجود الاهتمام المتزايد بالكويت. وفي هذا في الاعتبار يعتقد صدام حسين انه سيعود ليملأ الكثير من الثغرات. واستنادا إلى تلك المواد التي حصلت قوات التحالف العراق فإنه يوفر نظرة فريدة من نوعها في المفاهيم الإستراتيجية العراقية وخططها. انه يظهر الشعور النامي من التهديدات خلال 1980، والحرب مع ايران، والانشغال المستمر مع إسرائيل، والتقليل من قوة الولايات المتحدة، وجود اهتمام متزايد بالكويت.
ونوعية الأفكار لصدام نفسه، والتملق حول الزعيم، وعدم وجود مناقشة الثابت مرة واحدة ومن الصعب أن نتبين ما إذا كان العراقيون يعتقدون ذلك، وما إذا كانوا يفهمون حقا ما يجري في الميدان خلال حرب الخليج . فقد نجا في النهاية، من جورج بوش الأب، ومن أخطر تهديد لنظامه في الانتفاضة الكردية والشيعية في آذار 1991 على الرغم من انه قد اضطر الى مغادرة الكويت. وكان يهرب بلا حكمه صارمة: بيل كلينتون كانت إستراتيجيته تجاه صدام حسين فارغة إدارة بوش، بعد إسقاط صدام تعاملت على نحو سيء في العراق. فالعراق منذ 1990 وفي وقت مبكر يوعد بوصفه لإعادة الأعمار ومن تلك السنوات يتجه إلى السقوط.
نهجت الولايات المتحدة كما تدعي في مكافحة التمرد على حماية السكان، مع التركيز بشكل خاص على التنمية السياسية والاقتصادية. ولكن هل هذا العمل على أساس إستراتيجية للتنمية؟ في دراسة باستخدام بيانات الإنفاق على إعادة الإعمار والعنف في العراق، وتوفير خدمات حكومية معينة لم تؤدي إلى انخفاض في العنف بل شكلت الإستراتيجية الأخرى السرية في تغيير قواعد الاشتباك والضرب بقوة وزيادة عدد القتلى وتركز الإستراتيجية للقوات الأمريكية في العراق على استهداف المسلحين في مواجهة تزايد العنف في العراق بشكل مطرد في الفترة من 2003 وحتى عام 2006، ثم تم التخلي عن هذا النهج. اليوم إستراتيجية مكافحة التمرد في الجيش الامريكي في المراكز تلقي بظلال من الشك على خلق فرص العمل على المدى القصير كوسيلة لمكافحة التمرد. وخلال فترات التمرد في العراق، فالعلاقة التبادلية بين معدلات العمالة والعنف هو ضعيف وبعبارة أخرى، فإن هناك المزيد من فرص العمل، ومزيد من العنف.
وأحد التفسيرات المحتملة هو أن الجهود التي تبذلها الحكومة للحد من أعمال العنف تقمع أيضا في الاقتصاد، وتدمر فرص عمل السكان. فبناء الجدران بين الأحياء وإقامة نقاط التفتيش الصارمة، كما فعلت القوات الأمريكية في بغداد في 2007-8، قد عطلت حركة التجارة. والنتائج التي توصلنا إليها تسليط الضوء على الحاجة إلى تطوير طرق السيطرة على حركات التمرد التي تحمي الاقتصاديات المحلية الهشة، وخاصة إلى ألأدلة التي تربط النمو على المدى الطويل مع الاستقرار. تعتبر الحكمة التقليدية ان التنمية الاقتصادية لا يمكن أن تساعد في مكافحة التمرد فحسب، بل ويقلل من المظالم التي تولد الإرهاب. وجدنا في دراسة أجريت باستخدام بيانات الإنفاق على إعادة الإعمار والعنف في العراق، أن توفير خدمات حكومية معينة لا تؤدي إلى انخفاض في العنف. لكن على الرغم من النفقات الهائلة المعنية، والعلاقة بين الحكم والتنمية الاقتصادية في مناطق النزاع. وجزء من السبب في الفشل أن العراق قد يقع ويتم وضعه تحت رحمة ايران التي لها نفوذ كبير في العراق، وهذا ما سيزيد من إثارة المشاكل ضد الولايات المتحدة ودورها في العراق، وخاصة إذا تدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران بشكل حاد على القضايا ألأخرى، مثل برنامج ايران النووي. لكن من الواضح أن الولايات المتحدة تعتقد أنه يمكن أن تحتفظ بدور مهم ودائم في العراق بما في ذلك علاقة عسكرية قوية. من خلال إنشاء الولايات المتحدة لمكتب التعاون الأمني في السفارة الأمريكية في بغداد، والذي سيكون هدفه وسيتم عمله مع وزارة الدفاع العراقية والقوات المسلحة العراقية على تعزيز لأنظمة قدراتها العسكرية وبيع الولايات المتحدة أسلحة الى العراق.
في الواقع، تلك النظم من الأسلحة سيكون بمثابة النسيج "الضامن" لربط العراق والولايات المتحدة معا. (وذلك لأن كل نظام يحتاج إلى إمدادات ثابتة من قطع الغيار والترقيات، إلى جانب مئات أو آلاف من أفراد الولايات المتحدة، بما في ذلك المتعاقدين، للتدريب والصيانة ولتعزيز النظم) . وغني عن القول، ان ايران لن ترى وجود علاقة بين الولايات المتحدة والعراق من خلال المجمع العسكري مهددا لها، كما أنها لا ترى في الجهود الأمريكية لدفع السياسيين العراقيين في تشكيل حكومة الولايات المتحدة أن تغلق الميل إلى أصدقاء إيران.
فعلى سبيل المثال، كان من الواضح أن الولايات المتحدة لا تحبذ الحركة الصدرية المعادية للولايات المتحدة في الحكومة العراقية عندما يتم تشكيل حكومة. وبدلا من ذلك، فإن الولايات المتحدة تمارس نفوذها لدفع رئيس الوزراء المالكي ورئيس الوزراء السابق علاوي الى تحالف كبير، وفقا لتقارير مختلفة، مع التقليل من دور الكتلة الشيعية التي تضم التيار الصدري. ربما مثل هذا الاتفاق قد لا يكون ممكنا، ولكن من الواضح أن كلا من ايران والولايات المتحدة تلعب لعبة محصلتها صفر في الوقت الحاضر للتأثير على تشكيل حكومة في العراق. ان ايران فشلت حتى الآن لممارسة النفوذ ضد النزعة القومية في العراق الذي يريد الحد من دور إيران، وإن كانت، تحديدا، تعارض هذه القومية بشدة التأثير ألأميركي أيضا.
لابد من الاعتراف بحكم الجغرافيا والتاريخ، وتقارب الديني (أي التشيع) بين العراق وإيران الذي سيكون لها نفوذ في العراق دائما من خلاله. وأن اكثر من 75-80 % من العراقيين يريدون من الولايات المتحدة مغادرة العراق. ومع ذلك، فإنه من الواضح أن إدارة أوباما لم تتخلي عن فكرة أن الولايات المتحدة يمكن أن تحول العراق إلى إصدار شرقي كمصر البلد العربي المؤيد للولايات المتحدة الذي يعتمد على واشنطن لدعم الجيش. ونظرا لقربها من إيران، فحقيقة أن العراق، خلافا لمصر، لديه موارد نفطية هائلة يقوي استقلاله، فيبدو من غير المرجح في أحسن الأحوال قريب من الاستقرار المنشود .