صياغة سياسة مستدامة على المدى الطويل.
في منتصف تشرين الثاني 2010، وبعد ثمانية أشهر من الجمود السياسي، عين أخيرا نوري المالكي لولاية ثانية كرئيس للوزراء في العراق. والحديث في الغرب ملتف حول صفقة تقاسم السلطة مفترضة هي التي مكنت من الانفراج على ما يبدو. وصورت معظم الحسابات المتفائلة الجديدة، الحكومة العراقية ليكون تشكيلها بأنها "حكومة وحدة وطنية" مع السلطة الحقيقية للفائزين الثلاثة الأكبر في الانتخابات البرلمانية: العراقية العلمانية ذات الميول السنية؛ تحالفات الإسلاميين الشيعة "دولة القانون، والتيار الصدري والائتلاف الوطني العراقي" وائتلاف الأحزاب الكردية. حتى الآن، هذا الاتفاق لتقاسم السلطة يثير القلق من حيث الجوهر لأنه يبدو أن فكرة تقاسم السلطة في العراق ليس أكثر من عملية زيادة ونقصان، فالأحزاب الإسلامية الشيعية السائدة في العراق سعداء بدفع ضريبة كلامية لهذا التحالف. فتوزيع المناصب المؤثرة في الحكومة الجديدة، تركز في القوة الحقيقية للحكومة وهو نوري المالكي. والعراقية، بالإضافة الى حصولها على رئاسة البرلمان فقد تم وعدهم بقلعة في الهواء وهي رئاسة المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية. وهذا المنصب سيعطي "ظاهريا" العراقية النفوذ في جميع القرارات الهامة المتعلقة بالدفاع والأمن الداخلي، والقضايا الاقتصادية والطاقة ذات الصلة، إذ سيعامله المالكي وحلفائه كمنتدى فكري تداولي يتمثل وظيفته الرئيسية في تقديم المشورة.
أما بالنسبة للأكراد، فقد تلقوا وعودا على ما يبدو من المالكي على مطالب رئيسية تتعلق بالأراضي المتنازع عليها، وربما في قطاع النفط، ومناصب وزارية محددة، وأيضا، على الرئاسة، للزعيم الكردي جلال طالباني الذي طالب بها لأسباب شخصية، وهو في موقف عاجز أساسا. فالرئاسة الجديدة تفتقر الى حق النقض بعد انتهاء الخمس سنوات الانتقالية المنصوص عليها في الدستور العراقي إلى نهايتها.
قلنا أن مفهوم تقاسم السلطة في العراق ليس أكثر من عملية زيادة ونقصان، إذ لعبت ادارة اوباما بوصفها حجر الزاوية في اتفاق تقاسم السلطة المفترض. فقد صنعت مجلس السياسات الاستراتيجية وهو في الأساس جائزة ترضية، أنشأتها الولايات المتحدة للذين يرغبون في استيعاب إياد علاوي، زعيم القائمة العراقية، التي فازت بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات ولم تحمل طموحاته لرئاسة الوزراء على محمل الجد من جانب واشنطن التي لم تتصور أي رئيس وزراء شيعي غير المالكي.
سيطرت جهود الولايات المتحدة من البداية، محاولات لدفع المجلس للالتفاف على الإطار الدستوري العراقي. في البداية، اعتبر صناع السياسة الأمريكية في العراق إحياء ما يسمى المجلس السياسي للأمن الوطني، وهي لجنة نائمة في الغالب خرجت الى حيز الوجود في عام 2006 دون أي أساس قانوني. (وتم الاتفاق عليها وعلى وظائفها أعضائها من دون موافقة البرلمان).
علاوة على ذلك، اللائحة الداخلية للمجلس تتكون لاتخاذ القرارات المطلوبة في أغلبية الثلثين وغالبا ما تكون هناك استحالة لذلك، نظرا إلى أن الهيئة تتكون من ما يقرب من جميع أعضاء الحكومة العراقية، الذين أظهروا صعوبة في التوصل إلى اتفاق على أي شيء. وعليه كانت فكرة استخدام هذه المؤسسة لتلبية تطلعات العراقية دائما ما تكون غير واقعية. قاوم الأكراد بشدة هذه الخطط، وفي الوقت نفسه، كان هناك تخويف من جانب التحركات الإيرانية لدعم المالكي رئيسا للوزراء. ونتيجة لذلك وبتشجيع من الولايات المتحدة اختار علاوي وحزبه العراقية سيناريو المقترحات الافتراضية لتعديل فكرة باسم المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية.
لكن المشكلة المركزية، هي ان البرلمان العراقي منقسم وغير فعال، ولكن من غير المرجح أن تمر تشريعات مثيرة للجدل في أي وقت قريب، وترك العراقية دون الحصول على ضمانات قانونية لدورها في ترتيب لتقاسم السلطة. وحتى لو كانت هناك معجزة يمكن أن تحدث وتم تمرير التشريعات اللازمة من البرلمان سيظل هذا المجلس مؤسسة ضعيفة للغاية نظرا لمتطلبات اتخاذ القرارات بتوافق الآراء (80%). مع قائمة الأعضاء المقترحة للمجلس الطويلة، مما سيجعل من الصعب رؤية علاوي أو أي شخص آخر يمكن أن يتحول الى رئيس هيئة ذات وظيفة فعالة. إلى حد ما، استراتيجيته العراقية الخاصة فقيرة وهي مسؤولة عن فقدان نفوذها.
لكن المسؤولية الرئيسية عن الطابع الهش للعراق "اتفاق لتقاسم السلطة"، تقع على عاتق إدارة أوباما. حيث استمرت واشنطن باستغلال نفوذها لمتابعة التأويل الفقهي للسياسة العراقية ومن يفعًل التعامل مع العالم الحقيقي.
منطق الولايات المتحدة خاطئ اليوم، وله سوابق في خطة الحكم العراقي الذي يدعمه جو بايدن حيث انتهكت خطة بايدن ما يسمى في العراق الفيدرالي، التي وجدت طريقها إلى أجزاء من التشريعات التي أقرها مجلس الشيوخ الأميركي، والدستور العراقي في خلق مناطق فيدرالية جديدة بدلا من الانضمام إلى إجراءات من أسفل إلى أعلى الفيدرالية الواردة في الدستور العراقي والقانون الفدرالي في أكتوبر 2006، وخطة بايدن تدعو لمرة واحدة، تسوية فيدرالية "شاملة".
وكما هو الحال في 2007، نائب الرئيس جوزيف بايدن، وهو من المؤيدين الرئيسيين للترتيبات الجديدة المقترحة، اعتمد مرة أخرى على رؤيته الخاصة في تجاهل الدستور العراقي والقوانين التي وسعت الفجوة بين الواقع الناتج بين واشنطن وبغداد الآن والحصول على درجة كبيرة بتهديد عرقلة سياسة الولايات المتحدة الشاملة لحكومة العراق. إدارة أوباما تقول إن المجلس السياسي الغير موجود هو انتصار للدبلوماسية الاميركية وحتى هزيمة لإيران. الافتراض الأول هو وهمي، وهو أمر خاطئ وخطير. وقد حاول مسؤولون امريكيون الادعاء بأن ايران تريد استبعاد القائمة العراقية من العملية السياسية كليا، وان إدراج العراقية في مجلس نظري يمثل نوعا من الانتصار.
لكن في الواقع، وببساطة كان شرط الحد الأدنى لطهران في العراق أن نوعا من التحالف الشيعي بقيادة الولايات المتحدة ينبغي أن يشكل العمود الفقري للحكومة الجديدة والنتيجة ان واشنطن دعمت على الدوام جهة واحدة كانت مع الاحتلال منذ البداية وتمشيا مع خفض الصفقات الأخيرة في بغداد.
وبناء عليه، يبدو أن كلا من المالكي والقيادة في طهران قد خلصت إلى أن هذه المؤسسة الجديدة غير ضارة بما فيه الكفاية إذا كان للمجلس يمكن أن يجعل واشنطن سعيدة بدون أي الفيتو ذات مغزى حقيقي، ومن ثم فقد يكون من المفيد السعي له كعمل من أعمال المسرح السياسي. المسألة، إذن، هو كم من الوقت سوف تستمر الولايات المتحدة للاحتفال بأحدث تقاريرها عن "النصر" في العراق بدلا من صياغة سياسة مستدامة على المدى الطويل.
في الأسابيع الأخيرة، برزت عددا من الهجمات القاتلة في العراق حقيقة أنه حتى بعد ثمان سنوات من عمليات العنف وعدم الاستقرار، لا تزال الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة في تحقيق هدفها على المدى الطويل من إنشاء العراق على حد كلمات الرئيس الأميركي باراك أوباما، "ذا سيادة ومستقر، ومعتمد على الذات". على الرغم من هذه الأحداث كان التأكيد على أن الأمن لا يزال العمل رقم واحد بالنسبة للولايات المتحدة في العراق، وعدة عوامل أخرى تؤثر على قدرة واشنطن على العمل مع بغداد للحفاظ على المكاسب الامنية التي تحققت في السنوات الأخيرة، وبناء شراكة استراتيجية مع حكومة وشعب صنعه الاحتلال في العراق، في شكل وتأثير التطورات المستقبلية هناك.
في الديمقراطيات الانتقالية، الانتخابات الثانية غالبا ما تحدد ما إذا كانت العمليات الديمقراطية الوليدة سوف تترسخ وتثبت بشكل مستدام ام ستنهار. فقد أجريت الانتخابات البرلمانية العراقية الأولى بموجب الدستور الجديد في ديسمبر 2005 وأدت إلى تشكيل الحكومة الحالية برئاسة نوري المالكي. وجرت الانتخابات الثانية مارس 2010 وأسفرت عن التعادل، وثبت عن عدم استعداد أي من الجانبين إلى تقديم التنازلات الضرورية لتشكيل حكومة ائتلافية.
ولمح بعض المسؤولين الأمريكيين الى أن الجمود السياسي المستمر يمكن أن يكون مصدر إلهام لانقلاب قادة من ضباط الجيش الذين يشعرون بالإحباط مع السياسيين المتنازعين في العراق على الرغم من ان الانقلاب لا يمكن أن يحدث طالما ان القوات الامريكية ستبقى في العراق. ولتجنب المزيد من عدم الاستقرار، ضغطت واشنطن للحصول على حكومة عراقية "شاملة تكون ممثلة ومسؤولة أمام الشعب العراقي" ووفقا لمسؤولين أمريكيين في بغداد طرحت حكومة الولايات المتحدة خطة لتقاسم السلطة التي من شأنها تقليص صلاحيات رئيس الوزراء وتوسيع هذه الصلاحيات للمجلس السياسي للأمن الوطني وبذلك تأمل تسريع عملية تشكيل الحكومة من خلال زيادة حجم الكعكة السياسية التي يمكن تقسيمها بين الأطراف المتنازعة. ولعل أكبر مصدر محتمل يهدد نفوذ الولايات المتحدة في العراق هو الخوف من أن الكثير من العراقيين لديهم شعور خاص حول مستقبل بلدهم. ولهذا فهي تعمل على تحويل تحديد مستقبل العراق فورا الى قادة البلاد "المنتخبين".
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تقوم بإرغامهم على تشكيل حكومة شاملة -- أو حتى أي حكومة على الإطلاق – الا أنها يمكن أن تشير إلى أن عدم القيام بذلك سيقوض دعم الولايات المتحدة لهذا النوع من الشراكة طويلة الأجل المطلوبة من كل طرف تقريبا في العملية السياسية العراقية الرئيسية (باستثناء التيار الصدري، الذي يرفض مثل هذه الشراكة مع الولايات المتحدة). ومع ذلك، فان الوضع الراهن قد يستمر لبعض الوقت. نفوذ الولايات المتحدة سوف يكون أكثر فعالية بمجرد تشكيل حكومة جديدة. لكن نفوذ الولايات المتحدة في العراق ليس كما كانت عليه واشنطن عندما كانت تنفق مليارات الدولارات على "إعادة الإعمار".
اليوم، فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى أن تكون أكثر حيلة في التعرف على مصادر النفوذ وأكثر تركيزا في تطبيق هذا التأثير، وأكثر تواضعا في ما تحاول تحقيقه مع التأثير عليه. فالولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بالسلطة لتحقيق الجمع بين العراقيين معا من أجل حل المشاكل ولها وضع فريد لمساعدة العراق في تطبيع علاقاته مع جيرانه العرب والمجتمع الدولي. إضافة الى ذلك، فان العديد من ضباط الجيش العراقي يعتقدون أن بلادهم بحاجة إلى نوع من العلاقة الأمنية الوثيقة مع الولايات المتحدة التي جلبت "الاستقرار" إلى بلدان عربية أخرى. وهذا يوفر لواشنطن لعب بطاقة أخرى في التعامل مع القيادة السياسية في العراق.
ولعل أكبر مصدر تهديد محتمل لنفوذ الولايات المتحدة في العراق هو الخوف حيث يرى العديد من العراقيين العلاقة مع الولايات المتحدة باعتبارها وثيقة التأمين ضد عودة الميليشيات الطائفية وتنظيم القاعدة في العراق، والقمع الحكومي الأحادي ومسألة الحدود الداخلية المتنازع عليها، الانقلاب العسكري، إحياء حزب البعث، أو النفوذ الإيراني الذي لا مبرر له. ولكن ترجمة هذا التأثير إلى نتائج سياسية ملموسة لا يزال من الصعب تحقيقه.
لكن في الحقيقة قدرة واشنطن على التأثير على التطورات في العراق سيكون أكثر تعقيدا فسحب المدنيين الذين صاحبوا الانسحاب العسكري الامريكي. ومع تولي السفارة الأمريكية في بغداد زمام المبادرة في تمثيل المصالح الأميركية في العراق، فقد انخفض وجودها في المحافظات. وانخفض عدد فرق إعادة إعمار المحافظات من 23 في 2009 الى 16 عام 2010، وستتحول في مدار عام 2011، تلك الفرق إلى مجرد اثنتين من المكاتب الفرعية المؤقتة للسفارة في الموصل وكركوك، والتي ستظل مفتوحة ل3-5 سنوات قبل إغلاقها تلقائيا والى قنصليتين دائمتين في أربيل والبصرة. ونتيجة لذلك، فإن الولايات المتحدة ستفقد الوعي بالأوضاع الحرجة، مما ستكون السفارة في بغداد بعيدة عن التطورات في المحافظات بشكل خطير. وعلاوة على ذلك، فإن الحالة الأمنية غير المستقرة في المحافظات حرجة من المرجح أن يستمر تقييد حرية تنقل الدبلوماسيين الأمريكيين، مما سيؤدي إلى تفاقم هذه المشكلة.
نحن هنا نتحدث عن منطقة حرب مستمرة من ثمان سنوات وليس في بلد مستقر كشأن باقي دول العالم فالولايات المتحدة لم تستطع السيطرة على العراق ولديها جيش قوامه 150 الف من الجنود النظامين ومثلهم من المرتزقة فكيف ستواجه التحديات العسكرية المتمثلة بالمقاومة العراقية في ادارة معركة الصراع في العراق ان أراد المقاومون ذلك. ونتيجة لذلك من بعد ان امضى سبع سنوات على أرض الواقع والعلاقات المصنوعة بعناية كبيرة مع القادة المحليين، فالجيش الامريكي يمتلك ثروة من المعلومات حول المجتمع العراقي والسياسة المحلية. وهذه المعرفة وهذه العلاقات ستكون هي الحاسمة بالنسبة لدور الولايات المتحدة في المستقبل العراقي والحاجة في نقلها إلى فريق الدبلوماسية الأمريكية سيكون هو التحدي أمام الادارة الأمريكية بالرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان هذا سيحدث او أنه أمر مرغوب فيه لدى الديبلوماسيين في الخارجية.
فالانتقاص من الوعي بالأوضاع ينطوي على مخاطر كبيرة. لهذا السبب، قد يكون من المنطقي للسفارة الامريكية في بغداد الاحتفاظ بخدمات مجموعة صغيرة من ضباط الجيش من المستوى المتوسط الذين خدموا في المحافظات والذين لديهم الاتصالات في جميع أنحاء البلاد وقد يكون من المفيد جدا لهم العمل في السنوات المقبلة بهذا الاتجاه. وبعد لا يمكن لاستراتيجية الولايات المتحدة أن تكون فعالة دون التصدي للفساد العراقي. فطبقا لمنظمة الشفافية الدولية، العراق هو واحد من أكثر الدول فسادا في العالم، فهو يحتل المرتبة 176 من أصل 180 بلدا. وقد اطلق ستيوارت بوين، المفتش العام الامريكي الخاص لإعادة إعمار العراق، الفساد في العراق "بالتمرد الثاني".
فتأثير الفساد منتشر وهو يقوض الأمن، فالرشوة منتشرة بين الجنود العراقيين والشرطة والقضاة وحتى أدت إلى تجاهل أنشطة الجماعات المسلحة وإطلاق سراح المعتقلين، بل ان الفساد يفسد الإيمان في النظام السياسي، مما سيهدد المستقبل على المدى الطويل من أجل الديمقراطية، ويضعف شرعية تيار الأحزاب السياسية ويخلق المظالم للأحزاب المتطرفة القادرة على استغلالها. والمسؤولين الفاسدين في كثير من الأحيان يوزعون مكاسبهم غير المشروعة لأصدقائهم المقربين في تقاسم للهوية المشتركة العرقية أو الطائفية، والفساد يغذي مشاعر الاستياء والتوترات العرقية والطائفية. لهذه الأسباب ينبغي على الولايات المتحدة مواصلة الضغط على الحكومة العراقية لتطبيق القوانين واللوائح القائمة لمكافحة الفساد، وتعزيز آليات التنفيذ، وتمرير قوانين وأنظمة جديدة عند الاقتضاء. وستحظى هذه الجهود بنجاح محدود، طالما قادة العراق المدنيين والعسكريين مستفيدين من هذا الفساد.
ونتيجة لذلك بعد مضي ثمان سنوات على أرض الواقع وضمن إطار إدارة أوباما باستمرار دور الولايات المتحدة العسكري في العراق فقد حان الوقت لتجاوز الرأي الضيق في حدود العلاقة العسكرية. فدور العراق المحتمل كلاعب في بلاد الشام والفاعل المركزي في الخليج العربي يعني علاقة أمنية طويلة الأمد بين واشنطن وبغداد هو في مصلحة الولايات المتحدة الوطنية. وعلاوة على ذلك، أعرب مسؤولون كبار في الجيش العراقي عن شكوكهم حول قدرة قوات الامن العراقية للحفاظ على النظام في البلاد من دون دعم الولايات المتحدة، في حين أن سلاح الجو العراقي، الذي يفتقر الطائرات الحديثة المقاتلة، لن يكون مستعدا لتأمين مجاله الجوي قبل انسحاب 2011 . ولذلك، فإن الولايات المتحدة لها مصلحة في الحفاظ على وجود عسكري يبقى في العراق بعد 2011 - ربما لواء واحد أو لواءين من الجنود بين خمسة – عشرة الأف جندي. ويتعين على زعماء العراق فهم أن الشعب الأميركي سيدعم علاقة أمنية بعد 2011 إلا إذا كانوا يعتقدون أن العراق لديه حكومة فاعلة وقادرة على الاستجابة لمخاوف الولايات المتحدة.
يجب على بغداد أن تحرص على عدم سؤال واشنطن لتولي المزيد من المسؤوليات الأمنية من التي يمكن التعامل معها. ويجب على الولايات المتحدة التركيز على تحسين قدرة العراق على مواجهة الإرهاب داخل حدوده، والمساعدة على ردع التدخل من جانب تدخل الدول المجاورة مثل إيران لكنه لا ينبغي، في هذا الوقت، الحصول على العراق كحليف بينما لا يزال هشا في احتواء ايران.
تاريخ الدول التي خرجت بعد الصراعات تشير إلى أن العراق سوف يكتسب قوة سياسية وتماسكا، وسيكون له فرصة أفضل لتجنب تجدد الحرب الأهلية، إذا مر من خلال عملية مصالحة وطنية، ومع ذلك لم يتحول العراق بعد إلى مجتمع ما بعد الصراع الحقيقي. فالهجمات المتواصلة من جانب المقاومة سيرسخ المزيد من الطائفية كعامل في السياسة العراقية والمجتمع، إذا ان المقاومة لبست بشكل ثابت لون معين في حين ارتضى قسم من الشعب العراقي العيش كيفما كان في ظل الاحتلال ولهذا فسيكون لدى المقاومة القدرة على إثارة العنف إلى أبعد من ذلك حتى التحرير الكامل.
حتى الآن، شهد العراق "المصالحة التكتيكية" فقط من نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج للسنة من الصحوة ومن معهم والمتمردين الشيعة. لكنها لم تشهد هذا النوع من القاعدة العريضة لعملية المصالحة الوطنية كما يجب على سبيل المثال، في الأرجنتين والسلفادور وجنوب أفريقيا ولن تكون كذلك طالما بقي رموز الحكومة الحاليين على نفس المبادئ التي حكموا بها بما سبق. الآن، قد يكون أفضل أمل للعراق في "المصالحة من خلال السياسة" في تحالف عريض القاعدة يحكم عناصر من شأنها أن تعطي كل المجتمع حصة في النظام السياسي.
ولكن من السهل تخيل ان السياسة العراقية ستقوم بتفريخ جولة جديدة من العنف العرقي والطائفي إذا لم يستبعد السياسيين الصدريين من تشكيل حكومة ائتلافية، أو بزيادة التوتر بين بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل بعد مغادرة القوات الأمريكية. ومنع مثل هذا العنف يكون أفضل حجة لبقاء دائم، وإن كان أقل بكثير من الوجود الامريكي والعسكري السابق في العراق.
وهناك شرط لا غنى عنه هو الشجاعة في عملية المصالحة الوطنية الناجحة، والقيادة بعيدة النظر. فالعراق يفتقر حاليا إلى مثل أولئك القادة في العملية السياسية التي صنعها المحتل، على الرغم من أن هذا لا يعني انه لا يمكن اتخاذ خطوات الآن لتمهيد الطريق للمصالحة. تحقيقا لهذه الغاية، لكن على الجيش والسفارة الأمريكية ان تعمل مع الحكومة العراقية والمنظمات غير الحكومية الدولية والعراقية، والأمم المتحدة لوضع خطة لعملية المصالحة الوطنية التي تتضمن الدروس المستفادة من أماكن أخرى وبما يعكس أيضا القيم والتفضيلات الثقافية العراقية والواقع السياسي.
واذا كان العراق يستطيع ان يتجنب جولة أخرى رئيسية من إراقة الدماء الطائفية وإنتاج الشجاعة، والقادة بعيدو النظر الملتزمين بالمصالحة الوطنية كخطة يمكن أن تكون أهم تركة للولايات المتحدة في نهاية المطاف تورث للعراق.
لكن تجارب السنوات التي سبقت والتي علمتنا ان منهج التدمير بكل مفاصل الحياة العراقية للأرض والبشر والحجر والبيئة كان ممنهجا وذات نظام سارت عليه الادارة الأمريكية بصورها المختلفة وليست أخطاء من البعض في التصرف او في الاستراتيجيات او في الرؤية وما غير ذلك ولذا نظن ان مستقبل العراق مرهون بأبنائه الذين رفضوا الاحتلال بكافة أشكاله وقاوموا الغزو بكافة صوره وهم سيرسمون مستقبله .
وما ورد من وجوب لإصلاح الأخطاء الأمريكية لضمان استقرار العراق فهذا الأمر سيكون بكل تأكيد محصور بيد بعض الدارسين الذين افتقدوا الرؤية الواقعية للأمور والذين يتمنون نجاح النموذج المثالي للأمريكان في العراق وهم بعيدون كل البعد عن أهداف المؤسسات والشركات الأمريكية في عدم استقرار العراق لعقود قادمة .
For more question or explanation stay with the web site
www.nasr-i.org
Or: Info@nasr-i.org
Copyright © 2006. All rights reserved to N A S R, Nothing in this publication may be reproduced without the permission of the publisher.