15 Jul
15Jul


إن تحديد مفهوم، "بناء الدول" مصطلح تبنته الولايات المتحدة يقوم على "نشر الديمقراطية" ويعنى "استخدام كافة القوى والوسائل المتوفرة الأخلاقية منها وغير الأخلاقية والمشروعة منها وغير المشروعة بهدف تحويل الدولة المعنية إلى دولة "تابعة لها"، بعد مكابدتها لعقود من الفساد والاستبداد، كما هو الحال في العراق.

الشيعة ودور الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع هذه المجموعة, والمنظومة الاجتماعية الجديدة في التعامل الأمريكي معها في المنطقة, والمراسيم والمناسبات الرسمية للمجتمع الغربي الذي نشأ وسط المنطقة بكل أساليبه وعاداته كنتيجة مباشرة لوجود مئات الآلاف من الجنود الغربيين في المنطقة وبالتالي استدراج التقنيات الثقافية الجديدة ودورها في تعزيز المفاهيم والتوجهات الغربية.

القطن والتمر والصوف بأنواعه والزراعة بشكل عام والمسائل الاجتماعية كالطلاق والزواج والاحتفالات الدينية وسواها, إضافة الى صناعة السينما قبل التقدم الصناعي في المجالات الأخرى وكذلك التعامل الأمريكي مع الأقليات وضماناتها كل هذه المسائل كانت ذات روابط متداخلة ومشتركة.

تلك الشؤون تحدثنا صراحة كما يبلغ وزير الخارجية الامريكية ميلز الملك فيصل الأول " أن الأمريكيين لا ينظرون الى هذه القضايا على أنها مجرد شؤون محلية وبعكسه فان الولايات المتحدة لن تعترف بالعراق كدولة في المجتمع الدولي إذا جرت الأمور بعكس ما تتمناه الحكومة الأمريكية وان جهود القناصل الأمريكيين في هذا الشأن هي في موازنة النفوذ المحلي النشط تجاههم".

كذلك يرسل المندوب السامي البريطاني رسالة الى رئيس الوزراء العراقي يحثه فيها الحكومة العراقية على تسوية هذه المسائل قبل اجتماع تشرين الثاني 1926 في جنيف ولأن لديه تكليف من اللجنة الدائمة في جنيف ولأنه بخلاف ذلك فان ردوده على ولاية اللجنة قد تخلق انطباع غير مواتي في أوربا والولايات المتحدة حول العراق تحديدا وعلى منطقة الهلال الخصيب بشكل عام.

ومما لاشك فيه أن الحكومة العراقية كانت مهتمة كثيرا بموقف الولايات المتحدة واتجاهات رؤيتها تجاه المنطقة وبالاعتراف بدول المنطقة وقد تكون استقالة رئيس الوزراء آنذاك في العراق عبد المحسن السعدون من أسباب عدم اتخاذ مثل تلك الإجراءات بهذا الشأن.

هذه الادوار هي استكشاف للدور المركزي للعراق ومنطقة الهلال الخصيب في تشكيل السياسة العامة للحكومات في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية في النصف الأول من القرن العشرين.

ان تاريخ العراق الزراعي والاجتماعي  منذ بدء الانتداب البريطاني في عام 1920، وحتى الاستقلال في عام 1932، تعود إلى خضم الأحداث الهائلة في القرن العشرين من ظهور وفاعلية ثم وفاة الإمبراطورية البريطانية وربما كان الأكثر أهمية بالنسبة للشرق الأوسط. ولا يمكن لهذا أن يكون أكثر وضوحا مما كان عليه من أن ينظر إلى العلاقات بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية.

التحول الهائل في موازين القوى التي وقعت، خلال هذه الفترة والامتيازات الزراعية التي أثرت على الاقتصاد العالمي وسياستها الخارجية بصورة أعمق مما يمكن أن يتوقع، صنعت إمكانية الحفاظ على قاعدة قوية للعمليات في المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية في الشرق الأوسط – حيث التعمير والصناعة والتوسع في ذلك يتوقف على تلك الامتيازات – وذلك  يعني أن الولايات المتحدة كانت على استعداد للموافقة على ما يقرب من أي شروط يتم التفاوض عليها بينها وبين العراق مقابل قبول وجودها هناك. وهذه السنوات تظهر تقريبا العلاقات بين واشنطن وبغداد. حيث  أصبح العراق أكثر قوة من الناحية الاقتصادية، وكأنه قد وصل إلى درجة من الاستقلال الذاتي والحتمية التي لا يمكن إزالتها. فدروس التاريخ مهمة لتعلم الدروس المهمة بالنسبة للعالم الحديث .

الفكر الاستراتيجي في وزارة الخارجية الامريكية وتغطيتها لقضايا التخطيط الاستراتيجي والأمني للمنطقة. وجميع المواد مستقاة من السجلات الروتينية واليومية والتقارير والتعاقدات، والدوريات بصورة عامة، لا تمثل إلا وصفا للمشاكل والمقارنة بين مناطق الهلال الخصيب المختلفة. وكان هناك ما سيجعل في وقت لاحق ما سيناقض تماما هذه السياسة، ويبدأ الخطر الذي سيهدد المصالح الأمريكية في المنطقة والذي سيصبح الآن منبثقا من العراق.

أن الخاصية التي تتمتع بها المصالح الأمريكية تتمثل بشكل أساس بان لديهم مرجعية في المنطقة تتمثل بوجود الشيعة والأرمن فيها وهذا يعتبر ذا فائدة تعود الى الأمريكيين نظرا لانتشارهم على نطاق العالم كله وهذا يعني إن الدفاع عن المثل والعدالة الأمريكية في قضية كقضية الشيعة في بغداد أو في استغلال وتوطين الاقليات في مناطق الهلال الخصيب تعد بمثابة الولاء للمصالح الشخصية للآلاف من المواطنين الأمريكيين في العالم, لهذا فان وزارة الخارجية تحتفظ بالعديد من الملفات الهامة عن هذه القضايا الحساسة.

حجم الصراع الإداري بين وزارة الخارجية ومكتبها المختلفة وإتباعها السياسة الأحادية والمنفردة التي انتهجتها الولايات المتحدة تجاه المنطقة والتي كان يمكن أن تؤول لنتائج أفضل إذا حظيت بحسن النوايا، فالتكاليف على الجانبين العراقي والأمريكي كانت ماديا وبشريا تفوق كل التصورات ولا يمكن مقارنتها بحالات سابقة مماثلة كانت الأمم الأخرى قد أعيد بناء دولها بعد الحرب العالمية الأولى وهذه هي النتيجة الرئيسية التي يمكن استخلاصها دور الأمم في بناء الدول مقارنة بحالات مشابهة قامت فيها الولايات المتحدة بدور مماثل.

إن تحديد مفهوم، "بناء الدول" مصطلح تبنته الولايات المتحدة يقوم على "نشر الديمقراطية" ويعنى "استخدام كافة القوى والوسائل المتوفرة الأخلاقية منها وغير الأخلاقية والمشروعة منها وغيرها بهدف تحويل الدولة المعنية إلى دولة "تابعة لها"، بعد مكابدتها لعصور من الفساد والاستبداد، كما هو الحال في العراق.

يخلص التاريخ الى تحول العراق الى دولة فاشلة أو ضعيفة بسبب تلك السياسات بما حمل من علامات عدم الاستقرار والتي تعد الأقرب لأن تكون دولا فاشلة، اعتمادا على مؤشرات اجتماعية واقتصادية وسياسية .

والآن، فإن مخاطر فشل الدول أصبحت محورا لاهتمام جميع المراقبين للشأن العالمي، خاصة بعد أن صار تصدير مشكلاتها أمرا حتميا، سواء تعلقت بعدم الاستقرار أو الحجم المشاكل التي تواجهها وليست لديها القدرة على صدها أو في طريقها للانهيار؟

ذلك طبعا يكون عندما تفقد الحكومة المركزية سيطرتها على أراضيها، لكن ثمة مقدمات حادة للفشل، منها أن لها مقدمات تاريخية والتي تجعل بعض الدول لا تتمكن من الاحتكار والاستخدام الشرعي للقوة بما يعرضها للاضطرابات. فبعض الأنظمة تنقصها السلطة الكافية لاتخاذ قرارات أو تكون لها القدرة على تقديم الخدمات المجتمعية. والدول الفاشلة على المستوى الخارجي، تكون سيادتها مقيدة تلقائيا من خلال عقود الاحتكارات والامتيازات الاقتصادية والسياسية.

 كذلك هنالك المؤشرات الاجتماعية كتصاعد الضغوط الديموغرافية والحركة غير النظامية للأفراد التي تخلق معها حالة طوارئ معقدة تنتج الأمراض، ونقص الغذاء والمياه الصالحة، والتنافس على الأرض الذي يجعل الجماعات المظلومة تنتظر الثأر والفرار الدائم والعشوائي للناس كهجرة العقول، وهجرة الطبقات المنتجة من الدولة، والاغتراب داخل المجتمع.

ومن المؤشرات الاقتصادية غياب التنمية الاقتصادية لدى الجماعات المتباينة مثل عدم المساواة في التعليم والوظائف والدخل، ومستويات الفقر، وتزايد النزعات الإثنية والانحطاط الاقتصادي الحاد في الدخل القومي، وسعر الصرف، والميزان التجاري، ومعدلات الاستثمار، وتقييم العملة الوطنية، ومعدل النمو، والفساد، والتزامات الدولة المالية.

ومن المؤشرات السياسية  فقدان شرعية الدولة من حيث فساد النخبة الحاكمة، وغياب الشفافية والمحاسبة السياسية، وضعف الثقة في المؤسسات السياسية.

كذلك في التدهور الحاد في تقديم الخدمات العامة وعدم أداء الدولة لوظائفها الجوهرية مثل حماية الناس، والصحة والتعليم والتوظيف، والحرمان من التطبيق العادل لحكم القانون وتشتت الأمن والذي قد يخلق دولة داخل الدولة فظهرت نخبة عسكرية داخل الجيش، وظهرت النزاعات المسلحة، وتنامت الانشقاقات داخل النخب في الدولة وأصبح تدخل الدول ألأخرى كفاعل أسياسي خارجي بأشكاله التدخل العسكري أو شبه العسكري داخليا في الدولة أو في مؤسسات المجتمع.

ولا يسعنا في هذا المجال إلا أن نؤكد أن هناك مساحة واسعة بين ما نأمله لشعوبنا ومنطقتنا من تقدم وازدهار وثقة بثوابتنا الأساسية في تغير الأحوال وبين المسار التاريخي والحقائق الأرضية الواقعية والتي يختلف فيها اللاعبين وتتغير فيها قوانين الفوز والخسارة بينهما طبقا لكل طرف .

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.