"الهزيمة: بين الواقع والإنكار"
د. مهند العلام.
22/10/2024
أليست أيامنا كمؤتة.... ما الذي يمنعنا من إقرار الهزيمة والخسارة؟ ما الذي نخشاه من الاعتراف بالفشل؟ أليس ما نعيشه اليوم هو الانحدار والنكسة؟ أولسنا نعيش الإخفاق والخيبة كل يوم؟ ما الذي يجنبنا هذا السقوط والانكسار؟ في غزوة مؤتة، التي وقعت في بلدة مؤتة في الكرك / الأردن في جمادى الأولى من العام الثامن للهجرة (أغسطس 629 م)، بين جيش المسلمين من جهة والروم والغساسنة من جهة أخرى. تجمع العديد من المصادر التاريخية على أن سبب الغزوة هو قيام شرحبيل بن عمرو الغساني بقتل الحارث بن عمير الأزدي، الذي أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم يحمل رسالة إلى ملك بصرى يدعوه فيها إلى الإسلام. في تلك الغزوة، صمد ثلاثة آلاف مقاتل مسلم أمام مائتي ألف من الروم والقبائل العربية الحليفة لهم لمدة ستة أيام كاملة، انتهت المعركة في اليوم السابع بعد قيام قائد الجيش خالد بن الوليد بانسحاب تكتيكي ناجح وبأقل الخسائر. بعد أن قُتل في هذه الغزوة القادة المسلمون الثلاثة الذين اختارهم الرسول صلى الله عليه وسلم لقيادة المعركة، وهم: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، الذي أوصاهم بأن: "اغزوا بسم الله، في سبيل الله، مَنْ كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناء". روى البخاري عن خالد بن الوليد قوله: "لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية". ورغم ذلك، أظهر خالد بن الوليد مهارته في تخليص المسلمين مما لقوه في تلك المعركة، واعترف بهزيمة جيشه، ولم يستطع تنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأمر بانسحاب الجيش بطريقة منظمة مع حفظ نظام جيشه. فلما دنوا من حول المدينة، تلقاهم الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون، فكان الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون: "يا فرار، فررتم في سبيل الله"، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليسوا بالفرار، ولكنهم الكرار إن شاء الله". ورغم أن سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم وصفهم بالكرار، إلا أن سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة كان لا يستطيع حضور الصلاة مع رسول الله ومع المسلمين، لأنه كلما خرج صاح به الناس: "يا فرار، فررتم في سبيل الله"، حتى قعد في بيته فما خرج. بعد عام 2003 شرع المسلمون بمقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق وكادوا ان ينتصروا في تلك المواجهات الا انهم اضطروا للحرب في ثلاث جبهات في وقت واحد فخسروا المعارك واحدة تلو الاخرى وعضوا على جروحهم ولم ولن يقروا بالهزيمة رغم صفاء ومشروعية مشروعهم المقاوم، وحينما حاول بعض المسلمين الحكم في عدة دول بطريقة ديمقراطية فشلوا في الحكم حينما مارسوا الحكم كجماعات وليس كدول ولم ولن يعترفوا بفشل تجربتهم. واليوم نعيش ارهاصات هزائم جديدة لكن الخطاب هو نفس الخطاب لم يتغير رغم الظروف والاحوال والتحالفات السائدة. ان عدم اعتراف بعض الإسلاميين بالهزيمة يمكن أن يُعزى إلى عدة عوامل، تتعلق بالمنظور الفكري والثقافي والسياسي. فالإيمان بالمشروع الإسلامي القوي وأهمية هذا المشروع، جعلهم يعتقدون أن التحديات التي يواجهونها إنما هي مؤقتة، وأن النصر والفوز في النهاية سيكون حليفهم. وهذا الإيمان قد يدفعهم إلى رفض فكرة الهزيمة، معتقدين أن المستقبل يحمل في طياته الانتصارات. كذلك، فإن الاعتراف بالهزيمة قد يكون له تأثير سلبي على الروح المعنوية لأفراد الحركات الإسلامية ومؤيديها. فالمواجهة مع الواقع قد تؤدي إلى فقدان الثقة والانقسام، لذا قد يفضل البعض استمرار الخطاب الإيجابي الذي يروج لفكرة الانتصار. لقد كانت العديد من الحركات الإسلامية تستند إلى سرديات تاريخية تُظهر أن الأمة الإسلامية واجهت تحديات كبرى في الماضي وتمكنت من التغلب عليها. وبناءً على ذلك، يمكن أن يتبنى البعض فكرة أن الوقت سيأتي ليشهدوا انتصارات جديدة. ثم إن بعض الإسلاميين قد ينظرون إلى الأحداث السياسية على أنها جزء من صراع طويل الأمد، وهذا ما يفسر الهزائم الحالية على أنها خطوات في مسار أكبر نحو الانتصار النهائي. وهذا التحليل قد يشمل رؤية الهزيمة كمرحلة انتقالية وليس كفشل نهائي. وبالتالي، فإنهم يتبنون أفكاراً تعزز من فكرة النضال المستمر، حيث يرون أن الهزيمة ليست خياراً، بل يجب الاستمرار في العمل من أجل تحقيق الأهداف. وهذا ما يدعم الأنشطة السياسية من خلال تعزيز الخطاب المليء بالأمل والنجاح، حتى لو كانت الحقائق على الأرض تشير إلى العكس. فهذه الاستراتيجية يمكن أن تساعد في تجميع الجهود وتوحيد الأعضاء. إن رفض الاستسلام في الثقافات الإسلامية التي تشدد على الكرامة والشجاعة والجرأة والإقدام والبأس والبسالة والصمود والعزيمة والثبات والتحدي والعزة والشرف والرفعة والفخر والهيبة والسمو وعلو المكانة والاحترام، يمكن أن يُنظر إلى الاعتراف بالهزيمة كعلامة على الضعف أو الاستسلام. وهذا قد يؤدي إلى عدم الرغبة في الإقرار بالفشل أو الهزيمة، حتى لو كانت الأمور تسير بشكل كارثي. لكن تلك المواقف ستؤدي إلى تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي والديني في العالم الإسلامي، وإلى مزيد من الخسائر والأرواح والإمكانات. إن عدم الاعتراف بالفشل يمكن أن يكون له تأثيرات متباينة. فدوام التحفيز والاستمرار والإيجابية والمثابرة لا يمكن أن يؤدي إلى تحسين الأداء في المستقبل. كما أن تعزيز بناء الهوية والانتماء لا يمكن أن يعززه رفض الفشل. فبعض الأفراد أو الجماعات قد لا يعترفون بالفشل، ولكنهم يستطيعون التعلم من الأخطاء والخبرات السابقة دون الاعتراف العلني بها. كما أن تجنب الإحباط قد يساعد على تفادي مشاعر الإحباط والاكتئاب التي قد تؤثر سلباً على الحافز، والبحث عن حلول جديدة بدلاً من الاستسلام. لكن إنكار الحقائق وفقدان التواصل مع الواقع سيؤدي إلى تجاهل الحقائق والتحديات الحقيقية، مما يجعل الناس غير مستعدين للتعامل مع المشكلات بشكل فعّال. فتكرار الأخطاء وعدم التعلم سيعيق التقدم وسيؤدي إلى نتائج سلبية على المدى الطويل. كذلك، سيؤدي الإنكار للحقائق إلى فقدان الثقة، كلما استمر الناس على إنكار الفشل، وهذا ما يؤدي إلى عدم التكيف، وسيمنع المسلمين من التكيف مع الظروف المتغيرة والسعي نحو التحسين المستمر. وربما يكون تحقيق الانتصار الحقيقي هو في التوازن بين الإيمان بالمشروع والقدرة على الاعتراف بالواقع وتعلم الدروس منه.