السياسة.. المقال الثالث
مهند العلام
25/11/2024
الفلسفة السياسية فرع من فروع الفلسفة، التي تركز بحثها حول الحكمة، والحقيقة المتعلقة بالمبادئ الأصولية، وهي تعتمد على التحليل العقلي، واقرب تعريف للعمل بها "هي تركيب الآراء والمعلومات، والتأملات، والافتراضات، والقواعد".
وان عدم التفريق بين الفلسفة السياسية وبين النظرية السياسية، يؤدي عادة الى اختلاف تفسير اي وضع سياسي سائد، او حتى في فهم شكل واستلهام وتصور، او امكانية اعادة تطبيق التراث السياسي الاسلامي، فضلا عن ذلك ان عدم معرفة العلاقة بين القيم الاخلاقية الدينية وبين التعامل السياسي، يكون من اهم اسباب هذا الخلط، فالتعامل السياسي انما يكون حول الواقع وليس بحسب الافتراض ما يجب عليه ان يكون.
تهتم الفلسفة السياسية، بدراسة القيم كالحرية "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، والعدالة "وأمرهم شورى بينهم" "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى" ، والمِلكية "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون"، والحقوق "ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين"، والقانون "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"، وتطبيق السلطة للقوانين "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"، وما الذي يمنح الشرعية والسلطة للحاكم "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر"، وماهية الحقوق والحريات التي ينبغي على الحكومة حمايتها "وأمرهم شورى بينهم".
ولذا فالفلسفة السياسة هي تفكير نظري فيما يتعلق بالتجربة السياسية، باعتبارها بعدا من أبعاد التجربة الإنسانية عامة. وهي أيضا فرع من فروع الفلسفة، جاء تصنيفها ضمن العلوم التطبيقية، نظرا لارتباطها بالممارسة العملية. وقد برز ذلك في رؤية الفارابي للمدينة الفاضلة التي تستند إلى القيم الإسلامية والتي تتجاوز قيود الواقع، وفي كتاب "الجمهورية" لأفلاطون، اذ صور نظامًا مثاليًا للحكم القائم على العدالة ولا ترتبط بزمان أو مكان محدد.
تطرح الفلسفة السياسة أسئلة، عن الدول والحكومات والسياسات المتبعة فيها، وعن الملكيات العامة والخاصة وعن القانون، ماهي؟ ولماذا يحتاجها الإنسان؟، وماهي معايير اعتبار حكومة ما شرعية؟، وماهي الحقوق والحريات التي يجب أن تقيد؟، ولماذا؟، وكيفية إجراء التقييد عليها، ولماذا؟، كما تعرف الفلسفة السياسية القانون، وتحاول تحديد واجبات المواطن تجاه حكومته الشرعية إن كانت تحكمه حكومة شرعية.
تعود الفلسفة السياسية للرغبة في التفكير فيما تطرحها الحياة السياسية من مشكلات، تستعصي على الفهم والحل، وهي تختلف عن علم السياسة من جهة أنه إحصاء وترتيب للنظم السياسية، وتختلف عن علم الاجتماع السياسي من جهة ما هو بحث في الابعاد الاجتماعية للتجربة السياسية.
ولذا فالفلسفة السياسية انما هي تتكون عن طريق التأمل في السلطة، وبعدم التقييد لا بالزمان ولا بالمكان، فالفلسفة تجرد للمطلق، والفلسفة السياسية تمثل القيم الفكرية لنظام متكامل، فهي عملية ربط بين الواقع والمستقبل عن طريق ادوات مجردة، تسمح بتقديم نموذج متكامل للتصور السياسي.
ومن ناحية أخرى، تستخدم نظرية المعرفة في دراسة أصل الدولة ومؤسساتها وقوانينها كجزء من دراسات الفلسفة السياسية، وهذا ليس هو الحال مع النظرية السياسية.
وبالتالي فان الفلسفة السياسية تختلف عن النظرية السياسية، فهما موضوعان يختلفان عن بعضهما البعض في جوانب كثيرة. اذ النظرية السياسية منطقية في تفسيرها واستنتاجاتها. بينما تشكل الفلسفة السياسية المثالية في تفسيرها واستنتاجاتها.
تهتم النظرية السياسية بمناقشة ما يختص بالطبيعة السياسية مثل، الهوية، والثقافة، والعِرق، والثروة. وبالتالي فالنظرية السياسية هي جهد أو نوع من أنواع الفكر السياسي، اذ تعنى بنقل الظواهر المختلفة التي تقع فعلا في عالم السياسة إلى نطاق العلم الواقعي المتفق مع العقل والإطار الواقعي أو العملي في علم السياسة أو العلوم السياسية، ولا يشغله ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع السياسي، وإنما تبحث في طبيعة الظاهرة بوصفها أمراً واقعاً. وحقيقة الواقع كونه ليس ثابتا وانما متغيرا، وايضا كونه مركبا متعددا يختلف بعضه عن البعض الاخر، وايضا كونه محكوم عليه ذاتيا وليس موضوعيا.
وتأتي أهمية النظريات السياسية في الكشف عن الأصول العامة أو القوانين التي تبين علاقة السببية، أي الربط بين أسباب الظواهر السياسية ومسبباتها. وتكمن أهمية النظريات السياسية ايضا، في كونها تعمد إلى ايجاد علاقة أو رابط بين سبب ومسبب، وبرغم أن النظرية السياسية تعد بمثابة عمل بنائي لكونها تبدأ بالمشاهدة الحسية للظواهر السياسية ثم تكشف عن القوانين التي تحكم هذه الظواهر إلا أنها قد لا تهدف، أو بمعنى أدق لا تستطيع في معظم الأحيان إحلال شيء ما محل ما يقابله في الواقع السياسي.
وأهم النظريات السياسية هي، نظرية الدولة، ونظرية السيادة، وتندرج تحت اطاري النظريتين عدة نظريات فرعية، تفسر نشأة الدولة وظاهرة السيادة.
والنظرية السياسية تتناول النظرية العامة للدستور والمواطنة، وبعبارة أخرى، يمكن القول إن النظرية السياسية تحدد وتشرح أشكال الحكم المختلفة، كالملكية والجمهورية، والطغيان، والأرستقراطية، والوليغارشية، والنظام السياسي، والديمقراطية، وغيرها كثير من النظريات التي نجحت وطبقت وماتت عبر العصور الانسانية. وفي العصر الحديث بينها كتاب "صدام الحضارات" لصامويل هنتنغتون، الذي حلل القوى السياسية القائمة وتأثيرها في العلاقات الدولية. وكذلك في دراسة فرانسيز فوكوياما حول "نهاية التاريخ"، التي حللت الواقع السياسي القائم.
إن تفسير السلطة في المجتمع يشكل جوهر النظرية السياسية. فالسلطة يجب أن تكون متوازنة بشكل جيد بين كياناتها الثلاثة "الدولة والمجتمع والأفراد" في نفس الزمان والمكان.
ولأجل تمام المقارنة بين مبادئ النظرية السياسية وبين القيم الفلسفية السياسية، فلابد لنا من بحث هذه المسالة من جوانب عدة، والتي من اهمها، معرفة اهم اصول احكام الاخلاق واقسامها، وفي اقسام السياسات واحكامها، وحتى في المراتب الانسانية، اذ اجتماع الاخلاق والسياسة، ومعرفة مكارم الاخلاق، والصفات الحسنة، وتنظيم الافكار والروية، وفي الفضائل والرذائل، والسعادة، وسياسة الانسان لنفسه ولعائلته ولمجتمعه، وسياسة الانسان مع اعدائه، مع معرفة اصناف السيرة العقلية وانتظامها للإنسان مع من دونه ومع من فوقه، وماهو الداعي لإقامة السياسة في العالم وفي كيفية التعامل مع الملوك والعلماء الاجلاء .
والنظرية السياسية عند المسلمين تبحث في الكيفية التي تُنظم بها الشؤون السياسية والاجتماعية وفقًا للشريعة، مع مراعاة الظروف الواقعية. وتعكس هذه النظرية السياسية فهمًا عمليًا للإسلام، اذ تطبق القوانين والقيم لتحقيق الخير العام. وتُعد الأخلاق السياسية مركزية؛ فلا يُسمح للحاكم بالظلم، ولا يُسمح للمجتمع بالصمت عنه.
ومن هنا جاءت نظريات سياسية للمسلمين كالإمامة " أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيتُه فلا طاعة لي عليكم"، والشورى "وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله"، والبيعة كعقد سياسي بين الحاكم والمحكوم كما في "بيعة العقبة"، والمواطنة والعدالة الاجتماعية كما في "وثيقة المدينة"، كنظريات سياسية ملائمة للواقع الذي كان سائدا آنذاك وليس بالضرورة اعادته او استنساخه في زمان ومكان مختلفين.
بينما تأتي في عالمنا المعاصر نظريات سياسية كسيادة القانون والعدالة كما في السويد والدنمارك، والشورى كما في ماليزيا، والعدالة الانتقالية كما في جنوب إفريقيا، والرفاهية الاجتماعية كفنلندا، وحماية الحريات الفردية كما في الولايات المتحدة، والمواطنة كما في سويسرا، وغيرها ما يعكس فكرة ملاءمة النظريات السياسية لاحتياجات الناس في حياتهم.